رصاصة طائشة أم نحن طائشون ؟؟

قبل حوالي أقل من شهر، وتحديداً في السابع من شهر أكتوبر الفارط قُتل فجأة الجندي صالح عوض العصرني وهو من أبناء مديرية غيل باوزير، منطقة النقعة بطلق ناري في الرأس، وتم إيجاده وعليه أثر رصاصة في الرأس، ومعظم الدلائل تشير ولو على أقل تقدير إلى الوقت الحالي بأن القتل ناتج عن عملية عبث بالسلاح .

نزل الخبر على أهالي منطقة النقعة كالصاعقة، إذ لم تتعود المنطقة التي اشتهرت بروح السلم الاجتماعي والوئام والهدوء والسكينة على سماع أو مشاهدة مثل هذه الأحداث التي يعترف كثير من الكبار والأقدم سناً أنهم لم يعاينوها في حياتهم قط، وما كان لها أن تحدث لولا الانتشار المريب لظاهرة حمل السلاح بين يدي الشباب .

لم ينقضِ أقل من شهر، وخلال أيام الشهر ذاته وبالتحديد آخر أيامه أي في الحادي والثلاثين منه أصيب الشاب إبراهيم سعيد الأشولي وهو طالب بالمستوى الأول الجامعي وشاب في العشرين من عمره من أبناء مدينة غيل باوزير بطلق ناري في رأسه وذلك عن طريق الخطأ بينما كان يعبث بمسدس ما بين أصدقائه، وفور وقوع الحادث تم نقله الى مستشفى غيل باوزير الذي كان لا يبعد كثيراً عن مكان الحادث، ونظراً لحالته الحرجة تم تحويله إلى مستشفى ابن سيناء في المكلا بعدما تلقى الإسعافات الأولية في المستشفى الأول ، لكن القدر لم يمهله طويلاً حيث فاضت روحه إلى بارئها .

الأخ إبراهيم الأشولي رحمه الله تعالى وكوني طالباً مثله فقد تعرفتُ عليه شخصياً هذا العام وهو العام الأول له في الجامعة، من خلال ركوبنا باصات الجامعة من وإلى المكلا، عرفته شاباً هادئاً قليل الكلام، لمستُ من خلال مناقشاتي معه بأن لديه روحاً جادة في الدراسة، ولم أتخيل يوماً من الأيام أو خطر ببالي وأنا أعاين شاباً يملؤه الأمل المشرق بمستقبل وضّاء أن تخطفه يد المنون بهذه الطريقة المؤلمة ، ولكنه قضاء الله وقدره والحمد لله على كل حال، وله الحمد حمد من لا يُحمد على مكروه سواه.

القارئ لبداية المقال يدرك أنني عنيت بذكر الحادثتين اللتين حصلتا في مديريتنا غيل باوزير، وهو ما يهمني في هذه السانحة، ونظراً لأن هذه المديرية تتسم بالهدوء والمسالمة وقلة حمل السلاح أو العبث به ، ومن المستغرب أن تحدث فيها مثل هكذا حالات وفي أوقات متقاربة وخلال عيد الأضحى المبارك ، وقد ارتأيت أنه من المهم التنبيه إلى خطورة الأمر مجدداً حتى لا يستفحل مستقبلاً ، وإلا فإن الناظر لهذه الظاهرة على اتساع رقعة هذا الوطن يجدها قد تفشّت كثيراً واتسع مداها، وأضحت تمثل هاجساً خطيراً، فخلال الأيام الأربعة المنصرمة بعد عيد الأضحى مباشرة، في هذه الفترة فقط رصد مركز الإعلام الأمني ـ كما أفادت وكالة سبأ ـ بهذا الخصوص إنه رصد خلال الفترة نفسها وقوع أربعة وعشرين حادثة عبث بالسلاح أودت بحياة عشرة أشخاص في عدادهم أربعة أطفال، بالإضافة إلى إصابة تسعة عشر آخرين من ضمنهم ثمانية  أطفال، ضبطت عشرون حادثة منها، وأوضح مركز الإعلام الأمني أن عدد الجناة في هذه الحوادث المرصودة بلغ 26 شخصاً 13 منهم كانوا هم الجناة على أنفسهم، فيما ضبط 9 آخرين، ولا زال البحث جار عن 4 متهمين تورطوا في تلك الحوادث.

وإذا جئنا لذكر المحافظات التي تتسبب فيها هذه الظاهرة بحوادث رهيبة، نجد أن أغلب إن لم يكن كل المحافظات تتصدرها المحافظات ( الشمالية )، ففي تلك الفترة المذكورة جاءت محافظة تعز في المقدمة بواقع سبع حوادث عبث، تليها محافظة إب بعدد ثلاث حوادث ، وتوزع العدد الباقي من حوادث العبث بالسلاح وبأعداد متقاربة على محافظات: ذمار، مأرب، حجة، ريمة، أبين، عمران، صعدة، الضالع، الحديدة، صنعاء، وأمانة العاصمة .

وأرجعت الإحصائية أسباب وقوع هذه الحوادث إلى انتشار الأسلحة في أوساط المجتمع ، ووضعها في متناول أيدي الأطفال والعابثين، بالإضافة إلى الجهل بأخطار الأسلحة وعدم المعرفة بطرق استخدامها وتنظيفها ، وانتشار ظاهرة حمل السلاح بالطرق الغير قانوني .

وبنظرة أوسع نلفت عناية القارئ الكريم إلى أن وزارة الداخلية أفادت أن حوادث العبث بالسلاح وإطلاق النار الخطأ خلال النصف الأول من العام الجاري2012م قد أودت بحياة 102 أشخاص من ضمنهم 34 طفلاً و7 إناث، بالإضافة إلى إصابة 530 آخرين بإصابات مختلفة في عدادهم 127 طفلاً و45 امرأة. وأوضحت إحصائية أمنية أن النصف الأول من العام الجاري شهد وقوع 555 حادثة عبث بالسلاح وإطلاق نار خطأ ضبط منها 486 حادثة ،كما ضبط 180 من مرتكبي هذه الحوادث ، ووفقاً للإحصائية الصادرة عن الداخلية فإن الضحايا في 271 حادثة كانوا هم الجناة على أنفسهم ، فيما كان الضحايا والجناة من أفراد أسرة واحدة في 81 حادثة، أما 68 ضحية فقد كان الجناة عليهم زملائهم وأصدقائهم. مشيرة أن حوادث العبث بالسلاح وإطلاق النار الخطأ التي وقعت خلال الفترة نفسها والبالغ عددها 555 امتدت إلى 20 محافظة من محافظات الجمهورية ،جاءت أمانة العاصمة في مقدمتها بعدد 133 حادثة ، يليها محافظة تعز 62 حادثة ، تم ذمار بـ57، وجاءت في المرتبة الرابعة محافظة صعدة 48 حادثة ، وتوزعت بقية حوادث العبث بالسلاح على المحافظات التالية: حجة 31 حادثة ، عمران 31حادثة ، إب29 حادثة ، مأرب26 حادثة ، الحديدة 26 ، والضالع 20 حادثة ،ولحج19 حادثة ، وعدن18حادثة عبث بالسلاح. وسجل معدل 13 حوادث في محافظتي البيضاء و صنعاء، وسجلت 12 حادثة في محافظة شبوة ، و9 حوادث في المحويت ، و 3 حوادث في سيئون ،وسجل معدل حادثتي عبث بالسلاح في كل من حضرموت وأبين والمهرة ، فيما خلت محافظتي ريمة والجوف من هذا النوع من الحوادث خلال النصف الأول من العام 2012م. ووفقاً للإحصائية فإن 367 حادثة استخدم فيها البندقية الآلية ، و151 حادثة المسدس ، و38 حادثة القنابل والمقذوفات النارية .

وفي الختام وبعد ذلكم العرض المفزع أما آن لنا سواءً كنا جهات رسمية أو مواطنين بصفتهم آباء وأولياء أمور وأوصياء على أبنائهم الشباب ، أو منظمات مجتمع مدني أن نأخذ أسباب الحذر والحيطة من أن يصيبنا في محافظتنا الحبيبة حضرموت ما أصاب المحافظات الأخرى، وأن نعمل بكل طاقاتنا ونأخذ الأمر على محمل الجد في القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة قبل أن نعضّ على أصابع الندم، و قبل أن نحمل الرصاصة الطائشة ثمن تقصيرنا وفقداننا لفلذات أكبادنا بين الفينة والأخرى ، وإلا فالحقيقة ستفصح حينها أننا نحن الطائشون .

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص