فك ارتباط جنوب اليمن عن شماله هو إحدى الخيارات التي تطرحها بعض القوى الحراكية لحل القضية الجنوبية . فإلى أي مدى يتميز هذا الخيار بالواقعية ؟ وماهي المؤهلات الذاتية والموضوعية لتحقيقه ؟ وهل التعاطي مع هكذا خيار سيفتح للجنوبيين باباً للخلاص ومغادرة الآلام والجراح ؟ أم سيجرهم إلى متاهة جديدة أكثر إيلاما وعنتاً من سابقاتها ؟
لقد حل بالجنوب أرضا وإنسانا في الخمسين السنة الماضية نكبتان : الأولى سيادة النظام الماركسي ، والثانية تبعات وحدة اندماجية منقوصة مع شمال اليمن وكانت تلك النكبات بسبب عدم مبالاة حكام الجنوب بمدى حاجة شعبهم لتلك المشاريع البائسة إذ أنها قد تولدت من خيالات القوميين العرب المنحوسين وشهواتهم وأوهامهم ، ودفع الشعب ضريبة باهظة لمشاريع لا تناسب حجمه وشكله.
واليوم وفي هذه اللحظة التاريخية الفارقة يقف الجنوبيون على مفترق طرق : إما طريق الخلاص ، وإما النكبة الثالثة التي ربما يكون احد عناوينها جر الجنوب إلى مربع الصراعات المناطقية والطائفية طويلة الأمد لا سيما مع ظهور اللاعب الإيراني الذي ينتهي دعمه الزائف للشعوب دائماً بأصناف من البلايا والرزايا وليس ما حل بـ ( سوريا ولبنان) وأخيرا (العراق) عنا ببعيد .
على الجنوبيين أن يستيقظوا وألا يسمحوا لأنفسهم أن يكونوا ضحايا مشاريع عدمية يحملها أولئك الذين استمرءوا صناعة أسباب الضياع لشعوبهم فلا يتورعون من أحداث ما يؤدي إلى ضياع جديد .
إن هتاف نسبة كبيرة من الجماهير بشعار فك الارتباط لا يكفي لان يمنحه صفة الواقعية ويؤكد أفضليته بدليل لقد هتف الشعب كله ذات يوم بالوحدة ثم ما لبثت أن تحولت تلك الهتافات إلى حسرات ، ولعله من غرائب الربيع العربي أن يأتي حكام الجنوب القدامى الذين جنوا كثيراً على شعبهم ليبدأوا دورة كفاح جديدة في وقت يتساقط أشباههم ونظرائهم من الحكام المستبدين بثورات شعبية عارمة ، ولا غرابة أن يبتلى إنسان بهكذا هوس لكن الغرابة أن يستمر بعض أفراد الشعب في التصفيق في سلوك عبثي تتجلى فيه دروشة وبلاهة وغباء الجماهير المصفقة .
لقد وصل أدعياء الخلاص المقدس بمعداتهم القديمة ، وأساليبهم البالية وتفكيرهم العتيق ، وبدءوا التعاطي مع القضية الجنوبية برأيهم الوحيد ، وبشكل منعزل تماماً عن التغيرات الهائلة في الواقع المحلي والإقليمي والدولي ، ودون أدنى استيعاب لتحولات الحياة ، كما كانوا بالأمس فيخطئون من حيث أرادوا الإصلاح .
ومن واجب النصح أن نذكر هؤلاء بالقول : " أيها المتحجرون القدامى القادمون من كهوف الأرض البعيدة ومن الأزمنة الغابرة لقد تغيرت خريطة العالم ، ولم يعد للأستار الحديدية قيمة في زمن الانفجار المعرفي و تكنولوجيا الاتصالات ، ولم يعد الاشتراكيون الراديكاليون أمناء على طبقة العمال ، ولم يعد القوميون العرب أبطالاً ، ولقد خرج "الإخوان المسلمين" من السجون وعادوا من الشتات ، ولم يتجرأ أحد أن يطلق عليهم قوى ظلامية بل لقد صاروا حكاماً لبلدانهم بانتخابات نزيهة ، ولقد سقطت الأنظمة العربية الدكتاتورية المتخلفة ، فقد رحل بن علي وصالح والقذافي وحتى مبارك مع الراحلين , وبدأت الحدود الجغرافية تفقد قيمتها ، وأوشكت الدولة القطرية المجزأة أن تزول كإحدى إفرازات عهد الانحطاط لأن الجماهير الشعبية الشبابية الحرة قد دشنت عهد النهضة بثورات الربيع العربي المجيدة "
بقلم : حسن الجريري