الفيلم المسيء للإسلام .. بل هو إساءة للغرب وهدم لحضارته وقيمه

مَن مِن المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها لم يتأثر بما قام به بعض أقباط مصر في المهجر ونصارى الغرب وبمشاركة معلنة من إخوانهم يهود (تشابهت قلوبهم) من إنتاج فيلم أرادوا به الإساءة للإسلام ولنبي الإسلام -عليه الصلاة والسلام-.

والسؤال الذي نطرحه هنا : هل يا ترى بما فعل هؤلاء القوم من إنتاج فيلم وقبله نشر رسوم ساخرة ومن قبله الافتراء على الإسلام وشريعته ونبيه ... إلخ , هل سيصل هؤلاء لما يريدون من إساءة أو أذية أو صد عن الدين؟.

إن الذي نعتقده نحن المسلمون أنه مهما فعل هؤلاء من أفعال وإن عظمت فلن يضروا الإسلام ونبي الإسلام –عليه الصلاة والسلام- شيئاً,لأن من قبلهم من أهل الكفر قد فعلوا ذلك بل و أكبر من ذلك وذهب كيدهم بوار, ولأن الله عز وجل هو من يتولي الدفاع عن نبيه – صلى الله عليه وسلم – كما قال تعالى:{إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ}.

لكن الحقيقة الناصعة التي تتبلور من جراء هذه الأفعال الشنيعة والأعمال المشينة تنحصر في كشف القناع عن دعاوى الغرب الفجة المتناقضة, وتكشف عن وجهه القبيح الكالح, وتهدم حضارة يتغنى بها وقيماً يدعيها.

فإن الأمم إنما تبني أمجادها وتشيد حضارتها على ضفاف المثل العالية والقيم السامية والأعمال الخيرة, ولا ريب أن كل أمة تعتز بحضاراتها التي هي عنوان تقدمها ورقيها، وإذا كانت الحضارة بمفهومها الشامل تعني :كل ما يميز أمة عن أمة من حيث العادات والتقاليد وأسلوب المعيشة والتمسك بالقيم الدينية والأخلاقية ومقدرة الإنسان في كل حضارة على الإبداع في الفنون والآداب والعلوم.

فيا ترى ماذا بقي من قيمٍ وحضارةٍ للغرب وأهله وديانته بعد هذا السقوط المروع والنكوص المدوي؟؟.إن أي أمه خرجت عن القيم فلا بد أن يكون مصيرها إلى التلاشى ،، وبداية وتداعيات سقوط الحضارة الغربية هي ما نشهده اليوم من انقلاب على الدين وتمرد على الفضيلة وانهماك محموم على المال.

إن الغرب يعاني من تصدع وانهيار كبير يوشك بعده على زوال دولته وانمحاء أثره من الكون, كما كان الحال في أمم سابقة  سقطت وانتهت وحضارات أبيدت كحضارة عاد ، وحضارة فِرعون ، وحضارة الفرس والروم ، و حضارة الروس وغيرها.

إنه حينما يصل الغرب بما يمثله من الديانة النصرانية والهيمنة الإمريكية والأوروبية وبما يدعيه اليوم من التقدم في العلم والمعرفة, إلى درجة أن ينكر الحقائق الواضحة والمعارف المتواترة والتاريخ المحفور في صخور الأيام والليالي وأن يتنكر للمعلوم لدى العقلاء بالضرورة ويتنصل لحضارة أمة عريقة ويحاول دس رأسه عن كل فضيلة ومزية نسبت إلى هذه الأمة ... فإنه يكون حينها قد سلخ نفسه من كل القيم والمبادئ الإنسانية المتعارف عيها بين الأمم.

وإن تلك الإساءات المتكررة من الغرب بمختلف فئاته ومثقفيه وزعاماته هم أول من يعلم أنها لا تمثل الحقيقة المطابقة عن الإسلام ونبي الإسلام – عليه الصلاة والسلام –ولكنها تعطي الصورة النمطية عما تضمره العقلية الغربية من حقد وكراهية وإرهاب وعنف ونظرة بغيضة للآخر.

وإنني واثق كل الثقة من أن كل ما يفعلونه ويقومون به في هذه الآونة والأزمنة المتأخرة إنما يعود عليهم هم بالإساءة ويعود على حضارتهم بالهدم وعلى قيمهم بالإفلاس.

وأما الإسلام فهو دين الله المنزل, وهو الدين القيم, وهو دين الأمن والسلام, دين ينتشر بسماحته ورحمته كانتشار ضوء الشمس على البسيطة ونور القمر في غياهب الليل المظلم, وما حالهم مع عظمة هذا النور المبين إلا كما قال الله تعالى عن أعداءه الماضين :{يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}.

فكل ما ينشرونه ويحيكونه عن الإسلام ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إساءات وأكاذيب وافتراءات لا يقبلها ذوق ولا يستسيغها عقل ولا تقرها مروءة ولا عرف .

ولنا أن نسألهم بصريح العبارة : هل ما تحاولون الإساءة إليه وتصويره للآخرين هو الإسلام ونبي الإسلام حقيقة ؟؟.

فإن قالوا :لا , قلنا لهم : فلما إذاً تغطّون على الحقيقة وتزورون التاريخ, وحقيقة حالهم ما قال الله عنهم:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}.

وإن قالوا : نعم , قلنا لهم : كذبتم ولن نبين كذبكم بما نعتقده نحن المسلمون إذ أنكم لا تؤمنون به, ولكن بشهادات عقلائكم وعلمائكم وفلاسفتكم وأدبائكم وزعمائكم, فماذا يا ترى يقولون عن الإسلام ونبي الإسلام عليه الصلاة والسلام .

شهادة عقلاء الغرب للإسلام ولنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم:

- يقول المفكر ليوبولد فايس : "لسنا نبالغ إذ قلنا إن العصر العلمي الحديث الذي نعيش فيه ، لم يُدشّن في مدن أوربة ، ولكن في المراكز الإسلامية في دمشق وبغداد والقاهرة وقرطبة".ويقول:"نحن مدينون للمسلمين بكل محامد حضارتنا في العلم والفن والصناعة ، وحسب المسلمين أنهم كانوا مثالاً للكمال البشري ، بينما كنا مثالاً للهمجية".

- ويقول العلامة جورج سارتون :"المسلمون عباقرة الشرق ، لهم مأثر عظمى على الإنسانية ، تتمثل في أنهم تولّوا كتابة أعظم الدراسات قيمة ، وأكثرها أصالة وعمقاً ، مستخدمين اللغة العربية التي كانت بلا مراء لغة العلم للجنس البشري … لقد بلغ المسلمون ما يجوز تسميته معجزة العلم العربي".

- وتقول الدكتورة لويجي رينالدي : ".. لما شعرنا بالحاجة إلى دفع الجهل الذي كان يثقل كاهلنا ، تقدمنا إلى العرب ومددنا إليهم أيدينا لأنهم كانوا الأساتذة الوحيدين في العالم".

- ويقول المستشرق درايبر : "ينبغي أن أنعي على الطريقة التي تحايل بها الأدب الأوربي ليخفي عن الأنظار مآثر المسلمين العلمية علينا ! إن الجور المبنّي على الحقد الديني ، والغرور الوطني لا يمكن أن يستمر إلى الأبد".

- وقال توماس كارليل :" لقد أصبحَ من أكبرِ العارِ على أيِّ فردٍ متمدْيِنٍ من أبناءِ هذا العصرِ أن يُصغي إلى ما يظنُّ أن دينَ الإسلامِ كَذِبٌ وأن محمداً خداعٌ مزوَّرٌ . وآن لنا أن نحاربَ ما يُشاعُ من مثلِ هذه الأقوالِ السخيفةِ المخجِلةِ ، فإن الرسالةَ التي أداها ذلك الرسولُ ما زالتْ السراجَ المنيرَ اثني عشر قرناً ، لنحوِ مائتي مليونٍ من الناسِ أمثالِنا ، خلقَهم الله الذي خلقنا ، أفكان أحدُكُم يظنُّ أن هذه الرسالةَ التي عاش بها ومات عليها هذه الملايينُ الفائتةُ الحصرِ والإحصار أكذوبةٌ وخدعةٌ ؟ أما أنا فلا أستطيعُ أن أرى هذا الرأيَ أبداً . ولو أن الكذبَ والغشَّ يروجانِ عندَ خلقِ الله هذا الرواجَ ويصادفان منهم مثل ذلكَ التصديقِ والقبولِ ، فما الناسُ إلا بُلْهٌ ومجانين ، وما الحياةُ إلا سخفٌ وعبثٌ وأضلولةٌ ، كان الأولى بها ألا تخلق . فوا أسفاه ما أسوأَ مثلَ هذا الزعم ! وما أضعفَ أهلُه وأحقهم بالرثاء والمرحمة !".

- وقال المستشرقُ الإنجليزي هـ.جي ويلز :" إن من أرفعِ الأدلةِ على صدقِ محمدٍ كونَ أهلِه وأقربِ الناسِ إليه يؤمنون به . فقد كانوا مطَّلعينَ على أسرارِه ، ولو شكّوا في صدقِه لما آمنوا به".

- وقال المؤرخُ الكبيرُ جوستاف لوبون عن القرآنِ الكريمِ والدعوةِ المحمدية :" حسبُ هذا الكتابِ جلالةً ومجداً أن الأربعةَ عشرَ قرناً التي مرَّتْ عليه لم تستَطِعْ أن تُجَفِّفَ ولو بعضَ الشيءِ من أسلوبِه الذي لا يزال غَضاً . كأن عهدَه وعهدَ رسالتِه بالوجودِ أمسِ ".ويقول في كتابه ( حضارةُ العرب ) :" إذا ما قِيسَتْ قيمةُ الرجالِ بجليلِ أعمالهم كان محمدٌ أعظمَ من عَرَفَه التاريخُ ".

- وقال الشاعرُ الفرنسي اللامعُ الفونس لامارتين - الذي عُرِفَ بحبِّه للشرقِ وتعمُّقِه في الدراساتِ الشرقيةِ الإسلاميةِ - :" إن حياةً مثلَ حياةِ محمدٍ وقوةً كقوةِ تأمُّلِه وتفكيرَه وجهادَه ووثبَتَه على خرافاتِ أمته وجاهليةِ شعبه ، وبأسَه في لقاءِ ما لَقِيَه من عَبدةِ الأوثانِ ، وإيمانَه بالظَّفَرِ وإعلاءِ كلمته ورباطةَ جأشِه لِتثبيتِ أركانِ العقيدةِ الإسلاميةِ - إن كلَّ ذلك - أدلةٌ على أنه لم يكن يُضْمِرُ خِداعاً ، أو يعيشُ على باطلٍ ، فهو فيلسوفٌ وخطيبٌ ورسولٌ ومشرِّعٌ وهادي للإنسانِ إلى العقلِ ، وناشرُ العقائدِ المعقولةِ الموافقةِ للذهنِ واللُّبِّ ، ومؤسسُ دينٍ لا فِريةَ فيه ، ومُنشئُ عشرينَ دولةً في الأرضِ ، وفاتحُ دولة في السماءِ من ناحيةِ الروحِ والفؤادِ . فأيُّ رجلٍ أدركَ من العظمةِ الإنسانيةِ مثلَ ما أَدْرَكَ ؟ وأيُّ إنسانٍ بَلَغَ من مراتبِ الكمالِ مثلَ ما بلغَ".

وقال أيضاً :" إن محمداً أقلُّ من إلهٍ وأعظَمُ من إنسانٍ عاديٍّ ، أي إنه نبيٌّ ".

- وقال السير وليام موير الإنجليزي في كتابِه ( حياة محمد ) :"ومن صفاتِه عليه السلامُ الجديرةِ بالتنويهِ والإجلالِ ؛ الرقةُ والاحترامُ اللتان كان يعامِلُ بهما أتباعَه حتى أقلَّهم شأناً . فالتواضُعُ والرأفةُ الإنسانيةُ وإنكارُ الذاتِ والسَّماحةُ والإخاءُ تغلغلتْ في نفسه ووثَّقَتْ به محبةَ كلِّ مَن حولَه . فقد قالت عائشةُ : إنه كان أشدَّ حياءً من العذراءِ في خِدرِها . إذا ساءه شيءٌ تبيَّنّاه في أساريرِ وجهِه أكثرَ من كلامِه ، ولم يمسَّ أحداً بالضررِ إلا في سبيلِ الله . ويؤثَرُ عنه أنه كان لا يمتنعُ عن إجابةِ دعوةٍ إلى بيتٍ مهما كان حقيراً ، أو يرفضُ هديةً مهداةً مهما كانت صغيرةً . وإذا جلسَ إلى صاحبه لم يرفَعْ نحوَه ركبتيه تشامخاً منه وكبراً ، وكانت له تلكَ الخلة النادرة التي يجعل بها كلَّ فردٍ من صحابته يظن أنه المفضَّلُ المختارُ . وكان يرثي كثيراً للثكالى والمنكوبينَ واليتامى ، كما كان سهلاً ليِّنَ العريكةِ مع الأطفالِ . وكان يُشرِكُ غيرَه في طعامِه حتى في أوقاتِ العسرةِ والإملاقِ ، ويهتَمُّ جهدَ الطاقةِ بتوفيرِ أسبابِ الراحةِ لأنصارِه وتابعيه . وكان صديقاً وفياً كما كان في ممارسته للحكمِ عادلاً رحيماً رفيقاً حتى بأعدائه . وقد أصدَرَ عفواً عاماً عن مشركي مكةَ رغمَ ما لاقاه منهم من سخريةٍ وإهانةٍ واضطهادٍ . وتلكَ الخلالُ العاليةُ هي جماعُ الفضائلِ الإنسانيةِ ، وهي آيةٌ على أنه كان مؤسِّساً لديانةٍ سماويةٍ لا متطَلِّعاً لملكٍ دنيويٍ".

- ويقول جولدتسيهر - على الرغمِ من حقدِه الدفيِن على الإسلام - :" إن الإسلامَ رَسَمَ للحياةِ مثلاً أعلى غيرَ المثلِ الأعلى للحياةِ الجاهليةِ ، وهذان المثلانِ لا يتشابهانِ ، وكثيراً ما يتناقضانِ ، فالشجاعةُ الشخصيةُ والشهامةُ التي لا حدَّ لها ، والكرمُ إلى حدِّ الإسرافِ ، والإخلاصُ التامُّ للقبيلةِ ، والقسوةُ والانتقامُ ، والأخذُ بالثأرِ ممن اعتدى عليه أو على قريبه أو على قبيلته بقولٍ أو فعلٍ ، هذه هي أصولُ الفضائلِ عندَ العربِ الوثنيينَ في الجاهليةِ . أما في الإسلامِ ، فالخضوعُ لله وحدَه ، والانقيادُ لأمرِه ، والصبرُ ، وإخضاعُ منافعِ الشخصِ ومنافعِ قبيلته لأمرِ الدينِ ، والقناعةُ وعدمُ التفاخرِ والتباهي ، وتجنبُ الكبرِ والعظمةِ هي المثلُ الأعلى للإنسانِ في الحياةِ ".

- وقال الكاتبُ الفيلسوفُ برناردوشو:" إني أعتقدُ أن رجلاً كمحمدٍ لو تَسَلَّمَ زمامَ الحكمِ المطلَقِ في العالَمِ أجمعَ لتمَّ له النجاحُ في حكمه ، ولقادَهُ إلى الخيرِ ، ولحلَّ مشاكلَه على وجهٍ يكفُلُ للعالَمِ السلامَ والسعادةَ المنشودةَ ".

- وقال الفيلسوفُ الروسيُّ تولستوي:" إن اليهودَ والنصارى لا يُكرَهونَ على تركِ دينِهم . وفي سنِيِّ دعوةِ محمدٍ احتمَلَ كثيراً من الاضطهادِ من أصحابِ الدياناتِ القديمةِ شأنَ كلِّ نبيٍّ قبلَه نادى أمتَه إلى الحقِّ ، ولكنَّ هذا الاضطهادَ لم يثنِ عزمَه ، بل ثابَرَ على دعوته في قوةٍ وثقةٍ وإيمانٍ لا مثيلَ له في التاريخِ . ومما لا ريبَ فيه أن النبيَّ محمداً من أعظمِ الرجالِ المصلحينَ الذين خدَموا الهيئةَ الاجتماعيةَ خدماتٍ جليلةً . ويكفيه فخراً أنه هدى مئاتِ الملايين إلى نورِ الحقِّ وإلى السكينةِ والسلامِ . وفتحَ للإنسانيةِ طريقاً للحياةِ الروحيةِ العالميةِ ، وهو عملُ عظيمٌ لا يقومُ به إلا شخصٌ أوتيَ قوةً وإلهاماً وعوناً من السماءِ ".

- وكتبَتْ دائرةُ المعارفِ البريطانية (الطبعة الحادية عشرة ) :" كان محمدٌ أظهرَ الشخْصِيّاتِ الدينيةِ العظيمةِ ، وأكثرَها نجاحاً وتوفيقاً . ظهرَ النبيُّ في وقتٍ كان العربُ فيه قد هَوَوا إلى الحضيضِ فما كانتْ لهم تعاليمُ دينيةٍ محترَمَةٍ ، ولا مبادئُ مدنيةٍ أو سياسيةٍ أو اجتماعيةٍ . ولم يكن لهم ما يفاخِرونَ به من الفنِّ والعلومِ ، وما كانوا على اتصالٍ بالعالَمِ الخارِجيِّ ، وكانوا مفكَّكِينَ لا رابطةَ بينهم ، كلُّ قبيلةٍ وحدةٌ مستقلَّةٌ ، وكلٌّ منها في قتالٍ مع الأخرى . وحاولت اليهوديةُ أن تَهدِيَهم فما استطاعَتْ ، وباءَتْ محاولاتُ المسيحيةِ بالخيبةِ ، كما خابت جميعُ المحاولاتِ السابقةِ للإصلاحِ . ولكن ظهرَ النبيُّ محمدٌ ( الذي أرسِلَ هدىً للعالمينَ ، فاستطاعَ في سنواتٍ معدوداتٍ أن يقتَلِعَ جميعَ العاداتِ الفاسدةِ من جزيرةِ العربِ ، وأن يرفَعَها من الوثنيةِ المنحَطَّةِ إلى التوحيدِ . وحوَّلَ أبناءَ العربِ الذين كانوا أنصافَ برابرةٍ إلى طريقِ الهدى والفرقانِ ، فأصبحوا دعاةَ هدى ورشادٍ ، بعد أن كانوا دعاةَ وثنيةٍ وفسادٍ . وانتشروا في الأرضِ يعمَلونَ على رفعِ كلمةِ الله ، وعبدوا الله حقَّ العبادةِ حتى فاقوا النُّسّاكَ والزاهدين . ولقد وصلَ المسلمون إلى ذروةِ السمُوِّ الروحيِّ والرخاءِ الاقتصاديِّ وتثقَّفوا بعلومِ الإسلامِ التي فاضَ خيرُها على العالَمِ أجمع في ذلك الوقتِ ، والتي تغلغل ضوؤها ليبَدِّدَ دياجيرَ الجهلِ المتفشي في كلِّ مكانٍ . وإنه العجيبُ حقاً أن يتمَّ هذا في عشرينَ عاماً فقط ! إذاً ، لقد كانت تعاليمُه سهلةً من الميسورِ الأخذُ بها ، وناجعةً قاضيةً على جميعِ العِلَلِ الاجتماعيةِ والأمراضِ الخُلُقيةِ . وليسَ الطبيبُ البارعُ من يدَّعي أنه الطبيبُ ، بل الطبيبُ البارعُ أن يشفيَ أكبرَ عددٍ من الحالاتِ المستعصيةِ ، كذلك المصلِحُ الناجحُ ليس من يدعى أنه المصلحُ الأولُ ، بل  من يقومُ بإصلاحِ العالَمِ فيهديه إلى الصراطِ المستقيمِ . وهذا هو الذي رفعَ النبيَّ فوقَ هاماتِ المصلحينَ والهادينَ في أعينِ المفكرينَ ذوي العقولِ الناضجةِ ".

ولو علم هؤلاء حقيقة الإسلام ونبي الإسلام – عليه الصلاة والسلام – لما وسعهم إلا أن يقررُوا ما قاله الشاعرُ الألماني جوتِه بقوله :" إذا كان هذا هو الإسلامُ فنحنُ جميعاً ندينُ بالإسلامِ ".

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص