نقصُ إمكانياتٍ .. !! أم روحُ قيادةٍ مفقودة ؟!! ..

لا يُنكرُ أحدٌ ما للمال اليوم من سطوةٍ وقدرة ، فهي اللسانُ لمن أرادَ فصاحةً وهي السلاحُ لمن أرادَ قتالا .. غير أننا اليوم نجد كيف أضحى ضعفُ وشحةُ وقلّةُ وندرةُ وانعدامُ الإمكانيات المادية شمّاعات مريحة يُعلّقُ عليها كلُّ ضعفٍ وكلُّ نقصٍ وتهاونٍ وكلّ كسلٍ وفشل في كثيرٍ من نواحي حياتنا لا سيما في الحياة العامّة ومرافق الخدمات العامّة في بلادنا ، وينساحُ ذلك من أعلى هرم الدولة إلى العامل الصحي الذي لا يتورّع أن يغلق باب الصيدلية أو المختبر وقت مناوبته ليلاً في وجه المريض المتوجّع المنكسر المحتاج بحجة انعدام الدواء أو الفحص لعدم وجود إمكانيات ماديّة لدى المستشفى لتوفيره ، بينما هي حالة انعدام ضميرٍ وقيمٍ وأخلاق ..

لذا أعتقدُ أن الأزمة التي لدينا اليوم البادية مظاهرُها في كثيرٍ من نواحي الفشل والتخبّط في إداراتنا العامّة ليس المالُ مشكلتها ، وليست الإمكانيات الماديّة هي العائق الوحيد أمام الإنجاز والنجاح فيها ، ولكنه الضعف الشديد في (روح القيادةِ والإدارة) ، فحُسنُ القيادةِ والإدارة هو الذي يصنع الفرص ويوجدُ الموارد ويبتكر الحلول ويستخدم المتاح من الإمكانيات استخداماً رشيداً تتحقق به الأهداف والمنجزات وفقاً والإمكانات .. وعلى قدر أهل العزمِ تأتي العزائمُ  ..

إن كثرةَ التباكي بضعف الإمكانيات الماديّة وكثرة النحيب والتشاكي لهي العلامة الأولى على ضعف روح القيادة والإدارة لكثيرٍ من القابعين على رؤوس المناصب والكراسي في كثيرٍ من المرافق والإدارات ، بها تضعفُ الهمم وتنكسر النفوس ونتحوّل من صانعين للنجاح محفّزين عليه إلى مجموعةٍ من المتباكين الشاكين المعلّقين لفشلنا وعجزنا على شماعات الضعف في الإمكانات الماديّة ، وبهذه الروح المنهارة يُقتل كلُّ إبداعٍ وابتكارٍ وتجديد، وتهوي طموحات الفرد والمجتمع إلى مستوياتٍ أدنى من القناعة وكنزها، ويصبح شعار المجتمع وأفراده (ليس بالإمكان افضل مما كان) ، ويُخاطب كلّ طامحٍ مثابر مجتهد من قبل مسؤوليه ومدراؤه بالمثل المزعج (على قدر فراشك مدد رجولك) و(إيش لك في المديني يا مشنّق عيونك) ..

وقد يصفني أحدُهم انني كمن يتكلم خارج الواقع والمحسوس ، وكمن يتكلم عن النار ويده غارقةً في الثلج ، لكنني أجدُ أمامي أمثلةً كثيرة من واقعنا المرّ الذي نعانيه ، أرى كيف يرتقي مديرُ مدرسةٍ بمدرسته الحكومية ويبتكر الحلول والحلول ليجعل منها معلماً تعليمياً جميلاً ، بينما المديرُ الآخر واجمٌ تائهٌ حائرٌ باكٍ شاكٍ متذمر، مدرسته خرابٌ وقبلها قلبه وروحه ، مع أن المدرستين حكوميّة وبنفس المخصصات والامكانيات ، لكنها روح القيادة والإدارة ، وقس على ذلك المرافق من مستشفيات وكليات ومعاهد وإدارات حكومية وأندية وغيرها .. بل إنّي أرى قبل ذلك الإرث الكبير الذي تركه لنا آباؤنا وأجدادنا في حضرموت من قيمٍ وأخلاقٍ وعلمٍ وفنون وتراث وتاريخٍ ناصع في التربية والتعليم والثقافة والأدب وغيرها ، في ظلّ موارد أقلّ من المحدودة وإمكانياتٍ أقل ما توصفُ بالمتواضعة ..

إن الإمكانية الأولى التي تصنعُ النجاحَ قبل الأموال هي (روح القيادة وحسن الإدارة) ، التي كم أتمنى أن تكون المعيار الأول لمن تُوسدُ إليهم المسؤليات لدينا ، قبل معايير الحزبية والفئويّة والمناطقيّة والمراضاة وجبر الخواطرِ والتقاسم والتوافق .. فما نحنُ فيه من حالٍ وواقعٍ لا يخفى على أحدٍ لم يعد يحتمل المزيد من المسؤولين والمدراء الذين يحملهم الوطن ويتحملهم المواطن ، بل الوطن بحاجةٍ اليوم إلى من يحملونه ويرفعونه وينهضوا به ، عساهُ أن يتعافى بهم وينهض بعد طول الضعفِ والرُّقاد ، والمواطنُ الذي اصبح أكثرَ وعياً بحقوقه قد سأم المتسلّقين المتمصلحين وأصبح بحاجةٍ إلى مسؤولين يحملون همّه قبل همهم ، ويبثّون فيه روح الإحساس بالمسؤولية والطموح والتفاؤل ، هو بحاجةٍ إلى مسؤولين يصنعون له النجاح في ظل الامكانات المتوفّرة ، وأولها روح القيادة وحسن الإدارة ..

د. عادل محمد باحميد

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص