قبل سنتين ونصف تقريباً ومن خلال عمودي الأسبوعي (كل خميس) بصحيفة عدن الغد وبعد ظهور وتبجّح دعاة التطبيع مع الكيان الصهيوني بكل أصنافهم من خلال وسائل الاعلام المتعددة كتبت حينها ثلاثة مقالات متتالية كان أولها (فلسطين قضيتنا) والثاني بعنوان (باعبّاد شهيد فلسطين) وأما الثالث فقد كان بعنوان (باكثير الحضرمي وفلسطين) كتبت في الأول عن علاقتنا بفلسطين وقضيتها والمصير المشترك وأنها من ثوابت الأمة التي لا يحيد عنها من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، وهنا أكرر ما أشرت اليه في مقالاتي السابقة أن ما يربطنا مع فلسطين التي هي قضيتنا وقضية كل الأحرار في العالم وإنك لتعجب عندما ترى احراراً في فنزويلا وبوليفيا وتشيلي وكوبا وغيرها من البلدان يقفون بكل قوة مع الحق الفلسطيني وفي الوقت نفسه تجد بعض الأعراب يقفون مع الصهاينة جنباً الى جنب ويستمد بعضهم البركات من حاخاماتهم، وأمّا الأتباع والطبول الجوفاء مثلُها كمثلِ النائحة المستأجرة التي تكثر من العويل ورفع الصوت بحسب ما قبضته من دراهم معدودة لتنفيذ المهمة وفق التوجيه،
وكتبت في الثاني عن الشهيد الحضرمي محمد سعيد باعباد الذي روى بدمه الطاهر أرض فلسطين، والذي كان استشهاده يوم الاثنين 24/4/1970م عن عمر يناهز الثلاثين عاماً،
وقد كتب رحمه الله في مذكراته)) لا يهمني في أي لحظة يختارني فيها القدر، ولكن كل ما يهمني أن أكون في ساحة الجهاد المقدس، لكي يكون موتي بداية لطريق الجنّة التي وعد الله بها المجاهدين في سبيله، وسأصدق الله إلى أن تحقق الآية الكريمة: {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قضى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}
إن أقصى ما أبتغيه وما أرجوه أن أسافر إلى الجنة بطلقة مدفع أو بصاروخ موجه... لي أملان: أولهما الجهاد في سبيل الله وقد تحقق، والثاني أن استشهد في سبيله)) وقد تحقق،
وقد قال عنه المستشار عبدالله العقيل ( عمل الشهيد في البداية على نشر الوعي بقضية فلسطين في الأوساط الشعبية وبين صفوف أبناء الحركة الإسلامية، إلى جانب إلهاب مشاعر المسلمين وحثهم على الجهاد والتضحية، وهذا الجهد لا يمكن تقديره إلا في ضوء الظروف التاريخية التي عمل من خلالها محمد سعيد باعباد، فلم تكن ثورة الاتصالات على هذا النحو، ومن ثم فإن الوصول بقضية ما إلى القواعد الجماهيرية كان يتطلب جهداً دؤوباً، وحركة قريبة من نبض الجماهير والتغلغل في أوساطها، وقد عمل الشهيد باعباد على استثارة الحس العقدي والقومي من أجل إشعال جذوة البذل والعطاء في سبيل نصرة قضية فلسطين.)
وأما الشاعر الفلسطيني عبد الرحمن البرغوثي فقد رثاه بقصيدة طويلة من أبياتها:
يا شهيدَ القدسِ يا فادي البلاد
نِلت ماكنت تمنّى من مُراد
يا سَعيدَ الاسم والحظِّ معاً
قد بذلت النفسَ في ساح الجهاد
هكذا تسِن الأُلى من يَعرُبٍ
يوم ساروا للعُلاء من غيرِ زاد
غير زاد المصطفى في مكة
فأفيقوا يا رعاة الانقياد
واغسلوا العارَ عن الأقصى فقد
طفح الكيلُ فأين الاتحاد
اتحادُ الجسمِ لا يكفي بلا
قلبُ إيمانٍ يدقُّ الاضطهاد
واحفظوا العهدَ لأبطال الفداء
ليس في الإسلام من يرضى الرقاد
وفي المقال الثالث تحدثت عن موقف الأديب الحضرمي علي احمد باكثير رحمه الله تجاه فلسطين والتي كانت تشغل لبه وتفكيره وحبها يجري في شرايين دمه وأخذت حيزاً كبيراً من انتاجه الأدبي بكل فروعه رواية وشعراً ونثراً،
وهو القائل في ابيات تجسد واحدية الامة وكل بلدٍ منها هي بلادنا جميعاً:
وددتُ لو أنّى في فلسطينَ ثائرٌ
لأهلي تَنعانيَ الظِباء لا القصائدُ
وفي برقة أو في الجزائر قاصمٌ
ظهور العِدا والباترات رواعدُ
فتلك بلادي لا أفرّق بينها
لها طارفٌ في مجد قومي وتالدُ
وما نراه من رجال غزة وقد مضى أكثر من شهرٍ على صمودهم الأسطوري في وجه آلة الحرب الصهيونية القذرة المدعومة من الشيطان الأكبر الذي طغى وتجبر لتؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن غزة هي رمز العزة للأمة كلها ولو كره المتصهينون ولو كره المرجفون.