تقتضي طبيعة المرحلة الراهنة التي تشهدها البلاد التفاف جميع المكونات اليمنية حول هدف استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي والنفوذ الإيراني في اليمن، ولأجل ذلك ظل التجمع اليمني للإصلاح مساندا لكل الخطوات والإجراءات الهادفة إلى توحيد الصف الوطني وتحقيق التوافق السياسي بين مختلف مكونات الصف الجمهوري، وينطلق في حرصه على ذلك من كون الخلافات والانقسامات العبثية بين مكونات الصف الجمهوري تعد الرئة التي يتنفس منها الحوثيون وإيران في اليمن، وبالتالي فإن استمرار تلك الخلافات والانقسامات ليس سوى هدايا مجانية للمليشيا الانقلابية.
وخلال الأيام الأخيرة، بارك التجمع اليمني للإصلاح تشكيل مجلس القيادة الرئاسي المكون من ثمانية أعضاء، وكان لقياداته حضور فاعل في اللقاءات والإجراءات التي أعقبت الإعلان عن تشكيل المجلس، ومنبع ذلك التأييد يأتي من كون تشكيل المجلس تم بعد تشاور وتوافق بين المكونات اليمنية ودعم الأشقاء في تحالف دعم الشرعية، والأهداف من وراء تشكيله محددة وواضحة، وتتركز حول استعادة الدولة وإنهاء الحرب والانقلاب، ووضع الكرة في ملعب الحوثيين، فإما أن يبادروا إلى الحوار وحل الأزمة من خلال التسوية السياسية، أو اللجوء إلى الخيار العسكري لإنهاء التمرد والانقلاب وإحلال السلام في البلاد.
- الإصلاح وخيار استعادة الدولة
لم يتوانَ التجمع اليمني للإصلاح عن القيام بواجبه الوطني لدحر الانقلاب واستعادة الدولة منذ انقلاب مليشيا الحوثيين وتدخل الأشقاء العرب بقيادة السعودية لحماية اليمن من السقوط في براثن النفوذ الفارسي، ومحاولة طهران انتزاع اليمن من محيطه العربي ليصبح مصدر قلق يهدد الأمن القومي لدول الجوار، وتسرح وتمرح فيه المليشيات الطائفية الإرهابية الموالية لإيران. ورغم أن الإصلاح كان يدرك، في البداية، أن تأييده لعملية "عاصفة الحزم" سيفتح عليه أبواب جحيم الانقلابيين، لا سيما أن عددا كبيرا من قياداته كانوا -وما زالوا- في سجون المليشيا الانقلابية، لكنه آثر التضحية لأجل استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب، ورفض ابتزاز الانقلابيين وعروضهم له مقابل أن يعلن رفضه للتدخل العسكري لتحالف دعم الشرعية.
يركز "الإصلاح" كل جهوده لاستعادة الدولة، ويرى أن تلك مهمة مقدسة وأنها قضية مشتركة لجميع اليمنيين، وما سوى ذلك من انقسامات أو خلافات أو تقاعس عن المعركة الوطنية لاستعادة الدولة أو مهاترات إعلامية، فإنها تصب في مصلحة مليشيا الحوثيين، وتمنحها مزيدا من الوقت لتفخيخ الأجيال الجديدة ونشر ثقافة الإرهاب من خلال تزييف المناهج الدراسية والدورات الطائفية والتعبئة القتالية وإضفاء الهالة والقداسة على زعيم المليشيا الإرهابية ووصفه بأوصاف تضليلية للتغرير على البسطاء ودفعهم إلى جبهات الحرب للقتال في صفوف المليشيا، وإيهامهم بأن قتال إخوانهم اليمنيين هو قتال ضد أمريكا وإسرائيل وجهاد في سبيل الله.
وبما أن مليشيا الحوثيين ترى أن جميع اليمنيين أعدائها، وأنها هي وحدها من حقها الاستئثار بالسلطة وثروات البلاد، وتسعى لإقصاء الجميع من المشاركة السياسية وحرمانهم من أبسط الحقوق، فإن "الإصلاح" يرى أن ذلك يتطلب من جميع المكونات اليمنية توحيد صفوفها ونبذ الخلافات جانبا، خصوصا أن كل الخلافات قابلة للنقاش وحلها بهدوء، لأن القواسم المشتركة بين مختلف المكونات اليمنية الرافضة للحوثيين كفيلة بإزالة تلك الخلافات، وهي خلافات أغلبها قائمة على أوهام، خصوصا أن حالة الشراكة الواسعة لجميع المكونات في السلطة تبدو معها الخلافات أو الانقسامات وكأنها عبثية أو خلافات شكلية، ولا ترقى إلى مستوى العداوات، لكن تأثيرها القاتل يكمن في أنها تطيل في عمر الانقلاب وتغلغل النفوذ الإيراني في اليمن، وهذا ينعكس سلبا على الجميع، ويشكل خطرا وجوديا على الدولة ذاتها.
- أهمية التوافق السياسي
كالعادة، يكون التجمع اليمني للإصلاح من السباقين إلى الالتفاف حول أي خطوة تهدف إلى تحقيق التوافق السياسي بين مختلف مكونات الصف الجمهوري، باعتبار ذلك من أهم الأولويات الوطنية في المرحلة الراهنة، فالسباق هو سباق تضحية ونضال وطني، والتوافق السياسي هو المفتاح لتوحيد الصفوف وإنهاء الانقلاب والوضع الشاذ الذي تسببت به المليشيا الحوثية الإرهابية، فهي مشروع موت وقتال وسجون سرية وعنصرية سلالية وطائفية يستحيل التعايش معها، ولا توجد أي قواسم مشتركة بينها وبين مختلف مكونات المجتمع اليمني يمكن البناء عليها لتحقيق سلام مستدام، كونها لا تؤمن بالشراكة ولا بالتعددية السياسية والحزبية ولا تؤمن بالتداول السلمي للسلطة، وتسعى لفرض رؤية أحادية تبدأ بالسلطة وتنتهي بأخص خصوصيات المواطنين.
وفي الحقيقة، لا يبدو أن الخلافات بين مكونات الصف الجمهوري ترقى إلى المستوى الذي يستحق إثارة الجدل بشأنها، لكن طول أمد الحرب وعدم تحرك كل الجبهات بشكل متزامن لإنهاء الانقلاب واستعادة الدولة يوحي بأن الخلافات هي السبب وراء ذلك، وبالتالي فإن التوافق السياسي يجب أن يتحول إلى واقع على الأرض، فمليشيا الحوثيين لا يمكن أن ترضخ للسلام إلا تحت ضغط عسكري جبار يجعلها تشعر أن هزيمتها أمر حتمي، ولا يمكنها الصمود إلى ما لا نهاية، بل فإنه في حال انهارت تحصيناتها الأمامية فإن عناصرها في الخطوط الخلفية سينهارون معنويا وسيفرون من المواجهة، وحينها ستدرك مكونات الصف الجمهوري أن مليشيا الحوثيين هشة وضعيفة، وأنها تستمد بقاءها من تخاذل الأطراف الأخرى ضدها، ولو أن لديها من القوة ما يكفي لابتلاع اليمن، فإنها لن تتردد عن ذلك لحظة واحدة، لكنها تفرض سيطرتها في الفراغ المتروك لها.
ويتجسد حرص "الإصلاح" على التوافق السياسي والوطني من خلال حضور قياداته في الحراك المرتبط بذلك، وخصوصا ما جرى مؤخرا من تشكيل مجلس قيادة رئاسي، ودعوته دائما إلى لم شمل واستعادة الدولة وتخفيف المعاناة عن المواطنين، ويحرص على جعل خطاب وسائل إعلامه موجها نحو إيلاء معركة استعادة الدولة أهمية خاصة، وتوعية المواطنين بخطر المليشيا الحوثية الإرهابية، وتجاهل المهاترات والدعاية السوداء التي تطاله من قِبل جهات وأفراد يخدمون الانقلاب الحوثي بشكل أو بآخر.
- الموقف المبدئي من الانقلاب
إن المتأمل في الأداء السياسي للتجمع اليمني للإصلاح منذ بداية الانقلاب والحرب وحتى اليوم، سيجد أنه يعكس موقفه المبدئي الرافض للانقلاب الحوثي وحرصه على استعادة الدولة، ويرى أن التوافق السياسي وتوحيد الصفوف ضرورة وطنية ملحة يجب العمل عليها باستمرار كون ذلك السبيل الوحيد لاستعادة الدولة وإعادة ترميم كيانها المتصدع وإعادة الاعتبار للذات اليمنية، بينما الخلافات الهامشية بين المكونات الوطنية بالإمكان حلها ببساطة بعد إزالة الخطر الذي يهدد المنطقة بأكملها وليس اليمن فقط، ذلك أن طموحات إيران التوسعية لن تقف عند حد إذا وجدت الطريق أمامها سهلا وليس هناك من يعيدها ويعيد مليشياتها إلى حجمها الطبيعي.
وكان "الإصلاح" قد حذر مبكرا من خطر المليشيا الحوثية قبل أن تسيطر على العاصمة صنعاء وغيرها، وكان من أوائل السباقين إلى مواجهة الانقلاب، وأول المبادرين إلى دعم السلطة الشرعية، ومن أول المكونات اليمنية التي أعلنت تأييدها لعملية "عاصفة الحزم"، ومن أول الداعين إلى توحيد الصف الجمهوري وتجاوز الخلافات بين المكونات الوطنية لأجل إنهاء الحرب والانقلاب، واستئناف العملية السياسية وفق مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، التي وضعت خريطة طريق متكاملة للمشاركة الواسعة في السلطة، والتوزيع العادل لثروات البلاد، والعبور بالوطن إلى بر الأمان. .
إضافة تعليق