عادت بي الذاكرة للعام الدراسي المنصرم 2011م / 2012م، وبالضبط مع قرب موعد إجراء امتحانات الشهادة النهائية بشقيها الأساسي والثانوي، ذلك أنني دخلت ذات صباح من صباحات العام المذكور مركزاً لخدمة الطالب أو ما يمكن أن نطلق عليه في عرفنا أو في عاميتنا بـ ( مكتبة قرطاسية ) إضافة للخدمات الأخرى المقدمة كالطباعة والتصوير، لكي أقضي بعض حوائجي من طباعة أوراق وتصوير وما سواه، وعند دخولي أبصرت ثلاثة طلاب أحدهم جالس في مقعد الانتظار والاثنان منكبان على آلة التصوير بجانب العامل في المكتبة، لم يعدُ الأمر كما يبدو مجرد تصوير فحسب ولكن سمعت بعض التوجيهات التي كان العامل في المكتبة يتلقاها منهما، وبكل احترام للنظام أخذُت دوري نظراً لرؤيتي العامل منشغلاً مع الطالبين اللذين يبدوان بزيهما أنهما من مراحل التعليم الأساسي، استغللت الفرصة واتجهت بنظري لزميلها الثالث الذي كان خفية يسترق النظر إليّ كأنه لا يريدني أن أعرف شيئاً ما، سألته في أي صف يدرس؛ فأجاب أنه في الصف التاسع، نصحته أن يجتهد هذا العام كونه على مشارف الشهادة وأنه بات على مرمى حجر من الامتحانات، وأثناء حديثي معه أكمل زميلاه ما كانا بصدده فانصرفوا جميعاً بعد أن ودعوني بابتسامات بريئة أو ربما تصورت أنها ابتسامات بريئة ولكن تبين لي بعد برهة أنها لم تكن سوى ابتسامات الظفر بأمر كان يشغلهم وها هم قد قضوه .
ومباشرة سألت عامل المكتبة عما كانوا يفعلون فأجابني بكل صراحة ـ وهي بالمناسبة صراحة أشكره عليها، أجابني أنهم طلبوا منه تصغير أوراق ضمن منهجهم بآلة النسخ ( آلة التصوير ) ففي هذه الآلات تقنيات خاصة تعمل على تكبير أو تصغير النص إلى درجات معينة حسب الرغبة .
لا أخفيكم سراً أنني أُصبت بالإحباط جراء هذا الموقف المؤسف الذي شهدته، ففي زمن هو المناسب جداً لكي يُعدّ الطالب نفسه للمذاكرة والتحصيل نراهم وقد أعدوا العدة وبيتوا النية للغش والتحايل، أي جيل هذا الذي يفعل تلك الأفاعيل ؟، وماذا لو أنهم حققوا الفوز واجتازوا الامتحانات بهذه الطريقة وهو ما حدث بالفعل بعد ذلك؛ كيف ستكون بقية مراحلهم ؟ وماذا لو أصبح الأمر عادة أو ما يمكن أن نسميه إدماناً على الغش ؟ وقد بات الأمر يظهر للعيان في نشوء جيل يكره المثابرة ويسعى للنجاح الدراسي بالطرق الملتوية هرباً من تعب النفس وبذل مزيد من الجهد .
باعتقادي ونحن نقف على مشارف هذا العام الدراسي الجديد أننا يجب أن نقف وقفة جادة حيال هذه الظاهرة الخطيرة، فلو ركب الطلاب شياطينهم وعملوا ما عملوا من أوراق و( براشيم ) فإننا لا يجب أن نتساهل معهم إن تم كشفهم في قاعات الامتحان وهم يخفونها، وهذا بالضرورة يجعل مراقبي الامتحانات أمام مسئولية كبيرة في الوقوف ضد هذه الممارسات الخطيرة التي تطال بضررها الطالب قبل غيره .
ربما يشفق المراقب على الطلاب كونهم يمرون بأزمات خانقة، وآباؤهم في تعب في المعيشة وضنك الحياة ويخسرون ويشقون عليهم، وأن ما يحدث عندنا لا يعدو عُشر معشار مما يحدث ( هناك ) !! فيرى في قرارة نفسه أن التساهل معهم لا شيء فيه، ومن قبيل التعاون على الخير، بل وربما وقف موقف العداء من الطالب الذي لا يغش، فقد حكى لي أحد الإخوة حينما كان طالباً أنه لما كان يرفض الغش مع بقيه زملائه في القاعة؛ يصرخ فيه المراقبون ويلومونه ويطلبون من بقية الطلاب عدم الانتباه له وعدم تكليمهم إياه أي بحسب العامية عندنا ( يخلّونه كما نفسه ) وهو ما يفسر مقدار التعاطي الكبير من قبل المراقبين مع عمليات الغش ( إلا من رحم الله ) ، الأمر الذي يعطي نوعاً من الحصانة أو الشرعية لدى أبنائنا الطلاب ويجرؤهم أكثر على اقتراف خطيئة الغش في الامتحانات وفي مسيرة حياتهم فيما بعد، مما سيشكل انتكاسة عظيمة في ثقة من يأملون في هذا الجيل التغيير أو التحرير أو سمه ما شئت، ولقد طرق أستاذنا الفاضل الدكتور عبد القادر علي باعيسى في إحدى مقالاته في عموده الرائع ( الوتر السادس ) في صحيفة ( شبام الغراء ) خطر هذه الظاهرة، ثم نراه وبعقلية المربي الحصيف توصل إلى استنتاج في غاية الروعة قال فيه : " ولعل في هذا ما يشير إلى أن الأجيال الجديدة قد لا تقدر على قيادة تغيير حقيقي واعٍ وجذري في المجتمع، مما يشكل خطراً آخر داهماً " ، ولقد صدق دكتورنا الفاضل فيما ذهب إليه من استنتاج .
فإلى من يراهنون على الجيل الجديد ويلقون بآمالهم عليه في إحداث النهضة والتغيير، يسوؤنا أن نقول لهم بكل أسف : إن الدماء التي تراهنون عليها قد صارت ملوثة بفيروس الغش والخداع والاحتيال فماذا أنتم فاعلون ؟؟
ــــــــــــــــــــــــــ
* طالب بقسم الصحافة والإعلام - مستوى ثالث - كلية الآداب جامعة حضرموت