قُم للمُعلِّمِ وَفِّهِ التبجيلا
كادَ المُعَلِّمُ َأن يَكونَ رسولا
أعلِمتَ أشرَفَ أو أجَلَّ من الذي
يَبني وينشئُ أنفساً وعقولا
رحم الله أمير الشعراء احمد شوقي الذي عرف في زمنه قيمة المعلّم وأهميته وأهمية الرسالة التي يحملها بالنسبة للفرد والمجتمع وتعزيز القيم والأخلاق وضمان السلم المجتمعي ولهذا قال:
(كاد المعلّمُ أن يكون رسولا)
وربما لم يخطر في بال أمير الشعراء أن يأتي زمان يُهانُ فيه المعلم في بلدٍ كان منها الرجال الأفذاذ من أمثال إمرؤالقيس الكندي ووائل بن حجر الحضرمي والعلاء بن الحضرمي والمقنّع الكندي وأشهر قضاة التاريخ الإسلامي شريح الكندي وكذلك رائد علم الاجتماع عبدالرحمن بن خلدون الحضرمي والأديب علي احمد باكثير الكندي والمؤرخ الشهير محمد احمد باشميل الكندي رحمهم الله جميعاً وغيرهم الكثير،
فكم كان مفجعاً خبر طرد مديراً للتربية والتعليم في احدى مديريات حضرموت من قبل مسؤول كبير من مسؤولي الغفلة وممن يتمتع بنفسٍ عنصريٍ بغيض تجاوزته الأمم والشعوب الراقية، لأنه يأنف أن يكون مثله بجواره كما اعترف بذلك لبعض زوّاره، فسعادة المسؤول قد يظن نفسه أنه من أحفاد فاتحي السند والهند وغرناطة واشبيلية،
أو أنه من خريجي هارفرد واكسفورد والسوربون، فكيف يسمح لمدير تربية محسوب مواطنا بسيطا أن يكون متواجداً معه وخاصة أنه يطالب بحقوق المعلمين ورفع الظلم عنهم،
هذه هي حال حضرموت عندما يسند الأمر لغير أهل الرشاد يا رشاد،
وعندما يصبح هذا هو الحال فحُقّ لنا أن نتذكر ما قاله شوقي:
وإذا أُصيبَ القومُ في أخلاقهم
فأقِم عَلَيهم مأتَماً وعَويلا
وقبل عشرة أيام تقريباً قُدّر لي المرور بالشارع الرئيسي بالمكلا واذا بالشارع مغلقاً أمام ديوان المحافظة وقد تجمع عدد كبير من المعلمين والمعلمات في وقفة احتجاجية حضارية سلمية تمثل قمة المدنية تحت أشعة الشمس المحرقة وعلى مقربة من قصر السلطان القديم والذي شهد ذات يوم من اسلافهم الأوائل في خمسينيات القرن المنصرم وقفة سلمية للمطالبة بحقوقٍ مشروعة فكان جزاؤهم اطلاق الرصاص الحي من قبل المستكبرين،
فسقط العديد بين قتيل وجريح.
تفحصت الوجوه معلمين كُثر منهم كبار السن يكسوا الوقار وجوههم وغيرهم في الثلاثينيات والاربعينيات وأعداد مهولة من المعلمات الحضرميات الفاضلات بزيهن المحتشم الذي يسمو بهن الى العلياء خُلقاً وفضيلة،
الكثير من المعلمين والمعلمات كانوا يحملون بعضاً من اللافتات البسيطة التي في ظني عُمِلت بجهودٍ فردية وفق امكانياتهم البسيطة، لكنها تحمل معاني عميقة كبيرة لمن يفهم!
وآتوني بمن يفهم في زمن الانكسار والارتهان، وينبغي أن تُدرس بعناية لدى صنّاع القرار ومن حُمّلوا المسؤولية وكلها عناوين بارزة ممكن تكتب تحتها عشرات المقالات،
ومما كُتِبَ عليها (معلمٌ بلا كرامة جيلٌ بلا انتماء) (المعلمون قادة شعوب وبناة أوطان لا دعاة فوضى) (لا صلاح للأمة إلاّ بصلاح حال المعلّم)
(لا خير في أمةٍ يُهانُ فيها المعلّم) (انهيار منظومة التعليم تجهيل وعبودية جماعية لأجيال متلاحقة)
(أيش فائدة الروبوت والمعلّم بلا قوت)،
وغيرها من اللافتات يصعب عليّ حصرها وتذكّرها في وقفتي السريعة، وكانت هناك قصيدة شعرية قالها أحد المعلمين لم استوعب معظم أبياتها وتوقفت عند بعضها:
اللي يدعِّس على النِعَم دعّاس
ما ظني يسمع للشكيّه
وهنا مربط الفرس عند من يفهم فبعد يومين وأنا في طريقي من فوّه باتجاه المكلا ما بعد الواحدة ظهراً والطريق فارغاً وإذا بطقم يقطع الخط أمامنا وعدّت ثلاثة أطقم وبعدها سيارة المسؤول المبجّل (اللي يدعّس على النعم دعّاس) كما قال الشاعر ومن خلفه ثلاثة أطقم أخرى وكلها عليها مدفع الدّوشكا واتجهوا ناحية صالة أفراح هناك ليحضر غداء في زواج أحد العرسان من عِليّة القوم،
كم هي تكاليف حركة الأطقم فقط؟ وهل مثل هذا سيلقي بالاً لمطالب المعلمين أو حتى يشعر بهم؟
قد يحدث ذلك إذا كتب الله شيئاً آخر كما تنبأ المعلّم الشاعر:
لمّا يجيه الفقر والإفلاس
لي غرّته دنيا دنيّه
سيعلم حينها أنّ:
هذا المعلّم للبشر نبراس
ومطلبه عيشه هنيّه
نعم عيشة هنية بسيطة في حدِّها الأدنى فقط لو رُفِعَ مرتّبه من معدل مائة وخمسون الى ألف ريال سعودي وهو نصف ما تتقاضاه الخادمة الآسيوية عند بعض من وصفهم الشاعر. وللحديث بقية إن شاء الله.
@إشارة