معظمنا إن لم يكن كلنا يحتفظ بمخزون من ذكرياته حينما كان منخرطاً في حلقة من حلقات تحفيظ القرآن، لقد خرجنا للدنيا وتفتّحت أبصارنا على هذا الواقع الرباني المعطر الذي أضحى منذ أزمان ماضية معلَماً يميزنا عن غيرنا من المجتمعات الأخرى، فحلقات التحفيظ ساهمت وبشكل لا يمكن إنكاره في صياغة كثير من شخصياتنا شئنا ذلك أم أبينا، حتى من لم يُكتب له إكمال مسيرة الحفظ فقد غادرها ونفسه مفعمة بشيء من لمساتها الإيجابية وتأثيرها السحري على النفس وهي التأثيرات التي لا تنفكّ عنه لتعطي في الأخير شخصية متزنة هادئة ومسالمة تعرف لأهل الفضل فضلهم وتعين على نوائب الحق ونشر الخير والمعروف بين الناس .
ابتدأت حلقات التحفيظ في بلدتنا الطيبة النقعة بجهود ذاتية فردية قام بها بعض الشباب المخلص الطيب ـ وكل شبابنا كذلك ـ حيث كانت تلك الحلقات تُقام بعفوية وتلقائية، متركزة بشكل أوضح في مسجد الشيخ أحمد الذي كان ولا يزال يمثل مركز إشعاع لتحفيظ القرآن، وإلى جانبه تأتي بقية مساجد المنطقة، واستمر الحال على ذلك سنوات عديدة حتى تم بحول الله تأسيس مدرسة عبد الله بن المبارك لتحفيظ القرآن الكريم في العام 1991م ـ 1412هـ ، لينتقل بعدها العمل التحفيظي إلى نوع من التنظيم والترتيب المعتمد على مناهج وطرائق مدروسة، تأخذ في اعتبارها إيلاء العناية والاهتمام بتعليم كتاب الله وما يستتبعه من علوم أخرى، تحت إشراف إدارة كفؤة ومدرسين جيدين، وضعوا نُصب أعينهم تحقيق أهداف واضحة أهمها إخراج جيل صالح ونافع لوطنه وأمته، حافظ للقرآن، محافظ على أوقاته من الهدر والضياع متخلق بأخلاق الإسلام وتعاليمه المتصفة بالوسطية والاعتدال، وطوال العقدين الماضيين ظلت المدرسة تواصل مشوارها، مشوار العطاء والتميز حتى تكللت جهودها بإنتاج ثمار يانعة نلمس حصادها مع ختام كل عام وإقبال آخر .
من المعاني الجميلة التي يجب أن نستحضرها في هذه اللحظات أن المدرسة ظلت طيلة هذه الفترة مرتبطة بالمجتمع ارتباطاً وثيقاً ولم تنفصل عنه قط، ذلك أنها ضمّت بين أثنائها لجان سعت جاهدة وبكل ما تملك من إمكانيات متواضعة لتقديم نفعها للمجتمع رغم مسئوليتها عن تحفيظ النشء لكتاب الله تعالى، ولم يثنها ذلك عن مزيد اتصال مع المجتمع بفئاته المتنوعة، ومن لجانها تلك اللجان التعليمية و الدعوية والاجتماعية والإعلامية وغيرها، التي تكفلت واضطلعت بمهام هامة من قبيل إقامة الإفطارات الرمضانية، والمشاركة في إحياء الاحتفالات خلال المناسبات المتنوعة، واستقدام المشايخ لإلقاء المحاضرات والمواعظ على أهل المنطقة رجالاً ونساءً، والاهتمام بذوي الظروف الصعبة من الطلاب المحتاجين، وتوزيع الحقائب المدرسية، وغيرها من المناشط الاجتماعية التي أثبتت حقيقة معنى التواصل المجتمعي بين المدرسة والمجتمع الخارجي .
أمر آخر مهم قد رأيته وتابعته من خلال ملتقانا الرائع الذي نأمل من الجميع متابعته ملتقى شباب النقعة على الفيس بوك؛ وهو قيام الشباب بأعمال رائعة للغاية خلال شهر رمضان الفضيل مثل تنظيف المساجد وقطع الأشجار المؤذية في طريق الناس التي طالما تسببت بحدوث حوادث مؤلمة على الطريق المؤدي إلى الغيل، والحملة العامة لنظافة شوارع المنطقة وكل هذه مبادرات طيبة تُحسب للمدرسة وما على المجتمع إلا أن يتفهم هذه البوادر الطيبة ويتفاعل معها بإظهار المزيد من الاهتمام والدعم لهم .
في الختام : يجب أن نعلم أيها الإخوة القراء بأن شبابنا هم من خيرة الشباب ولله الحمد، وطلابنا هم من أفاضل الطلاب، ولكن ما واجبنا نحن تجاه مثل هذه المدرسة وطلابها وإدارتها ؟ إجابة على هذا التساؤل المحوري؛ قبل حوالي الثلاث سنوات وتحديداً في العدد ( 52 ) من صحيفة ( الريان ) ـ صفر 1430 هـ ـ فبراير 2009م أجريت استطلاعاً مبسطاً عن مدرسة عبد الله بن المبارك لتحفيظ القرآن كواجب مني ولفتة عرفان لها، وفي آخر الاستطلاع وجهت تساؤلاً لمديرها السابق النشيط الأخ عمر عبيد العصرني حفظه الله؛ عن أهم المصاعب والمعوقات التي تعترض مسيرة المدرسة، وبتقديري هي نفس المصاعب التي يمكن لأي مدرسة تحفيظ أخرى أن تواجهها فذكر إن من أهمها قلة التفاعل من قبل الأهل وأولياء الأمور، وضعف المتابعة من جانبهم، وقلة تحفيز أبنائهم على المواظبة على الحفظ، و ذكر كذلك صعوبة تفعيل النشاطات المختلفة كالرحلات الترفيهية والأنشطة الثقافية والإعلامية والأسمار لضعف الدعم المالي، وأبدى في آخر حديثه أمله ورجاءه من الله أولاً ثم من ذوي القلوب الرحيمة الطيبة المعطاءة حُسن التفاعل وتقديم الدعم المعنوي والمادي شاكراً في ختام ذلك الاستطلاع كل من ساهم ودعم وبذل في سبيل تعليم كتاب الله تعالى لأبناء المنطقة الطيبة النقعة وكل منطقة في ربوع هذا الوطن الحبيب .