حضرموت بين عقوق الزعامات و قطيعة المكونات

الأم مهما قال عنها الأبناء و الأحفاد و مهما امتدحوها و نمقوا الكلمات و نسجوا بنات أفكارهم و حكوا الأساطير عنها و قالوا و كتبوا و نقلوا أحسن و أفضل ما قيل في الأم فهذا يظل جسدا بلا روح و مومياء بلا حياة مالم تقترن تلك المشاعر و الأحاسيس المرهفة الظاهرية تجاه أمهم بالمحبة و الأقوال الصادقة و الأفعال و الأعمال الجليلة المرضية التي تحبها و تحب أن تراها الام متمثلة في أبنائها و ان لم تقلها لسانها .
حضرموت قديما و حديثا ما من بقعة في المعمورة إلا ولها بصمة خيرٍ فيها من مد جسور العلاقات المختلفة مرورا بدعوة الخير و نشر الإسلام و الإسهام في النهوض الحضاري و المدني في الدول التي هاجروا إليها أو أقاموا فيها .
اليوم نسمع آهات و نرى حزن و آثار آلام أمنا الكبيرة حضرموت و نرى انهمار دموعها على خدودها و جسدها الناحل المنهك و شحوب و خفوت صوتها مما أصابها من تسلط ممن يفترض انهم أخوتها و الذين هم أقل منها علما و الأسواء خُلقا و الأكثر شهية في إلتهام ما يجدونه أمامهم من حقوقها .
و لكن أكثر ما ازعج يزعج أمنا و تاج رؤوسنا حضرموت ابنائها المتشاكسون في كل أمر فهم لا يفوتون الفرص على أنفسهم و أمهم المضحية من أجلهم فحسب بل و يدخلونها معهم من نفق مظلم إلى آخر و من متاهة لأخرى فكلمتهم غير موحدة و صفوفهم ممزقة لم تعد متراصة فهم ليسوا على قلب رجل واحد .
هنا زعيم لا يعترف بالزعيم الآخر و معه مكوّن يعمل ضد المكون الآخر ، و هذا زعيم ثالث و معه مكون لا يعترف بالزعامات و لا المكونات أخرى الا اذا وافقوا السير على خطه و خطته دون نقاش أو حتى أبدأ الرأي و كله من أجلكِ يا حضرموت حسب ادعائهم❗.

فمسؤل في السلطة يطالب أبناء المحافظة بالوقوف و الاصطفاف في صفه لانه الأصلح للقيادة (حسب رأيه) دون أن يكلف نفسه العمل لمحافظته و ابنائها و الإفصاح بكل شفافية عن الأرقام حبيسة الأدراج و الموارد المهدرة .

والآخر ابتعد و انزواء مع آخرين متذرعا بتقديم مطالب المحافظة على غيرها من مطالب الام حضرموت دون أدنى اتفاق على مصفوفة المطالب و معايير حل القضية و إشراك إخوانهم أبناء محافظتهم و ان اختلفوا عنهم في الوسائل و التفاصيل .

حضارم الأمس بنوا حضارة و أرسوا مداميك دولا داخل حضرموت و خارجها بالعلم و العمل حيث العلماء العاملون و لعله اوضح مثال النهضة الخليجية الحديثة فرجالات حضرموت حاضرة في نفوس أبناء تلك الدول لما قدموا من خدمة لهم و لدولهم .

و بمثل ما بنيت تلك الدول بالعلم و التعلم فلن تنهض أمنا و حاضنتنا حضرموت إلا بالتعليم و العمل الجاد و المتواصل و إسناد المناصب فيها لأصحاب الاختصاص و الكفاءة لا لمن لا يحمل شهادة أو حتى مؤهل علمي فبمثل هؤلاء تقع النكسات و الأزمات و الاختناقات الاقتصادية منها و الاجتماعية على حد سواء .

و مع هذا لا زال الامل يحدو ابناء حضرموت المعطاءة في أن يعي هؤلاء الأبناء المتشاكسون حجم الألم الذي تعانيه الام الحنون من أجل فلذات اكبادها الذين يتجرعون الذل و الهوان على أيدي اخوتهم قبل الغرباء ، و الغرباء البعيدين فهل يرجع الأخوة الكبار الى رشدهم و يمدوا أيديهم إلى إخوانهم الذين لا تزال أيديهم ممدوده و ممدودة لهم و يلتف الجميع حول بعضهم البعض من أجل حضرموت و أهلها الطيبين.

فهل وجاهات و شخصيات و مكونات و أحزاب و منظمات و اتحادات حضرموت المختلفة و المتعددة تستطيع أن تلتئم و تضع البلسم على الجراحات و تترفع عن دنايا الأمور الخاصة إلى تطلعات و أحلام غد حضرموت المشرق واضعة خلفها ضغائن و أحقاد الأمس السياسية منها و الاجتماعية و ما دونها و تكون خير خلف لخير سلف .

فلو كنا موحدين لا متشرذمين فهل كان هذا حالنا كما هو اليوم ، قطعا لا و الف لا ولا ، طيب أيها الطيبون ، فإن لم يكن الالتفاف و التوحد اليوم قبل الغد و نبذ الفرقة و التعصب ، فمتى يكون ؟

حضرموت تنتظر العمل الجاد لا الأقوال الجوفاء و الكلام المعسول الذي سأمناه .

حضرموت تنتظر بر ابنائها الميامين و صلة إخوانهم الغارقين في وحل الأوضاع المعيشية الصعبة .

حضرموت ترنو الى ألتفاف ابنائها حولها حتى تعود البسمة الى وجهها الوضاء المشرق .

فهلمّ الى البر و الصلة لا الى العقوق و القطيعة .

 

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص