جسد الإنسان أمانة عنده مُستودعة من ربه الله الذي خلقه لعبادته وصوّره في تقويم حسن هو جزء من تكريم هذا المخلوق من رب العالمين . وكل أمانة يجب الحفاظ عليها ، وقد أباح الله تعالى للإنسان مساحة محددة من الحرية في التصّرف في جسده بما لا يفسده ولا يفسد الآخرين وبما يحقق استمرار الحياة وتواصل عِمران الأرض بالحق والخير والعدل و بما يحفظ للإنسان كرامته و سعادته و سعادة من يرتبط به برابطة الدم أو الصهر ...
لقد ركّب الله تعالى في الإنسان غرائز هامة لناحيتين ، أولهما استمرار الوجود الإنساني التعبّدي على الأرض حتى أجل محدد ينتهي بقيام الساعة . وثانيهما تحقيق جانب هام من ابتلاء الإنسان و امتحان مدى طاعته لله عز و جل بصيانة جسده عن ما حرّم الله تعالى عليه في ظل وساوس إبليس و جنوده وفي ظل ما قد يلحق عليه من شهوة مُنحرفة عن ما أحل الله له إلى ما لم يحل له تصرفاً بجسده أو وصولاً ممنوعاً إلى أجساد الآخرين من الإناث ومن الذكور أو تلذذاً محرّماً بمشاهدة أجساد الآخرين أو بالتحدث الغرائزي الجنسي معهم .
و قد نذر إبليس وجنوده معه من الإنس والجن في كل زمان وفي كل مكان على حمل الإنسان على المعصية لله خالقه وعلى صرفه عن الإيمان به وعن طاعته بشتى السُبل النظرية و العملية ، الفردية والجماعية ، الفعلية والتركية ، القبولية و الرفضية ، الصريحة المُعلنة والخفية المُستترة ، تزييناً للحرام وتقبيحاً للحلال...
ومن تلك السُبل الوصول إلى أجساد الآخرين والدعوة والترويج لذلك بسبيل محرّم و طريقة محضورة زناءً و لواطاً وسحاقاً و قضاءً للشهوة أو استمتاعاً جسدياً في غير موضعه بين زوج و زوجة ارتبطا برباط الزوجية الذي شرعه الله تعالى وجعله السبيل الوحيد للقاء الذكور و الإناث غير المُحرّمين على بعضهم البعض ..
إنّ في هذه الممارسات انتهاكاً لحدود الله تعالى و تعريضاً للنفس لسخط الله و عذابه و وضعاً للنفس وللآخرين في دركات الهلاك و العذابات الهائلة ، و تجرّداً عن حُلة الإيمان و خِلة التقوى و فقداناً للكرامة و الفضيلة و الاستقامة والطُهر والعفّة بل و خُسراناً للقيمة المادية والمعنوية للذّات في نظر الأسوياء و ميزان السِوى ، و حِرماناً للنفس عن ما أحل الله القدير في الدنيا من الملذّات الشهية بالزواج المشروع وحرماناً لها عن ما أعد الله عز وجل الشكور للصالحين من عباده المؤمنين في جنّات النعيم المُقيم الخالد ومنها الزواج الآخروي بملذاته العبقرية و وصله الفريد الذي لا ينتهي ولا يتوقف ولا يُمل و بحلاوته الفائقة التي لا توصف في أمن وأمان و رغد عيش و صفو حال وهنأ بال وسعادة خاطر غامرة .
و الإنحراف الجنسي ( المثلية الجنسية) بين أفراد الجنس الواحد أو خليطاً ماجناً داعراً لواطاً و سحاقاً تقليعة شنيعة ظاهرها الالتذاذ و المُتعة وباطنها الوقوع في معصية الخالق و نيل سخطه والانصراف عن السبيل الطبيعي السوي المُباح بالزواج الشرعي لإشباع الغريزة الجنسية مع تحقيق الغايات منها غالباً ، والإشباع المُنحرف للغريزة يؤدي إلى فقدان لذة الإشباع الطبيعي السوي و كتبتها في أحيان وبلوغ حد الكآبة به و احتقار الذات وصولاً إلى النحر أو الانتحار ، مع ما يجرّه من أمراض للذات وللآخر المُتردي في حمأتها وغير المُتردّي من زوج عفيف أو زوجة عفيفة . لقد جعل الله تعالى موضع الشهوة الطبيعية السوية نضيفاً مُهيأ للقيام بها فيما يعمد المنحرفون الشاذون إلى أقذر المواضع في الجسد الذي لا يخلو من براز و ميكروبات ضارّة هي في طريقها للطرد والطرح ، أو اصطناع الإشباع بغير إشباع حقيقي إنما هو الوهم المُستحكم و الشعور المُنعكس المُرتكس المُنتكس و بيع للعرض و تسليع للجسد و للذات يُصبح معه صاحبه وصاحبته مُجرّد مُتعة للمُتردد الرافض للزواج المشروع و للمُترددين و للعابرين فاقداً ذلك السلعة وتلك البضاعة قيمته وقيمتها كإنسان له حضوره الإيجابي في الحياة حتى عند اولئك الشُركاء في الفاحشة وبمرور الوقت يفقد يمجونه و يعافونه كما يمكنها ويعافنها و يبحث الشركاء والشريكات عن جسد جديد معروض كسلعة و أداة للمُتعة و النزوة . مع كون ذلك كله مُحرّم في حد ذاته و انتهاك لحُرمات الله مهما كان فيه من لذة مؤقتة عابرة تسلب الإيمان إن وجد والتديّن الحق لله إن حصل ويُصبح بها أهلها فسقة عُصاة مُتعدين لحدود الله العظيم عقابه و حرمان نعيمه ...
الشذوذ الجنسي والمثلية الجنسية ممارسة مُحتقرة و سلوك مُشين يدل على تدني النفس وسقوطها و تسفّل الذات و عيشها في مُستنقع الابتذال والعفونة و دلالة على وضاعة الاهتمام و زراية على النفس و جناية على الكينونة وخيانة غالبة وفضيحة للأهل و الأقربين و انحطاط أخلاقي و روغان عن الرُشد و فقدان للشرف فأيُّ شرف يبقى حين يضيع العِرض وحين يُباع فيُصبح مزاداً و في متناول القوادين و القوادات و الراغبين والراغبات.
لا شيء ولا عذر يستطيع الإنسان أن يُبرر به إنحرافه و عصيانه لله تعالى و ارتكابه ما حرّم وحذّر ، و كل من قارف هذا السلوك المشين و الوضيع استحق عقوبة الله تعالى عذاباً وحرماناً عن المُشتهيات العظيمة الباذخة في الدار الآخرة ما لم يتب إلى الله و يستغفره ويندم على ما فعل و يُكثر من الاعمال الصالحة ..
إنّ الجمال و القُدرة يؤتاها الذكر أو الأنثى من الله الخالق المُصوّر إنما ليشكرا الله العظيم عليها بالإيمان به و بالإقبال على طاعته و رضاه وامتثال أمره و نهيه وليس ليُبارزاه بما حرّم و حذّر و لا لينحرفا بها عن أمر الله ومُراده ولا ليفتنا بها الناس و يجرونهم لعالم الشهوات المحرّمة و المجرّمة و يدحرجونهم في دركات القذارات المادية و المعنوية و يعرضونهم للإصابات المرضية الفتّاكة التي قد يكون مصير من يصاب بها الموت المُحتّم و الآلام المُبرّحة كبعض عقوبة دنيوية من الله تعالى للذان خالفا أمره و تمردا على شرعه بزعم التحرر و زعم الاستمتاع بالحياة مع نسيان الحياة الأعظم في الجنّة التي تستحق الصبر لأجلها و التضحية بالجميل للأجمل الذي فيها و بالشهي للأشهى الذي فيها و باللذيذ للألذ الذي فيها ...
مهما أشتهت وتاقت نفس الإنسان لما نهى الله تعالى و حرّم ولما يُقرّبها و يُمتعها ببعض الحرام و أوّله فإنّ الواجب الفوري عليه أن يزجرها و يردعها و يُذكّرها أنه لا يملك الحرية في التصرّف في جسده و لا في جوارحه و لا في إمتاع حواسه ولا إشباع غرائزه و إنما هو مُبتلى بتلك الرغائب أينساق خلفها أم يردع نفسه و يثبُت على حال الطاعة الخالصة لله تعالى وله بانزجاره وامتناعه عن المحرمات والممنوعات شرعاً الأجر عاجلاً و آجلاً من الله الجليل الذي لا تخفى عليه خافية و يعلم ما في الصدور و العقول ... مع ما في صيانة نفسه من العفّة والشرف وصيانة كرامة النفس و عِزّتها وسلامتها من الأسقام والأمراض ومما يُشين عند الأسوياء من الناس بل وعند الذات التي تستقبح القبائح و إن وقعت فيها وزينها لها إبليس وجنوده و ألبسوها غير لِباسها .
و إنّ للوقوع في الفواحش ومنها المثلية الجنسية أسباب معلومة واجب العاقل المُحب لنفسه حقاً والحريص على ملذاتها الكُبرى أن يتجنّبها و يحذرها ويفر منها و لا يتساهل معها ولا يتقاعس في كفاحها وذلك مطلوب منه تجاه نفسه و تجاه أسرته بخاصة و كل من أوكلت له مهمة تربيته وتنشئته التنشئة السوية أو شارك في تلك المهمة الجسيمة و النبيلة . إنّ العفاف و العفّة وصيانة النفس عن التهتُك والابتذال أوّل عناوين الإتسانية الرفيعة و لأجل الحفاظ عليها تُبذل المُهج و الأرواح و تُسن القوانين الحامية إلا عند المُنتكسين الساعين لأن يعم ويطم تيار الفواحش و خضمها المُظلم و مرتعها الوخيم و مصيرها البائس .
إنّ جهوداً مستمرة و أموالاً طائلة تبذلها معسكرات الشر الشيطانية لدفع المزيد من الناس للوقوع فريسة في مهاوي الرذيلة و مواطن الفاحشة وذلك بشتى الوسائل و السُبل ، مؤامرة كالحة مسعورة على الأديان والدين الحق منها بخاصة و حرب قذرة على الأخلاق الفاضلة و الإنسانية السوية و ما بقي في الناس من معالم الفضيلة و سِِمات الشرف .
إنّها جزء من معركة الفضيلة والرذيلة وصراع الحق والباطل المستمر حتى قيام الساعة ، فطوبى لأهل الحق المُستمسكين به المُلتزمين بمعالمه وحدوده وتعاليمه الذين يجدون في الدنيا ما يكفيهم من الحلال الطيب ثم هم الصائرون وحدهم للمُتع الكبرى المُذهلة في الدار الآخرة الباقية الخالدة .
#مرعي_حميد / 7 يناير 2023م