جاءت ( حماس ) وكتائب القسام فجددت فريضة الجهاد في هذه الأمة وانبعثت قيمتها بعد أن كادت تُطمس تحت نير الحرب الظالمة التي شُنت عليها من قبل أهل الكفر والطغيان وأذنابهم تحت مسميات شتى بقصد التنفير ..
يقول المولى في كتابه العزيز : ( لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ).
لفتة جميلة أتت بعد نزول هذه الآية حسبما ذكرها الشعراوي في تفسيره .. إذ كانت الآية في أول نزولها كما جاء في رواية زيد بن ثابت رضي الله عنه حينما نزل الوحي بها .. فلما سُرّي عنه قال اكتب : " لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ " .
وهنا نجد الصحابي الجليل عبدالله بن أم مكتوم، وكان - كما نعلم - ضريراً مكفوف البصر يقول : فكيف بمن لا يستطيع الجهاد من المؤمنين يا رسول الله ..
فما لبث أن أخذت رسول الله السكينة ثانيةً، ثم سرّي عنه، فقال لزيد بن ثابت : اكتب : { لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ }.
إنها اليقظة الإيمانية من ابن أم مكتوم، لأنه فهم موقفه من هذا القول، ومن أنه لا يستطيع الجهاد، وعلم أنه إن كانت الآية ستظل على حالها الأول فلن يكون مستوياً مع من جاهد، ولهذا قال قولته اليقِظة: فكيف بمن لا يستطيع ذلك يا رسول الله؟ .. فكأنها نزلت جواباً مطمئِناً لمن لا يستطيع القتال مثل ابن أم مكتوم.
ولقائل أن يقول : وهل كانت الآية تنتظر أن يستدرك ابن أم مكتوم ليقول هذا ؟ .. ونقول : إن الحق سبحانه وتعالى أراد أن ينبه كل مؤمن أنه حين يتلقى كلمة من الله أن يتدبر ويتبيّن موقعه من هذه الكلمة؛
فإذا كان ذلك حال سيدنا ابن أم مكتوم فيما سمع رسول الله عن ربه فهو يعلمنا كيف نستحضر دورنا من أية قضية نسمعها. وحينما سمع ابن أم مكتوم الآية رأي موقفه من هذه الآية، وهذا ما يريده الحق من خلقه.
إن الحق يريد أن يبين أنه في بداية الإسلام كان كل مؤمن حين يدخل الإسلام يعتبر نفسه جندياً في حالة تأهب، وكانوا دائماً على درجة استعداد قصوى ليلبوا النداء فوراً؛ فالمسلم لم يكن في حالة استرخاء، بل في تأهب وكأنه واقف دائماً ليلبي النداء ..
وكأن القاعد هو الذي ليس من صفوف المؤمنين ويبين لنا ذلك قول الرسول عليه الصلاة والسلام : " من خير معاش الناس لهم رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله يطير على متنه، كلما سمع هَيْعَةً أو فزعة طار إليها يبتغي القتل والموت مَظَانَّه
أو رجل في غُنيمة في رأس شعفة من هذه الشعف، أو بطن واد من هذه الأوْدية يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعبد ربه حتى يأتيه اليقين، ليس من الناس إلا في خير ".
ما جاء في المقال مُستفاد من تفسير الشعراوي رحمه الله تعالى.
فنسأل الله عزّ وجلّ في عليائه أن يكرمنا بالجهاد في سبيله إنه سميع مُجيب.