حضرموت اليوم / ذكرى الواحدي
لا يمكن وصف ما قام به «الصالح» من مجازر بأقل من إبادة جماعية لأبناء شعبه في صنعاء وتعز وأبين ومناطق أخرى.. هلوكست جماعي استخدم فيها الأسلحة الثقيلة والمحرمة دوليا ضد شباب عزل لا يملكون غير صدورهم العارية لمواجهة كل ذلك، روع النساء والأطفال وقتلهم حول هدوءهم وسكونهم إلى ليالٍ مرعبة ومروعة، روائح البارود في كل زاوية.. وجثث متناثرة وتحت الأنقاض، ومستقبل مظلم كظلمة قلبه.. هذا ما كان يدور خلال أسبوعين في كل بيت في صنعاء، أسر أبيدت بأكملها وأسر مات عائلها وأخرى امتلأت أجسادهم جراح وتركتهم فريسة الأحزان..
الطفلة شهد طلقات غادرة قتلتها واخترقت وجهها الجميل وودع براءتها والديها بعيون قلوبهم الدامية، حتى وهي كعصفورة في كفنها لم تسلم من أكاذيب «قناة اليمن» وتسييس وفاتها وتناسوا أن القاتل هو من حول تلك المنطقة إلى ساحة حرب..
محمد وأحمد وعبد الرحمن وشذى أطفال بعمر الزهور كادت قذيفة ثقيلة أن تودي بأرواحهم وهم متحولقين على أمهم التي كانت تلهج بالدعاء أثناء القصف الشديد على بيت الشيخ حميد الأحمر في حدة دخلت القذيفة وأصابت الأطفال وأمهم بجروح بالغة..
عبدالرحمن- 3سنوات استقرت شظايا في جسده الصغير وسيحملها إلى آخر عمره، شذى الصغيرة ذات السنة والنصف لم تحظ الشظايا بجسدها الطري وأصابت ظهرها كذلك محمد وأحمد.. الأم كانت هي الأشد إصابة عندما انفجرت القذيفة وهي تحتضن أطفالها وترضع صغيرتها دخلت شظايا في رأسها وجسدها وكسر وتهشم كوع يدها..
في زيارتنا إلى مستشفى العلوم والتكنولوجيا دخلنا غرفة أم محمد أثناء تطبيب جراحها كانت دموعها تنزل ولسانها لا يتوقف عن الدعاء وعبد الرحمن يرقب أمه بصمت حينها قالت نحن نسكن في شارع الخمسين بحده سمعنا القصف ولم نتوقع أن يصل إلى بيوتنا كنت أدعو الله أن يحفظنا ويحفظ أولادي، أذن المغرب فقام ولدي محمد وأحمد للصلاة وأنا أرضع أختهما فجاءت القذيفة وانفجرت وسطنا عندما فقت كنت أقول أولادي فسمعتهم يقولون يا ماما نحن بخير، بعدها جاء الجيران وأسعفونا ولم أعد أشعر بنفسي إلا وأنا في المشفى..
لما سألتها عن شعورها في تلك اللحظة وإصابة أولادها وإصابتها وخراب بيتها قالت الحمد الله الذي سلم أولادي وأخرجنا بخير، لما صحونا بعد الانفجار كان كل أولادي متشبثين حولي وقبلها كنت أدعو وهم يدعون بعدي، كل شيء يذهب أهم شيء أولادي..
والدهم خالد عبدالعزيز كان في حالة صدمة وشعور متضارب شعرت أن كل تفكيري مشتت وذهول من الإصابة، ولكن كلما حدثته كان يقول: الحمد الله هذا قدر الله فقد خرجت من المنزل إلى بيت والدي في الصافية لزيارتهم ودعوتهم إلى بيتي خوفا عليهم، لم أكن أتوقع أن يصل الضرب إلى منزلي ويكون الضرب عشوائيا إلى البيوت.. اتصل بي قريبي وكلمني على الحادثة أسرعت إلى المكان كنت أشعر أني فقدت الإحساس وأني في ظلام.. وجدت أسرتي قد تم إسعافها من الجيران.. سكت ثم قلت الحمد الله هذا قضاء الله..
وأضافت عمة الأطفال أن عبدالرحمن تأتيه كوابيس ليلية ويصرخ في النوم، عندما حاولت سؤال عبدالرحمن قال والده أرجوك لا أريد أن يتذكر ابني هذه الليلة المرعبة.
في الغرفة المجاورة ترقد مريم القليصي بجروح أثخنت جسدها، قذيفة أذابت عظام لحم يدها اليمنى ورجلها أيضا كما تركت القذيفة جروحا متفرقة على وجهها وجسدها، تقول مريم بيتنا يقع على بعد من وزارة الإدارة المحلية، ففي يوم الثلاثاء ليلا كان القصف المتواصل على الوزارة والمنازل المجاورة، كنا نائمين في بيتنا والخوف يراودنا، دخلت قذيفة إلى غرفتنا وأنا نائمة وأختي وعمتي فجاءت جنبي وانفجرت فكنت أصرخ من الألم، تضيف عمتها لم نشعل حتى أي ضوء ولكن لما رأيت مريم أضأت تلفوني ورأيت يدها وقد ذاب اللحم والعظم ورأيت الدماء على جسدها فأغمي علي مرتين، نحن لم نصب بأذى ولكن مريم إصابتها بالغة..
تقول مريم لم نستطع ترك بيوتنا تخيلي أن يترك الشخص شقى عمره ولا يوجد لديه إلا هذا البيت، رغم خوفنا بقينا في البيت خوفا من النهب.. العديد من سكان الحارة غادروا منازلهم ولم يتبق غير أفراد يحرسون بيوتهم..
سألتها عن تلك الليلة المرعبة وإصابتها سكتت وترقرقت الدموع في عينيها، وقالت: الحمد الله قضاء الله ماذا نفعل؟
إبادة جماعية..
إبادة جماعية شملت العديد من أبناء الوطن، جروح بالغة وعميقة حفرت في أجسادهم حتى ثلاجة الموتى لم يكن هناك متسع للمزيد من أجساد تفحمت وأخرى تقطعت، كانوا بالأمس يمشون على ثرى بلدهم واليوم تحتضنهم الثلاجات الباردة، أسماء كتبت على جثامينهم.. وأهل يذرفون الدموع عليهم لحظات من الانهيار أصابتني عند رؤية بعض الإصابات في أجسادهم فخرجت إلى الجرحى الذين شاهدوا كل هذه الفضائح وحرب الإبادة..
محمد عبدالله أنين متواصل كان يحاول كتمانه جسده أصابته شظايا وكسور، بصعوبة بالغة ذكر اسمه لي، فقد سكنت شظية أسفل وجهه في الجهة اليسرى، قال متعبا، أنا من سكان الحصبة أصبت بقذيفة أمام اللجنة الدائمة ولامنا ولا علينا، كلنا أصبنا حصل ذلك قبل 6أيام، ثم أشار بيده إلى الشظية التي في وجهه وقال لا أستطيع الكلام..
انتقلت إلى جريح آخر مسعد محمد عبده كانت إصابته في الصدر برصاصة طائشة، يقول مسعد أنا ساكن في الحصبة في يوم الخميس بعد الظهر سمعنا انفجارا عنيفا فخرجنا لرؤيته فأصبت بالرصاصة وما تزال موجودة إلى الآن في صدري، وتحدث مسعد عن مشاهد قبل إصابته بقوله: رأيت العديد من الناس مصابين من أطفال وشباب كان الأمن والحرس يمنع وصول الإسعاف إليهم..
يضيف أخوه محمد قائلا: إن البلاطجة إذا رأوا أحدا يعتدوا عليه بالضرب ولقد اعتدوا على منازل ومراكز لسبأفون في تلك المنطقة..
الجريح الآخر بكيل مفتاح يتحدث عن تلك المشاهد بقوله: خرجنا من الساحة إلى بيوتنا في الحصبة لحمايتها من النهب بعدما أخرجنا أسرنا إلى المناطق الأكثر أمنا، سمعنا انفجار قويا في المنطقة وسمعنا صراخ نساء وأطفال فخرجت مع مجموعة من الأصدقاء فجاءت قذيفة أخرى وأصبنا وتوفي اثنان من الأصدقاء، بعدها لخص هذه المشاهد بعبارة واحدة (هدايا علي عبدالله صالح للشعب قذائف وصورايخ)..
هناك أسرة قريبة من بيت الشيخ تفحمت تماما، هذه إبادة جماعية استهدفت السكان وبيت الشيخ صادق لأنهم واقفين مع الثورة وهذا ما اعتبره الرئيس عداء شخصيا له.. لذلك استخدم كل هذه الأسلحة المحرمة لإبادة الناس دون رحمة..
قائد علي سعد يقول عن إصابته أنه أصيب بجانب البوابة للفرقة برصاصة من جهة وزارة الصحة، قلت له إن كان هنا رد، قال: لدينا أوامر صارمة بعدم الرد مهما فعلوا من استفزاز..
أسامة الوصابي دخلت قذيفة إلى سكنهم وهم نائمين فأصابته هو وأخوه، حيث يقول: نسكن بجانب العمائر الليبية مكان بعيد عن القصف ومع هذا وصل إلينا ففي الساعة التاسعة صباحا شعرنا بالانفجار، يقول أخوه معتصم القصف العشوائي والجنوني وصل إلى مناطق كنا نعتبر أنفسنا في مأمن، ولكن لم نسلم ونحن في بيوتنا، الإصابة لأسامة والمعتصم في أجزاء متعددة في جسديهما تدل على مدى ذلك الحقد الذي وصل بهؤلاء.
جبران أحمد يحيى يقول: كنت مع بعض أصدقائي نمشي في حارتنا خلف وزارة الصناعة ولوجود عدد من البلاطجة والقناصين ضربوا عشوائي علينا وأصبنا بإصابات مختلفة كان هذا يوم هدنة كلما أوقف الشيخ الإطلاق بدء البلاطجة بالضرب على الناس، ونهبوا الممتلكات فلقد نهبوا الوزارات وأحرقوا البيوت، رأيت جثثا عديدة لم نستطع الوصول للبعض إلا تحت جناح الليل وسحبها وأخرى تعفنت لأننا لم نستطع الوصول إليها تحت الضرب والقصف، لا أقدر أن أصف تلك الحالة إلا بالجنون حتى يضرب الناس بتلك الطريقة..
الجريح حكيم محمد قائد أثناء حواري مع زملائه كنت أراه يتحامل على ألمه ويكتم صرخات الألم إبر تخدير تسكن كل ذلك ولكن سياط الوجع المبرح تضرب جسده يقول بحزن شديد الألم ليس ألم جسدي فقط وإنما على أولئك الناس الذين تعفنت أجسادهم والذين ماتوا وهم ينزفون والذين فقدوا كل ما يملكون في لحظات، والله رأيت النساء والأطفال وهم يهربون في هلع وفزع من زقاق إلى زقاق تحت ذلك القصف الجنوني، اتصل بي صديقي في تلك المنطقة يستغيثني حتى أخرج أسرته وأشياءه فوصلت إلى الحصبة عند السوق يوم الثلاثاء إلا وسقطت القذائف والصواريخ تلك التي تستخدم في احتراب الجيوش وليس في ضرب الناس الآمنين فسقطت عدة قذائف وأصابتني لم أعد أشعر بشيء وبعدما صحوت بقيت ساعات طويلة وأنا أصرخ من الألم.. فكلما اقترب أي شخص أطلقوا عليه الرصاص بعدها جاء أنصار الشيخ وأسعفوني، رأيت جثة شخص قد تعفنت فلما سألتهم لماذا لم يأخذوه، قالوا لم يستطيعوا بسبب ضرب الرصاص والقصف المتواصل..
وتابع بألم شديد إصابتي بالغة فقد كسرت رجلي وحروق في الأخرى وشظايا في بقية جسدي ولولا المخدر لما استطعت حتى الكلام، لا أعرف بما أصف هذه الوحشية، ولكن أقول الله لا سامحه..
دمار .. ونزيف
ملاطف محمد المطري أصابت الشظايا الرقبة وأجزاء متفرقة من جسده، أشار لي أنه لا يستطيع الحديث بسبب تأثر صوته من الشظية ولكن كان يحترق عندما كنت أحادث مرافقيه عن حالته فأخذ القلم مني وكتب.. الحرس الجمهوري الذين يلبسون زي اللواء الرابع التابع لمحمد خليل اقتحموا البيوت ويضربوني ضربا عشوائيا يتصرفون بهمجية فوق الأبرياء والمساكين لا يرحمون أحدا وينهبون الممتلكات الخاصة والعامة للمواطنين، يحاولون الإساءة للثوار وبالأخص الفرقة- حسبنا الله ونعم الوكيل.
شاركنا صديقه أنور التعكري الحديث قائلا اقتحموا إحدى البيوت لشخص يدعى نعمان الحبش وسرقوا الذهب وجنبية ثمينة، وكذلك بيت محمد فرحان ماهر المطري، ويقول الأطفال والنساء في حالة رعب وخوف والكثيرون تركوا بيوتهم خوفا على سلامتهم..
الطفل زكريا كمال لم يسلم أيضا من رصاص قناصة أرادوا قتله يقول عمه عبدالباري: بيت العائلة جوار السجن المركزي في يوم الأربعاء رجعنا للمنزل لأخذ بعض الأشياء لأننا أخرجنا العائلة من ذلك المكان فدخل زكريا لأخذها فسمعناه يصرخ كان يقول: باموت، الرصاص كانت مباشرة على القلب يدل على أن ذلك كان مقصود، رغم أن ذلك اليوم كان هادئ إلا أن البعض يتسلى بأرواح الناس..
يقول زكريا: شعرت بنفس في تلك اللحظة مثل المشلول.. كنت أصرخ فقط باموت..
عبدالمجيد سعنة من حراس بيت الشيخ حميد الأحمر في حدة يقول: لم نتوقع القصف علينا كنا في أمان.. فجأة أطلقوا قذائف وصورايخ متواصلة دمرت البيت وساوته بالأرض، أصبت بأول قذيفة وصلت عندما كنت أحرس البوابة سحبت نفسي إلى بدروم عمارة قريب واختبأت هناك دمرت بيوت قريبة من منزل الشيخ وأحرقوا سيارات مواطنين، وبيوت تابعة لحرس الشيخ.
يؤكد عبدالمجيد وجود أطفال ونساء وأجانب في المنزل لا يعرف مصيرهم بسبب تواصل القصف وعدم قدرة وصول الإسعاف إليهم..
محمد العريفي من سكان حارة الحصبة يقول كنا جالسين يوم الثلاثاء لحراسة بيوتنا، ضربوا على بيوت بجانبنا خرجنا لإسعاف الناس جاءت قذيفة هاون وأصبت بإصابات طفيفة فجاءت قذيفة أخرى جرحت 6 أشخاص واستشهد عبدالله القهالي، رجال الشيخ غامروا بأنفسهم وأسعفونا وإلا كنا متنا ونحن ننزف، وتابع بقوله: أحمل الرئيس وزمرته كل هذه الدماء والضحايا بسبب الضرب العشوائي والقذائف المحرمة التي يستخدمها..
منيف عبدالجليل أطلق عليه الحرس الجمهوري عندما دخل صنعاء وأراد المرور فأطلقوا عليه النار على ظهره فأصابته رصاصة دخلت من الظهر وخرجت من الأضلاع..
أما مصور قناة سهيل محمد المخلافي لم يسلم هو أيضا من الإصابة أثناء تواجده في بيت الشيخ يوم الوساطة، أصيب بشظايا في الرجل والبطن وظل في العناية المركزة 3 أيام..
عدنان سعد وعلي أحمد محسن أصيبوا أثناء تواجدهم في بيت الشيخ بشظايا ملأت جسد عدنان.. يقول علي أحمد كنا نستقبل الوساطة وبعد الصلاة تفاجأنا بأول قذيفة بعدها عدة صواريخ وقذائف فكان هناك العديد من القتلى والجرحى لم نتوقع أن يقوم بهذا العمل الخسيس