*الإقليم الشرقي.. مصدر للغذاء والاكتفاء الذاتي.. منطقة حجر .. سلة حضرموت الغذائية لو أُحسن استغلالها..

 

● الزراعة في اليمن .. ثروة عظيمة :

تعتبر الزراعة في العديد من دول العالم ثروة عظيمة يتم الاهتمام بها وتنميتها وتطويرها، ذلك لأنها تمثل مصدر دخل رئيس لكثير من تلك الدول وربما سبقت بقية الثروات الأخرى كالثروة النفطية والغازية والسمكية وغيرها من الثروات..

وتحتل الزراعة في بلادنا المرتبة الثالثة بعد الثروة النفطية والسمكية إلا أنها تظل في حاجة ماسة إلى العناية والتطوير كونها أحد مصادر الدخل التي تعتمد عليها البلد لتوفير العملة الصعبة.

● الزراعة في حضرموت :

محافظة حضرموت تزخر بالكثير من المناطق الزراعية وتشتهر بإنتاج العديد من المحاصيل التي حازت قصب السبق من ناحية الجودة عالمياً نذكر منها الذرة والقمح والدخن وهي من الحبوب،

وأيضاً الخضروات والبقوليات كالبصل ذو الجودة الفائقة وهو مطلوب لدى الدول الأخرى ومن المنتجات الممتازة والمطلوبة في الأسواق، إضافة إلى رزاعة الفواكه كالموز والليمون والمانجو والتمور وغيرها.

● وادي حجر .. الموقع المتفرّد :

يعتبر وادي حجر أحد أودية حضرموت الكبرى، وهو يقع غرب مدينة المكلا حاضرة حضرموت، ويعتبر الوادي من الوديان الزراعية الهامة في اليمن،

ويبلغ طول هذا الوادي قرابة ( 200 ) كيلو متر وينحدر من أعالي الهضبة الجنوبية الغربية لحضرموت باتجاه البحر العربي، أما مساحة حوضه فتبلغ حوالي ( 10 ) آلاف كيلو متر مربع،

تجري بالوادي المياه العذبة طيلة أيام العام لأن ثمة عيون تعمل على تغذيتها وتعتبر حجر من أوفر مناطق حضرموت مياهاً، وتنتهي مجاريها في ميفع حجر على ساحل البحر العربي،

وبالمجمل فالوادي موقع زراعي خصيب ودائم الخضرة، ويتكون الوادي من عدة قرى من أهمها : الجول وهي العاصمة لمديرية حجر، والصدارة، كنينة، محمدة، يبعث، يون، ميفع حجر، الحصين، القارة، حوطة الفقيه علي، ، قشن، جزول، مشاط، قارة باربيد، مدهون، باقشيم،

وتسكن به عدد من القبائل، وأغلب سكان مديرية حجر من قبائل نوّح وهي من سيبان، وقد قال المؤرخون والكتاب والمستشرقون عن حجر وعن أهلها كثيراً من الأوصاف المشرفة التي تزين تاريخهم التليد، فقيل عنهم على سبيل المثال :

( الذئاب الحُمر بحضرموت )، ووصفهم المؤرخ البريطاني ( فورد كير ) بأنهم ( أسود كاسرة ) نظراً لشجاعتهم وإقدامهم، كما يتصفون بشيم الكرم وحسن الضيافة والتمسك بالقيم والمبادئ التي ورثوها وتناقلوها أجيالاً بعد أجيال وكابراً عن كابر إلى الوقت الحاضر.

● حجر .. بلد النخيل الشامخ :

في هذا التقرير نأخذ لمحة بسيطة ورحلة ماتعة عن منطقة واحدة من مناطق حضرموت، علماً أن حضرموت ساحلاً ووادياً وهضبة تشتهر بالزراعة،

وهنا نأخذ منطقة ( حجر ) كمثال واضح لما يمكن اعتبارها من المناطق التي تعدّ سلة من سلل الغذاء الحضرمية خاصة ولليمن على جهة العموم بما تمتلكه ـ لو أتيح استغلالها على الوجه الأمثل والأكمل ـ من مقومات زراعية كبيرة،

فعلي جانبي مجرى الوادي تزرع الأراضي السهلية الخصبة ومنها زراعة النخيل .. فعلى ضفتي الوادي نجد بساتين النخيل التي تنتشر فيها بكثرة،

بعض الداسات تشير إلى أن في حجر ( 3 ) ملايين نخلة تنتج أفضل أنواع التمور، وأن ماءها مستمر الجريان ولا ينفد، وأن ثمة ثروة لم تمتد إليها الأيدي بالاستغلال والإفادة،

فحجر أسطورة في الجمال والعطاء، نخيل باسق وماء عذب، وخُضرة ممتدة وسياحة ترقب من يصول ويجول في أرجائها ليكتشف الكنز المفقود والجوهرة المخفيّة.

● *التمر الحجري .. محاصيل وخيرات :*

من الأهمية بمكان أن نعلم أن أهم محصول تنتجه حجر هو ( التمر )، والذي طغى لقبه في جميع البلاد تحت مسمى ( التمر الحجري )،

فحين يحلّ موسمه خلال أشهر الخريف خاصة في شهر يوليو من كل عام يغزو هذا التمر الحجري الأسواق ويتربع عالياً على جميع أنواع التمور من حيث الوفرة وتناسب السعر ..

ليكون في مقدور المواطن البسيط، شراؤه، ويكثر المعروض منه بحمد الله كون المنطقة تمتلك ثروة من النخيل قدرها البعض بـ ( 3 ) ملايين نخلة ـ كما ذكرنا آنفاً ـ حتى حدا بالبعض أن يطلق عليها لقب ( مديرية النخيل ).

يتّسم التمر الحجري بالتميز والفرادة والفائدة، فهو قد بلغ شهرة كبيرة وشعبية عظيمة ومتنامية منذ القدم، ونادراً ما نجد بيتاً يخلو من هذا التمر على مدار العام، خاصة إذا ما حُفظ من خلال عملية تجفيفه بحيث لا يفسد ولا يطاله أي تعفّن أو فساد،

ويعتبر منجماً صحياً يعجّ بالفائدة خاصة بالمعادن والفيتامينات، ولكل من يريد القوة والجلادة فإنه يعمل على خلطه مع بذور ( السمسم ) فيمدّ الجسم بالطاقة والمقاومة والفتوّة،

ومع التمر توجد محاصيل أخرى يُنتجها وادي حجر كأنواع الحبوب ومنها الذرة والحنطة والسمسم والخضروات والفواكه كـ ( الحبحب ) والليمون وغيرها،

وقد جاء في كتاب ( أدام القوت في ذكر بلدان حضرموت ) للمؤرخ الحضرمي بن عبيد الله، أن بريطانيا قامت بزراعة ( الأرز ) في وادي حجر إبان احتلالها لجنوب اليمن.

وهنا يأخذني التفكير لأتذكر لقائي بأحد أبناء حجر من كبار السن والذي كانت تعتصره مشاعر الألم والحسرة وهو يرى منطقته بما فيها من ثروة عظيمة وزاخرة خاصة آلاف النخيل التي لم تجرِ العناية بها، إذ قال لي بحُرقة : لو اهتمت الدولة بـ ( حجر ) فلن تعرف البلاد المجاعات وقلة القوت.

● حجر .. وشمر يهرعش :

تفيد المصادر التاريخية أن اسم ( حجر ) قد ورد في نقش قديم يتحدث عن ( شمر يهرعش ) وهو الذي كان في حينه ملك سبأ وريدان وحضرموت،

حيث دخل الملك وادي ( حجر ) غازياً فنهب وسلب أجزاءً منه، وهذا إن دلّ على شيء إنما يدل على قدم هذه المنطقة وإيغالها في التاريخ، ويدل كذلك على ما فيها من ثروات وخيرات حدت بذلك الملك السبئي أن يغزوها وينهب ثرواتها،

ومما ذُكر في كتاب ( الشامل في تاريخ حضرموت ومخاليفها ) للسيد علوي بن طاهر الحداد أن حجر كانت تسمى قديماً ( حجر حِمْيَر ).

 

الدولة القعيطية وإدراك أهمية حجر :

من الأدلة على الأهمية المتفرّدة لـ ( حجر ) ما سنسوقه من دليل واحد فقط من الناحية التاريخية وتحديداً في التاريخ الحديث،

ففي مقابلة رائعة وضافية واستثنائية أجراها الكاتب الأستاذ ناصر بامندود مع آخر سلاطين السلطنة القعيطية الحضرمية وهو السلطان غالب الثاني بن عوض القعيطي،

تلك الدولة التي كانت ثالث أكبر دولة في شبه الجزيرة العربية بعد المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان وبقيت كذلك حتى العام 1967م.

ومن ضمن ماجاء في تلك المقابلة حقيقة ملفته تدل على الأهمية الزراعية التي كان يوليها السلاطين القعطة لـ ( حجر ) في ذلك الوقت، حيث نرى السلطان غالب الثاني بن عوض القعيطي في هذه المقابلة يؤكد تلك الحقيقة بالقول :

( كان السلاطين القعطة يولون أهمية استثنائية لـ ( حجر ) بسبب إمكانياتها الزراعية، حيث أن النهر الوحيد في الجزيرة العربية الذي يجري إلى البحر على مدار السنة، وإن كان عمقه عدة بوصات في كثير من الأحيان هو في حجر، كما يكثر فيه السماد في شكل ذرق الطائر الذي يستخدم كسماد للزراعة ).

في الحقيقة لا أخفي القارئ سراً، فقد أذهلتني تلك المعلومة التاريخية التي قالها السلطان القعيطي عن أهمية حجر الزراعية، وبقدر ذهولي كانت خيبة أملي بما آلت إليه أحوال الزراعة في ( حجر ) في الوقت الحاضر، وكيف أن الإهمال واللا مبالاة قد نالها وطالها في جميع النواحي للأسف الشديد.

● مُزارعو حجر .. تحديات ومصاعب :

اليوم يعاني المزارع في ( حجر ) من غياب متعمّد أو غير متعمّد لدعم الجهات المختصة في وزارة الزراعة أو من المنظمات الدولية، فلم يتم رفده ولو بشيء يسير من الدعم كي يساهم في تحسين إنتاجه والارتقاء بوضع أرضه،

ولعل من الأهمية ما يأتي بعد الدعم المادي أن يتم دعم سوق منتجاته الزراعية التي أصبح عبؤها على كاهل الفلاح البسيط الذي تأثر بما يحصل عليه من أسعار قليلة ومتواضعة مقارنة بما يخسره من مال ووقت وجهد لكي يقدم للسوق منتجاً ممتازاً.

ومع ما يعانيه أهالي حجر من عيش الكفاف وغياب الخدمات .. مرت حجر بعدد من الكوارث الطبيعية الشديدة التي سببتها الأمطار والسيول والفيضانات وعلى إثرها جرفت الكثير من التربة والنخيل،

مع غياب البنية التحتية وطرق المواصلات والخدمات من جسور وسُبُل تعدّ شريان الحياة الذي يربطها بالمناطق الأخرى ومنها عاصمة المحافظة ( المكلا ).

● في الختام :

نناشد الدولة والسلطة المحلية بالمحافظة والتجار والمستثمرين أن يقدموا جميعاً الدعم المستَحَق لهذه المنطقة الزراعية الغنية وأن يولونها الاهتمام اللائق بها ..

لما تمثله من سلة غذائية زاخرة بأصناف المنتوجات الزراعية خاصة التمور وهي كفيلة بجعل حضرموت تحقق الاكتفاء الذاتي في غذائها في زمن شحّت فيه موارد الغذاء في كل أصقاع العالم.

● أهم المراجع :

ـ المفصل في تاريخ العرب : جواد علي.

ـ أدام القوت في ذكر بلدان حضرموت : للمؤرخ بن عبيد الله السقاف.

ـ الشامل في تاريخ حضرموت ومخاليفها : للسيد علوي بن طاهر الحداد.

- مقابلة صحفية أجراها الكاتب الأستاذ ناصر بامندود مع آخر سلاطين السلطنة القعيطية الحضرمية وهو السلطان غالب الثاني بن عوض القعيطي.

ـ الموقع الأليكتروني لموسوعة المحيط، و الموقع الأليكتروني لمركز حضرموت للدراسات التاريخية والتوثيق والنشر.

•••

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص