صادف يوم أمس الثلاثين من نوفمبر ذكرى استقلال جنوب
اليمن من الاحتلال البريطاني البغيض وأعوانه وقيام أوّل
جمهورية شعبية في الجنوب اليمني ما لبثت أن أوقاعها
الماركسيون فريسة للنظام الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفيتي
آنذاك ليحل موضع الاحتلال احتلال ومحل الأعوان أعوان جُدد
يجمعهم مع من سبقوهم الحرص البالغ على الحكم والتحكّم و
التسلّط.
ولقد جرى استخدام مُفردتين لتوصيف استيلاء الطامعين
للخيرات المادية الأرضية على أوطان غيرهم واستلابهم لها هما
احتلال واستعمار. و حين نُمعن في التأمل والنظر نجد أنّ إطلاق
لفظة استعمار على تلك الظاهرة السياسية فاقدة لمعناها الواقعي
و لقيمتها الحقيقية فالمُحتلون لم يأتوا ليُعمّروا البلدان التي
احتلوها ، و عِوضاً عن مُفردة الاحتلال التي توصّف حاله فمُفردة
الاستعمار تمنح إسمياً وتُضفي على أولئك الدُخلاء الطامعون مزية
التعمير من دون قيد يربطه بالآلة الغاصبة ولا بوطن المُحتلِين على
حساب الوطن الذي سيطروا عليه في زمن ضعف وفرضوا
هيمنتهم على شعبه .
إنّ تسمية الأشياء بمسمياتها هو فقط ما يتفق ويتناغم مع
الحقيقة الواقعية الماثلة والشاخصة. والصحيح تسمية القوة
الغاشمة الآتية لتفرض سيطرتها ونفوذها وتوسّع مُمتلكاتها في
أرض شعب آخر بأنها قوة احتلال لا استعمار، والحادث أنّ خراب
ينجم على أصعدة وحقول مختلفة في الوطن الضحية كنهب
الثروات الطبيعة واستغلال الموقع الجغرافي لإهداف عسكرية
وتجارية و صناعية لدى الظالمين الجشعين للتسلّط وللثروة من
دون أي فائدة مقصودة لمن وقع وطنهم نهباً للدُخلاء ومطامعهم
بل وفي أحيان ينال الشعب أو قطاعات منه بغي اللصوص
المُحتلين حين يستعملونهم في أشغال شاقة بمقابل أجر زهيد في
أحسن الأوقات و الأحوال و إلا فهي السُخرة المُرتدية أزياء
العصرنة والتحديث والتقدّم البراقة. ويجد اولئك المُعتدين في
نشر ثقافتهم بين من احتلوا أرضهم وسيلة من وسائل طول البقاء
في الوطن الذي استباحوه بالإضافة إلى أسلوب التفرقة بين
مكوناته وقواه المُحتملة النهوض في وجه الغُزاة و شراء الذمم
التي يُرخصها أصحابها بالأموال و المناصب الإدارية المُفيدة
للمُحتلين وسياساتهم.
إنّ علينا أن نتوقف عن تسمية الأشياء بغير مُسمياتها
المُعبرة عن حقيقتها فتلك القوى الغازية قوة احتلال وإرادة
احتلال لا إعمار ولا عُمران فما ثمة استعمار بل استعمال واستغلال
لتزيد أوطان الغرباء الطامعون تُخمة إلى تُخمتها وشراهة إلى
شراهتها وطُغياناً إلى طُغيانهم.
#مرعي_حميد / 1ديسمبر 2021م
إضافة تعليق