الحوار الوطني وسيلة حضارية هامة لحل المشكلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وغيرها من المشكلات التي تواجه المجتمعات البشرية، وما أحوج اليمنيون لمثل هذا الحوار لإيجاد الحلول الناجحة للعديد من المشكلات والمعضلات التي أوجدها النظام السابق وغذاها خلال الفترة الطويلة التي حكم فيها، ومن أهم هذه المشكلات وأبرزها : القضية الجنوبية، الفقر الذي يخيّم على نسبة كبيرة من السكان بسبب استغلال ثروات البلاد من قبل فئة صغيرة من الناس تملك السلطة والثروة، ومن المشكلات أيضاً النظام السياسي القائم وتركيبته التي تتسم بالعائلي وفيه لا تحكم المؤسسات رغم وجودها، بل الفرد والعائلة هما الحاكمان، ومن المشكلات المعقدة التي تعرقل الانتقال السلمي للسلطة المؤسسات الأمنية والعسكرية التي بناها النظام السابق على أساس الولاء للفرد والعائلة، أضف إلى ذلك الفساد الذي ينتشر في جسم الدولة ومؤسساتها بكل مفاصلها .
وتقف أمام المتحاورين مهام كبيرة ومعقدة، ولاسيما وأن رأس النظام السابق ورموزه لازالت حاضرة في المشهد السياسي اليمني وتعمل بقوة لعرقلة أي تحول سلمي للسلطة، بل وتتهيأ للانقضاض على الثورة في ظل تجاهل واضح للراعي الدولي والإقليمي للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية في اتخاذ إجراءات صارمة ورادعة بحق المعرقلين الرئيسيين لتنفيذها، والاكتفاء فقط بالكلام دون الفعل ... فبقايا النظام ورموزه الفاسدة تزرع العراقيل والمعوقات اليومية لتحول دون تحقيق أي تقدم في العملية السياسية والانتقال السلمي للسلطة، كما أنه حتى الآن لا توجد مؤشرات إيجابية لنجاح هذا الحوار، فالعشرات من الشباب، بل المئات منهم لازالوا يقبعون في سجون الأمن القومي والسياسي، كما لم يتم حتى اليوم الكشف عن مصير المختطفين والمخفيين قسرياً.. كما أن هناك تجاهلاً واضحاً في تمثيل شباب الساحات والحراك الجنوبي الفاعل في الجنوب ..
إن كل ما نخشاه ونخافه هو أن يكون مصير هذا الحوار ونتائجه هو مصير الحوارات السابقة التي كانت تجرى بين النظام البائد والمعارضة قبل ثورة الحادي عشر من فبراير، حيث سرعان ما يتم التنكر لها وتجاهلها، أو أن يعمل هذا الحوار على إعادة إنتاج النظام السابق بوجه آخر أكثر جرماً وأكثر قبحاً من النظام المخلوع، فالمواطن حتى اليوم لم يلمس تغييراً حقيقياً وملموساً في حياته وأمنه، بل كل ما يشهده هو أن الأمور تزيد سوءاً ولاسيما على صعيد الخدمات - الكهرباء - الصحة - النظافة الأمن - ... الخ .
فبقايا النظام ورموزه لازالت هي المتحكمة والمسيطرة في المحافظات، حيث لم يتم تغييرها أو استبدالها بقوى ثورية، فلازال ولاؤها لرأس النظام السابق وتعمل بقوة على عرقلة عملية التغيير ومقاومته حتى تحافظ على مصالحها ومواقعها في السلطة، فإذا كانت المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية قائمة على التوافق، فلابد من الحفاظ على العناصر الشريفة والنزيهة من النظام السابق التي لم تتلطخ أياديهم بدماء الثوار ونهب المال العام .
ومن الأهمية بمكان لنجاح الحوار الوطني أن تقوم القيادة السياسية المجمع عليها وهي الرئيس على اتخاذ إجراءات جريئة وشجاعة في المركز والمحافظات على صعيد المؤسسات الأمنية والعسكرية وكذلك المؤسسات المدنية للتخلص من بقايا النظام السابق ورموزه المتهمة بعرقلة الانتقال السلمي للسلطة وتحريرها من سيطرة العائلة، فكل الإجراءات التي اتُّخذت حتى الآن غير كافية، فخطورة النظام السابق واحتمالات عودته لازالت قائمة، فرأس النظام البائد ورموزه تعمل وتتحرك بكل حرية، فالأجهزة الأمنية التابعة لهم تعتقل وتختطف بعيداً عن علم السلطة السياسية والتنفيذية القائمة، وتتمثل هذه الإجراءات المطلوبة لإنجاح الحوار الوطني فيما يلي :
1) إطلاق سراح كل المعتقلين والموقوفين الذين لازالوا يقبعون في سجون الأمن القومي والسياسي من شباب التغيير والحراكيين .
2) الكشف عن مصير المخطوفين والمخفيين قسرياً ومحاسبة المسئولين عن ذلك .
3) إحالة المسئولين عن أعمال القتل للثوار والحراكيين للتحقيق والمحاكمة .
4) تحرير المؤسسات الأمنية والعسكرية من سيطرة العائلة وتحويلها إلى مؤسسات وطنية لخدمة الشعب والوطن .
5) وضع حد للفوضى الأمنية والانفلات الأمني التي تعيشه المحافظات الجنوبية، وإيقاف أعمال القتل التي تمارسها الأجهزة الأمنية والعسكرية حتى اليوم ضد أبناء الجنوب ومحاسبة المسئولين عن ذلك .
6) إقالة المسئولين الفاسدين من الإدارات والمؤسسات المدنية والاقتصادية والمالية، وإحالتهم إلى التحقيق وإحلال محلهم عناصر وطنية مشهود لها بالنزاهة والكفاءة العلمية والمهنية .
7) الضغط بقوة على رعاة المبادرة لاتخاذ إجراءات صارمة وعقوبات رادعة ضد رموز النظام السابق التي تعمل على عرقلة تنفيذ المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية .