لا شكّ أن محاولة انتزاع المحافظات الشرقية الأربع ( حضرموت ـ شبوة ـ المهرة ـ سقطرى ) والتي تمثل الإقليم الشرقي من شرنقة الاستغلال والتبعية ..
وإخراجها من ظلمات الضم والإلحاق إلى تجارب حكم أوسع وأرحب من خلال حكم ذاتي فيدرالي يمكنها من احتواء مقدراتها واستغلال إمكانياتها بطريقة أمثل ..
تلك المحاولة تعدّ من الأهداف الاستراتيجية التي ينبغي أن يسعى بل ويستميت أبناء ذلك الإقليم من أجل تحقيقها.
على الصعيد العالمي تعتبر التجربة الفيدرالية من أنجح وأنجع التجارب الدولية التي بات لها تأثيرها الإيجابي على المسارات التنموية لمن استقلّ بقراره .. وتناءى بأرضه ومقدراته وثرواته وإمكانياته عن استغلال الآخرين .. بحيث يتركز الاهتمام على تحقيق المصالح الذاتية للإقليم وصناعة واقع تنموي على جميع الأصعدة.
ولتوضيح الصورة أكثر فالفيدرالية (Federalism) هي نظام سياسي يفترض تنازل عدد من الدول أو القوميات الصغيرة - في أغلب الأحيان - عن بعض صلاحياتها، وامتيازاتها واستقلاليتها لمصلحة سلطة عليا موحدة تمثلها على الساحة الدولية وتكون مرجعها الأخير في كل ما يتعلق بالسيادة والأمن والقومي والدفاع والسياسة الخارجية.
فالفيدرالية إذن تتعلق بالنظام السياسي والتنظيم الإداري وبتقسيم صلاحيات السلطات الحاكمة وتنظيم العلاقات فيما بينها وتأمين انسجامها لتمنع تغلب طرف على الطرف الآخر فتحصر قرارات الدولة الفيدرالية المركزية بالقمة، وتترك الأمور المحلية للسلطات الإقليمية،
والسلطات المحلية بدورها لا تخرج عن نطاق صلاحياتها، فهي لا تشرع للقضايا التي تتعلق بالدولة المركزية، رغم أنها تشارك في قضايا المؤسسات التي تعالج الأمور القومية وتنظّم هذه المؤسسات وتوزع الصلاحيات بشكل يؤمن استقلالية الوحدات المكونة للسلطة الفيدرالية ويضمن لها المشاركة الفعالة في القرارات المركزية والمصيرية.
على سبيل المثال ألمانيا وهي قطر كبير يقع في وسط أوروبا، في 3 أكتوبر عام 1990م تم توحيد ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية في أمة واحدة باسم جمهورية ألمانيا الفيدرالية ..
ولم تمضِ سوى سنوات معدودة حتى باتت ألمانيا من الدول الصناعية الكبرى وذات تأثير وثقل عالمي يدركه كل من له أدنى مسكة من اطلاع على مجريات الأحداث.
في ديسمبر 1949م ولدت جمهورية إندونيسيا الفيدرالية، وكان رئيسها الأول سوكارنو ورئيس وزرائها محمد حاتا .. وفي أغسطس 1950م أصبحت إندونيسيا تعرف باسم الولايات الاتحادية لجمهورية إندونيسيا ..
أصبحت إندونيسيا اليوم دولة يُشار إليها بالبنان إذ رسخت أقدامها اقتصادياً وتنموياً وصارت من عمالقة الاقتصاديات الآسيوية والعالمية.
ومن أهم أمثلة الدول في العالم التي تميزت في نظام الفيدرالية .. الولايات المتحدة، الاتحاد السوفييتي (سابقاً) ، الهند، سويسرا، أستراليا، البرازيل. والجدير بالذكر أن بعضاً من الاتحادات الفيدرالية (بدأت حياتها) كاتحاد كونفدرالي.
وهكذا سيأخذنا المسار إن تلمسنا الكثير من التجارب العالمية التي أخذت بنظام الفيدرالية بحيث نجدها كلها أو أغلبها قد نمت وتطورت حينما اتخذت الفيدرالية نظاماً كفل لها الاستقلالية المطلقة من حيث استغلال ثرواتها وما تزخر به من ثروات متعددة الأوجه.
ما سبق طرحه آنفاً يسوقنا إلى إبراز التساؤل التالي : ما أهمية الفيدرالية للإقليم الشرقي .. وهل هذا النظام سيشكل فارقاً في واقع هذا الإقليم الذي هُضم حقه وعاش مكبوتاً مبخوساً على مدى عقود ..؟؟
لا ريب أن ما تمتلكه محافظات الإقليم الشرقي من ثروات بشرية ومادية كثيرة ومتنوعة يؤهلها إلى أن تلحق بمصاف كثير من الدول والأقاليم..
ويمنحها الفرصة الكاملة أن تظهر مكنونات ومكتنزات أرضها وبحرها وسمائها وباطن ثراها .. ويمكّنها من صناعة نهضة تنموية بصور وأشكال أخرى لم تكنْ معروفة ولن تصبح كذلك ما دامت هذه المحافظات مرتهنة بيد الآخرين ومطمعاً لهم شمالاً وجنوباً .. الأمر الذي يعيق عن الانطلاق إلى أفق التطور والنماء.
ومع شيوع المعارف والتجارب العالمية المُطّلع عليها .. أصبح أبناء الإقليم الشرقي ( حضرموت ـ شبوة ـ المهرة ـ سقطرى ) حريصين على استقلال محيطهم الإقليمي بقراراته السيادية وحكمه الذاتي الفيدرالي .. وهذا الشيء سيحولهم بلا شك إلى قوة تنموية واقتصادية لا يستهان بها ..
موجهة خيراتها إلى معظم أبنائها في الإقليم خاصة والوطن على جهة العموم .. ويعيد تنظيم وترتيب كثير من الأولويات والخدمات التي طالما حُرم منها أبناء الإقليم وهم يسيرون على بحار وأنهار وجبال من الثروات التي هي كفيلة بأن تصنع نقطة فارقة في حياتهم وتحلق بهم إلى مصاف الأقاليم المتقدمة ثقافياً وحضارياً.