تعد مقولة الناقد الفرنسي رولان بارت "موت المؤلف "والتى طرحها في مقال نشر عام 1967 ثورة ضد النقد التقليدي سرعان ما تحولت هذه المقولة إلى منهج رصين في التعاطي مع النص الأدبي في العصر الحديث والنظرية بشكلها المبسط قائمة على فصل الكاتب والنص وكأننا لانعرف شيئا عن الكاتب متغافلين عن حياته و انتمائه والسبب وراء هذا النص والانطلاق والانتهاء من النص نفسه.
ولأن الفكرة لا تنسف إلا بفكر ومنطق سليمين يدحضانه برؤية عقلية ذات حجج برغم محاولة البعض تكميم الأفواه بالجرح والتخوين والتسفيه فحال الفكرة كما قال غسان كنفاني تسقط الأجساد لا الفكرة.
كانت هاتان العباراتان مدخلا لمقالات تشرح رأيي في الإقليم .
في يوم الذي أحرق المواطن التونسي البوعزيزي نفسه تعبيرا عن وصول الظلم لحد يستوجب الانفجار لتتدحرج كرة اللهب سريعا وتلتهم العديد من العواصم العربية ومن بينها صنعاء حاضرة القرار السياسي على يد فتية آمنوا بالحرية والتغيير بيد أن المراقب للوضع السياسي العربي يجد أن اول من صدح بالتغيير ورفع الظلم كان الحراك السلمي في جنوب اليمن 2007 بعد أن فاض بهم الكيل من الغب بعد وحدة اندماجية غير مشروطة إلا بهوى وعاطفة وطنية شعبية سرعان ما تلاشت وانفجر الصراع بين طرفي الوحدة ليحسم الطرف المنتصر آنذاك المتمثل بقوات صنعاء و يستفرد بالقرار والثروة و يهمش الطرف الاصيل الشريك معه ليكمن الجمر على الرماد والذي انهالت عليه رياح الظلم و التجبر والطغيان ليلهب جذوته بعد 13 عاما كانت مكامن وهجه في المناطق الغربية من جنوبي اليمن والتي لامسها الكثير من الظلم والحرمان.
بيد أن المحافظات الشرقية لم تكن بذاك الزخم المماثل للغرب وذلك لان الظلم الواقع عليهم قديم آبان توحدها في دولة ج ي د ش عام 1967م. فقد تمت الوحدة الاندماجية بين السلطنات في 67 كانت اكبر تلك السلطنات سلطنه المهرة وسقطرى بفعل المد القومي التى عمت المنطقة آنذاك وكانت وثيقة الاتحاد تنص على الحكم الفيدرالي بيد أن الرفاق العسكر انقلبوا على تلك الوثيقة وتم ترحيل السلاطين للمنفى و أنفرد فصيل الجبهة القومي مقصيا الجميع. وهذا الفصيل يغلب عليه أبناء المحافظات الغربية من الجنوب اليمني وتم اختيار أيدلوجية لا يمكن ان تتوافق مع طبيعة وعقلية أبناء المحافظات الشرقية بطبيعتهم الميالة للرأسمالية والمجتمع المدني الطبقي لحدما لتصبح الدولة الوليدة قنبلة مؤقتة لدول الجوار والمنطقة فكان الجيش والقضاء والسلك الدبلوماسي وكل المفاصل الحيوية للدولة بأيديهم ولم يكن بأيدي أبناء المحافظات الشرقية والمهرة بوجه الخصوص إلا النزر اليسير والتمثيل البسيط.. ورغم كل هذا لم يدم الوئام لأبناء تلك المحافظات رغم استحواذ هم على الدولة طويلا فقد انفجر الصراع بينهم بغطاء ظاهره فكري وباطنه مناطقي في يناير 1986 وينفرد أبناء المثلث (يافع الضالع ردفان) على القرار السياسي بواجهة حضرمية لاحول ولاقوة لها ممثلة بالرئيس الأسبق علي سالم البيض الذي هرول لوحدة إندماجية هروبا من تسلط الرفاق.
و بناءً على ماسبق لم يستطع الانتقالي حتى الآن أن يأسس قاعدة صلبة له في المحافظات الشرقية فلا زال الجرح غائراً بسبب ما وقع على أهلها من ممارسات تعسفية إرتبطت بالهوية الجنوبية الوليدة عام 67 والتى لم ترسخ الانتماء الوطني لديهم وخصوصا لدى بعض الطبقات الاجتماعية كالأشراف والقبائل الصحرواية التى فضلت موسم الهجرة فرادا و زلافى في شتى أصقاع المعمورة ليصبح المهاجرون باعداد قد تفوق من هم بالداخل في بعض المحافظات.
ورغم كل ماسبق لا ينكر أحد فضل الحراك السلمي في رفع صوت المظلوم شمالا وجنوبا وما سطره من ملاحم وما قدمه من تضحيات على يد أنصاره بوجه الخصوص والتى على مايبدو لم تكن قيادته بمستوى تضحيات أنصاره للتتفرخ المكونات المتحدة في الهدف والطريقة والمختلفة في الهوى بسبب ترسبات الماضي أحيانا والمتاجرة بالقضية في أحايين كثيرة.
ومن هنا يتضح لنا أن السبب الحقيقي وراء كل هذه المصائب و المآسي في دوامة الصراعات اليمنية هو الاقصاء والتفرد و العنجهية وممارسة الوصاية على شريك الوطن ومن هنا فأن أي عقد سياسي واجتماعي جديد بين اليمنيين لابد أن يكون على أسس وأعراف ومواثيق مبنية على الإنصاف والعدالة فلم يعد بوسع أحد ان يعيد نفس السذاجة التى حصلت في الزيج السياسية الغير عادلة في المراحل السابقة.
من خضم هذا الاحداث المتتالية انبثق نور يضيء دجاجير محافظة المهرة المحافظة المنسية التى كانت خارج دائرة في الضوء بعد أفول نجمها حال انهيار السلطنة المهرية التى وصلت مراحل متقدمة سبقت بها الكثير من السلطنات والامارات والمشايخ في الجزيرة العربية من الاحترام والاعتراف فأصبح جوازها طوق نجاة لليمنيين و بوابتهم للعالم الخارجي ففي عام 2013 نادا العديد من أبناؤها برد الاعتبار لمحافظتهم فتم تشكيل مجلس عام بقيادة النجل الأكبر لآخر سلاطين المهرة وتم إعداد رؤية تكاد تكون سابقة للأحداث وأكثر الرؤى واقعية إذ طالبت بإقليم مستقل لأبناء المهرة وسقطرى في دولة اتحادية وهذه الرؤية تم عرضها على الرئيس السابق عبدربه منصور هادي لاقت استحسانه واستحسان الكثير من أبناء الوطن وأجمع عليها كل أعضاء الحوار الوطني من أبناء المحافظة على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم بيد أن الرياح لم تأتي بما تشتهي سفينة المهرة وأبناؤها .. فالإقليم يتطلب له الكثير من المقومات التى قد يتعذر بعضها بالنسبة لمطلب المهرة وسقطرى، ومن هنا لم تتوفر لدى القائمين على المطلب بعض المرونه التى سبقوا بها الجميع في رؤيتهم في فرصة ذهبية برعاية أممية و اقليمية ليتحجروا و يتحجر المقابل، و شاءت الأقدار أن تتفرق أيادي المهرة ليكون المجلس مجلسين وينضم رئيس المجلس العام الشيخ عبدالله بن عيسى للانتقالي ليتهمه البعض بالتنازل عن مطلب الأقليم المهري السقطري لصالح رؤية الانتقالي الذي هو بدوره كان مرناً بإسقاط رؤيته التى أوهم بها أنصاره و اجمعوا عليها ويظهر ذلك من خلال الاتفاقيات والمواثيق التى أبرمها فقبل بشراكة المناصفة مع الشرعية ليصبحوا ليلا بعلم الانفصال و صباحا بعلم الجمهورية ويصبح المجلس العام منطوي تحت الإنتقالي بذريعة إقليم داخل إقليم الجنوب وهو ما لا ينطوي على ذي عقل لبيب ليظهر لنا في عقدة الصراع اليمني بعد الاقصاء والتفرد عدم المرونة في التعاطي السياسي مع الواقع والمتغير الزمني فالسياسة لا تدار بالعواطف و الانفعالات فهي فن الممكن فلا الغلو إلى حد الإفراط ولا الانجرار إلى تفريط ... يتبع