طوال خمس حلقات متتالية في صحيفة شبام الغراء استفدت خلالها الكثير والكثير من المفاهيم الهامة عن الانتماء الوطني والانتماء السياسي كتبتها أنامل الأستاذ الفاضل سالم الخضر حفظه الله، إلا أنني وفي قمة نشوتي بقراءة الحلقة الخامسة منها في العدد ( 661 ) من شبام المؤرخ بتاريخ 18 / شوال / 1433هـ الموافق 5 / 9 / 2012م فاجأنا الأستاذ بهجومه الكاسح على حزبي المؤتمر والإصلاح، وبدا فيه كأنه وطوال تلك الحلقات المتسلسلة يود أن يصل إلى هذا الطرح الذي اختلف كليةً عن طرحه الأول المليء بالعقلانية و المفعم بالمعلومة العلمية الصحيحة، حتى لكأنني تذكرت قول الله عز وجلّ في كتابه الحكيم متحدثاً عن تلك المرأة في مكة التي كانت تنقض غزلها من بعد قوة : ( و لا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً ) صدق الله العظيم، ولقد عَجبتُ كثيراً من نظرته النمطية للحزبين ( المؤتمر / الإصلاح ) مهما وقعا فيه من أخطاء أو مهما يحملان من أفكار يراها في نظره خاطئة، ولأن حكمه على المؤتمر وعلى نوايا أعضائه ـ الحضارم منهم على وجه الخصوص ـ التي كانت تتركز في النفعية الذاتية والمصلحية الضيقة الخالية من الانتماءات الوطنية أو السياسية كانت هي الأبرز والأقوى كون هذا الحزب قد اُتيح له لأن يحكم اليمن طوال أكثر من ثلاثين عاماً مليئة بالإخفاقات المتتالية والفشل السياسي المروع نظراً لارتباط هذا الحزب المطلق بالحكم الفردي العائلي الذي ألقى بظلاله على الحزب وتحركاته وأفعاله وقراراته السياسية المتسمة بالمزاجية المطلقة لرأس الحكم المخلوع علي صالح سيء الذكر . وحتى لو كان الحكم المطلق العام على ثلة من أعضاء هذا الحزب فيه شيء من الحقيقة، لكن لا يمكن بأي حال أن نضرب الذكر صفحاً عن كثير من الشخصيات الوطنية الشريفة والنزيهة والمقتدرة سياسياً التي هي بين صفوف هذا الحزب التي سعت منذ آماد طويلة لتصحيح المسار إلا أن أصواتها لم تكن مسموعة لكثرة الخبث ، وفيما يخص حزب التجمع اليمني للإصلاح ـ الذي نتشرف بالدفاع عنه ـ و للعلم لسنا من قادته أو من البارزين فيه ولكننا شباب صغير على بلوغ قمته؛ اقتنع برؤاه وفكره وما يمكن أن يقدمه لهذا الوطن ، هذا الحزب الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نقارن بينه في مبادئه ورؤيته وتنظيمه وكل ما في ثناياه ابتداءً من الهرم وحتى القاعدة أن نقارن بينه وبين المؤتمر الشعبي العام، فهذا الحزب الذي تأسس بعد تحقيق الوحدة اليمنية المباركة بين شطري اليمن يوم 13 سبتمبر/ أيلول 1990هو أحد أكبر الأحزاب اليمنية المعارضة في اليمن، ويمثل القوة الإسلامية للشعب اليمني التي لا يمكن الاستهانة بها، كما أن له الفضل بعد الله في إرساء مبدأ الديمقراطية والتعددية الحزبية في اليمن ( وبالتالي فتح الباب واسعاً لجميع التكوينات والقوى السياسية أن تمارس نشاطها بوضوح .. ومنذ اللحظة التي نشأ فيها التجمع اليمني للإصلاح أصبح رقماً قوياً في الساحة السياسية اليمنية ، وأثبت وجوده كعنصر فاعل ومؤثر)، ونحن بالمناسبة نعيش هذه الأيام ذكرى تأسيسه الثانية والعشرين التي أمضاها في البناء والتأسيس ليمن أفضل .
لقد جعل الأستاذ سالم الخضر حزب التجمع اليمني للإصلاح إشكالية في حد ذاته، وأن الحزب قد نصّب نفسه وصياً على الإسلام والمسلمين، و أنه لا يمتلك رؤية واضحة، وهذا لعمري حكم جائر بل وفي شدة الظلم والتجني في حقه، يشهد به الواقع المعيش، كلامه هذا لا أساس له إطلاقاً من الصحة، ومن ينكر ذلك فما عليه إلا أن يقرأ بشيء من التمعن والإنصاف المسيرة السياسية المضيئة لهذا الحزب، الذي لا ينكر أصحابه ومؤسسوه أنه في يوم من الأيام قد ساعد خلالها بعض الذين كان يظن فيهم أملاً وخيراً لإصلاح اليمن وتنميته، فلما تبين له غير ذلك ثار عليه وصحح مساره من جديد على أنه استفاد درساً أن لا يلدغ من جحر مرتين .
أما اعتراضه على تبني الإصلاح لرؤية دينية في حين يدين بها الشعب اليمني وهو الإسلام، فليس ظلماً أو جريمة أن يسعى الإصلاح للإصلاح والتجديد، وإعادة جميع أفراد هذه الأمة إلى التمسك بالإسلام عقيدة وشريعة، وإعادة الجوهر الحقيقي للدين الإسلامي الذي غاب عن الأمة في غمرة ضعفها واستكانتها، وكان في رأي الأستاذ الخضر أن من يتصدى لهذه المهمة الدعوية عليه أن يترك بقية الجوانب ويسعى في هذا المضمار الدعوي فحسب، وألا يتدخل في قضايا الناس التي ليس لها علاقة بالدين وأن يقف عن ممارسة السياسة، وهذا خطأ فاحش؛ فديننا الإسلامي الحنيف يتسم بالشمولية والاتساع إذ ليس دين رهبانية وتعبد ولكنه دين ودنيا أو مثل ما جاء في الأثر: ( اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً ) .
إن حصر عمل الحزب في جانب واحد كالعمل الخيري والإنساني أمر مجانب للصواب، ولقد كان الإصلاح طوال مسيرته على ثغور شتى، فهو على طول خطه أخذ يقاوم ولا يزال يقاوم الفساد والظلم والرشوة واختلاس المال العام ، ويسعى لأن تسود دعائم العدل والمساواة، والمواطنة المتساوية بين الناس، و لا يرضى بإذلال الناس والسطو على أموالهم وأرضهم ومضايقتهم في معايشهم، وإغلاء أسعارهم وتجويعهم بالجرعات القاتلة أو الضرائب، وحتى لو لم ينجح في إخماد سطوة الظلم، فليس من المعقول والمنطقي أن يترك مواقعه وثغوره التي يتواجد بها ـ كما يرى أستاذنا الفاضل ـ بل يعلن مواقفه الرافضة والمقاومة للاختلالات الممارسة ويبقى في مكانه ويسعى للإصلاح ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، لأنه إن ترك مواقعه شغلها المفسدون وحينها يزداد الظلم والفساد .
وفي ختام قولنا نحب أن نعلنها صريحة لكل الشباب والعاملين في الساحة السياسية اليمنية إن انتماءنا لحزب التجمع اليمني للإصلاح ليس انتماءً سياسياً ووطنياً فحسب، وإنما هو إضافة إلى ذلك احتساب إلى الله تعالى بالعمل في طريق الدعوة إلى سبيله، والجهاد السلمي، بعيداً عن العنف والإرهاب وإجبار الناس على اعتناق فكر دون آخر، وتجسيداً وتطبيقاً لقول الله تعالى في محكم تنزيله : ( إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له .. ) .