التجمع اليمني للإصلاح.. النضج السياسي وقيم الشراكة الوطنية…

مثلت "الشراكة الوطنية" قيمة هامة في أدبيات التجمع اليمني للإصلاح، منذ تأسيسه في 13 سبتمبر 1990، وكلما تقدم الإصلاح في محطات العمل السياسي، عمل على تجذير هذه القيمة، التي عكسها منذ أول خطواته في ميدان العمل السياسي، بعد تحقيق الوحدة اليمنية، التي اقترنت بعهد جديد من الديمقراطية والتعددية السياسية، التي رحب بها الإصلاح، و كان "جادَّاً في تبنيه الخيار الديمقراطي، كأسلوب حضاري" يُشْرَكُ فيه الشعب باختيار من يحكمه.

وفور انطلاقته وجد الإصلاح نفسه في طرف المعارضة، التي خاضها وفق قواعدها وأسسها المتعارف عليها، مستخدماً أدوات العمل السياسي السلمي، التي لم يحد عنها يوماً، وكان في الوقت نفسه يُفعّل أدوات الاتصال السياسي مع القوى السياسية المتواجدة في الميدان، والتي صعدت إلى السطح فور إعلان التعددية.

في تلك الفترة وقّع الإصلاح اتفاقات مع عدد من الأحزاب، من أجل العمل المشترك على إصلاح قواعد العمل السياسي وتهيئة الأرضية المناسبة للتنافس السليم، الذي يضمن عدم تجيير السلطة ومؤسساتها لصالح أحزاب معينة.

اللقاء المشترك

وفق مراقبين وكتاب، أدلوا بدلوهم خلال السنوات الماضية، فإن قيام تكتل اللقاء المشترك، في فبراير/شباط من العام 2003، كان البُرهان على تطور الوعي السياسي لدى التجمع اليمني للإصلاح، وهو ما مثَّل أول خطوة سياسية مهمة وصحيحة، باتجاه مشروع المصالحة بين مكونات الأحزاب المهمة والفاعلة أولاً، وتعزيزاً لمسيرة الإصلاح الشامل ثانياً.

لم يكن هذا التكتل السياسي إلا تأكيداً على أهمية قيمة الشراكة الوطنية لدى الإصلاح، التي رأى أنها تمثل الطريق الآمن للعبور إلى المستقبل، إضافة إلى الحضور الكبير للإصلاح في العملية السياسية وهامشها الديمقراطي، الذي أصر الإصلاح على العمل على ترسيخه وتعزيزه، فكان حاضراً في كل المحطات الانتخابية، كمشاركة وطنية في السير بالبلاد في الطريق الآمن مهما كان بطيئاً.

الثورة السلمية والحوار الوطني

كان الإصلاح ماضياً مع شركاء العمل السياسي في طريق "برنامج الإصلاح السياسي لنيل الحقوق والحريات" الذي دشنه بعد انتخابات 2006، وحين وصل الوضع السياسي إلى حالة الانسداد، وأصبحت الاستحقاقات الانتخابية مضروبة، كانت ثورة الشباب السلمية قد اشتعلت، في فبراير 2011، نتيجة لتراكمات معقدة، ولم يكن الإصلاح وشركاء العمل السياسي إلا في صف الشعب اليمني. وخلال مراحل الثورة وأحداثها، ظل الإصلاح حريصاً على القيمة الوطنية التي آمن بها وهي "الشراكة الوطنية"، رغم التعقيدات ومحاولات التفتيت.

جاءت المبادرة الخليجية لتمثل مخرجاً أقل كلفة للخروج الآمن، وكان طرفاها، السلطة وقوى الثورة السلمية التي كان الإصلاح جزءا منها، وأظهر الإصلاح حرصاُ كبيراً على تنفيذ المبادرة رغم عدم حصوله على التمثيل الحقيقي في حكومة الوفاق، ورغم ما شاب المرحلة من تحديات، كان أبرزها خروج مليشيا الحوثي ومن ساندها، وسعيهم الحثيث لإفشال المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وتفجير الوضع في البلاد، وهو الأمر الذي تصدى له الإصلاح مع شركاء العمل السياسي.

وكان مؤتمر الحوار الوطني، الذي استمر من 13 مارس 2013م - 25 يناير 2014م، محطة جديدة سعى فيها الإصلاح لإعلاء قيمة الشراكة الوطنية، والخروج بوثيقة ترسم مستقبلاً آمناً ومستقراً لليمن، يمكنه من النهوض والنماء، لكن قوى الظلام الإمامية ومن يعمل معها ضمن أجندة إقليمية يمثلها المشروع الإيراني كانت قد حسمت أمرها محاولة تحويل اليمن إلى ساحة إيرانية، ناسفة عاماً كاملاً من الحوار.

الانقلاب والحرب

جاء انقلاب مليشيا الحوثي الإرهابية واجتياحها للعاصمة ومحافظات أخرى، وسطوها على مؤسسات الدولة، وانتهاجها العنف المسلح الذي بدأته في العام 2004، وممارساتها التي هدفت إلى إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء وعودة الإمامة، فكان ذلك أكبر تحدٍ، لأنه يمثل نسفاً لقيم الشراكة الوطنية من أساسها وتجريفاً للحياة السياسية، بل وللحياة العامة برمتها.

وانسجاماً مع موقفه الوطني، أعلن الإصلاح موقفه الواضح الذي حمّل العصابة الحوثية المسؤولية الكاملة عما آلت إليه الأوضاع، وأيد عملية "عاصفة الحزم" لاستعادة الدولة، ولم يخل بيانه في أبريل 2015 من التأكيد على أهمية أصطاف القوى السياسية في مواجهة هذا الانقلاب الغاشم، ونتيجة لهذا الموقف دفع الإصلاح ضريبة باهظة من قياداته وكوادره ومؤسساته ومقراته، ولا يزال يدفع كلفة نضاله مع بقية القوى الوطنية لاستعادة الدولة، وفق قاعدة الشراكة الوطنية التي لم تخلُ أدبياته خلال السنوات الماضية من التأكيد عليها.

وتأكيداً لهذا المبدأ، كان التجمع اليمني للإصلاح على رأس الأحزاب التي شكلت التحالف الوطني للأحزاب والقوى السياسية، الذي أعلن عنه في أبريل 2019، اسناداً للشرعية والحكومة في معركة استعادة الدولة، وهي المعركة التي لم تتوقف، وخاضها الجيش الوطني والمقاومة الشعبية في مختلف المحافظات اليمنية.

الشراكة التوافقية

في سبتمبر الماضي، جدد رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح الأستاذ محمد اليدومي، التأكيد على موقف الإصلاح الثابت إزاء الشراكة الوطنية في الحاضر والمستقبل لمواجهة التحديات التي يمر بها الوطن، وعلى رأسها الانقلاب الحوثي.

الخطاب الذي ألقاه اليدومي بمناسبة مرور 32 عاماً على تأسيس الحزب، أشار فيه إلى أن الإصلاح أكد وما يزال يؤكد بأن واقع اليمن وتركيبته السياسية والاجتماعية لا تقبل بأي حال من الأحوال تفرد أي طرف بالقرار السياسي، مشدداً على أن مبدأ الشراكة الذي نصّت عليه أدبيات الإصلاح، قد أكدته وقائع الأحداث وشواهد التجربة العملية، ما جعلها نهجاً راسخاً في سياسة الحزب من أول وهلة.

وكما دعا إلى الكفّ عن أوهام قدرة أي طرف على إلغاء أو إقصاء أي مكون وطني، فإنه حذر من أن ذلك سيضاعف المشكلات ويؤسس لمزيد من الفوضى التي تضر بالمشروع الجامع، مما سيضر بأمن واستقرار اليمن ومحيطه الخليجي والعربي والأمن القومي والدولي لصالح مشاريع الهيمنة الإيرانية وبقية جماعات التطرف والإرهاب.

وجدد رئيس الإصلاح التأكيد على الشراكة الوطنية التوافقية باعتبارها الأرض الصلبة التي يتكئ عليها المشروع الوطني الجامع، محذرا من أن أي قفز على هذا المبدأ من قبل أي طرف سياسي سيقود البلد إلى المجهول.

وفي إطار الشراكة مع الجوار والإقليم، قال اليدومي إن اليمن لن يكون مستقراً إلا في إطار محيطه العربي عموماً والخليجي خصوصاً، لافتاً إلى ضرورة اتزان علاقات التعاون والتكامل مع جميع الدول العربية والإفريقية، بما يحقق المصالح المشتركة.

 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص