لعل أعظم تجربة ناجحة جمعت بين الفرقاء السياسيين في الوطن العربي هي تجربة اللقاء المشترك بشهادة الكثير من رجال السياسة والإعلام في ربوع الوطن العربي ولست في هذا المقام للحديث عن المشترك وتجربته الناجحة ، فتحمل هم الوطن والإخلاص في سبيل تحمل هذا الهم وإنقاذ البلد من حافة الانهيار هو الذي جمعهم وأبقى روح الأخوة بينهم وآصرتها وقوفهم مع ثورة الشباب سندا لها .
لكني في هذا المقام أشير إلى الطرف الآخر الحراك الجنوبي ( دعاة الإنفصال ) المتصارعين على جلد الأسد – والأسد في الغابة - ولم ولن يصلوا له بعد .
كم هو جميل أن تهيج عواطف الناس بأحلام وردية – ورخاء وازدهار وراحة واستقرار – لكن الأجمل أن تثبت صدق النية في ذلك لا أن تقصي وتلغي الآخرين بمجرد انك إختلفت معهم تصفهم بالعمالة بالخيانة .. لا تعتدي على مسالم خرج بفكرة مخالفة لفكرتك والا فهذا مشروعك وهذا مستقبلك .
ظن كثير من الناس خيرا في الحراك السلمي والذي انطلق بداية 2007 ليصحح المسار ويعيد الحقوق وما هي إلاّ أيام لتظهر لنا الأصنام القديمة والزعامات البالية المتصارعين بالأمس ليقودوا المسيرة والذين جمعتهم الرغبة الجامحة للعودة للكرسي و تفريق الوطن فعاودت مؤخرا صراعاتهم وظهرت جليا خلافاتهم فلم تجتمع لهم كلمة ولم تقم لهم قائمة ولم يصلوا الى هدف أو غاية .
حقيقة إن الإنقسامات الحادة بين هؤلاء ينذر بكارثة عظيمة خاصة وإن الخلاف كان قبل فترة على مستوى القيادات ولم يظهر بين الأفراد ، وأن هنالك شخصيات تغلب عليها نزعة السلطة وتتمسك بقراراتها حتى وإن كانت خاطئة ، فثمة عراك حقيقي داخل فصائل ومكونات الحراك الجنوبي ، تعقد مؤتمرات في لبنان وفي القاهرة وفي الداخل وفي الخارج كل يدعي أنه الوحيد لا غيره ، ليصل الأمر إلى كيل الاتهامات بالعمالة والخيانة ، مما يدل على وجود شرخ غائر في مكونات الحراك ، وتصدع واضح للعيان في بنيانه .
قد يتساءل احدهم – ومادخلك أنت – فهذا مشروعنا ونحن أحرار .. صحيح هذا مشروعكم إذا تحدثتم عن أنفسكم لكن أن تتكلموا بحجم وطن ونرى نذير عواقب وخيمة تطرأ عليه من تصرفاتكم الرعناء لتعيدنا الى مربع أول وقتال الزمرة والطغمة ، سالت الدماء بينهم إلى الركب في أحداث يناير ، ولاتزال نزعة الإنتقام بينهم قائمة وستظل .. فلا وألف لا لهذا المشروع .. وزد الطين بله وجود قوى خارجية ذات ثقل ولها عداء مع معظم دول العالم وأكبر داعمة لنظام القتل في سورية تعبث في أوراق ملف القضية الجنوبية وتتلاعب بها من خلال ضخ مليارات من العملة الصعبة لبعض القيادات الجنوبية التي تعمل لحسابها ، والتي ما انفكت تدفع بهم لركوب الموجة تنفيذاً لأجندتها السياسية ، ولتتمكن من إستغلال أوراق القضية للإبتزاز السياسي .
والنقطة الأخيرة التي أحب أن أشير إليها في هذا السياق وجود صراعات مناطقية داخل مكوناتهم ، تعود جذورها إلى فترة حكم الرفاق قبل الوحدة ، والذين قاموا بتهميش محافظة بحجم حضرموت بأكملها ، فهي ذات خصوصية ثقافية واقتصادية ، لكنها عانت في تلك الحقبة والى الآن من أقسى أنواع القهر والحرمان ، ففي ذاك الوقت قُمع علمائها ، ونُكل بتجارها وقبائلها ، وشُجت رؤوس فلاحيها بالفؤوس تحت شعارات براقة وجوفاء لامعنى لها ، ولذا ، إذ يبدو أن الحضارم ليس لديهم الإستعداد لخوض غمار تجربة مريرة مرة أخرى ، فالمؤمن لا يُلدغ من جحر مرتين.
أخيراً هذا لا يعني عدم وجود قوى وطنية في الجنوب أهدافها سليمة ، ولكنها للأسف تواجه حرباً ضروساً من قبل تلك القوى المسيرة من الخارج والتي تحاول إخماد صوتها بشتى السبل ، علينا جميعا قلب صفحة الماضي والسير في إتجاه التغيير الجذري ، مالم فإن النتائج ستكون كارثية على الجميع بلا استثناء , حمى الله وطننا من كيد المتآمرين ..