حضرموت اليوم / سيئون / حسين باقرين
حفل العدد الجديد من مجلة (عطاء) التي تعنى بالشأن الخيري والاجتماعي والتنموي وتصدر عن جمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية – فرع وادي حضرموت بالعديد من الدراسات والأبحاث والتحقيقات والاستطلاعات والمقالات المتميزة .
كلمة العدد عن هيئة التحرير جاءت تحت عنوان : (الإغاثة الثقافية ) متى يأتي دورها ؟ حيث جاء فيها : تنوعـت مشـاريع الجمعيـات والمؤسسـات والمنظمات الخيرية ، وجلُّ ذلك التنوع موجه في الإطار الاجتماعي والإنشائي والصحي ، وإننا إذ ندرك أهميـة هذا التنـوع في الإيفاء بمتطلبـات التنمية المجتمعية الشاملة فإننا نشير في هذا المقال إلى ضـرورة وجود مشـاريع ثقافية تخدم التراث والثقافة بمجتمعاتنا الغنية بمفـردات العلم والمعرفة ،النابضـة بالحـب والعطـاء على مر العصور .
ومما لاشك فيه أن المشـاريع الثقافيـة في هذا الزمـن مع ندرتهـا ، لم تعد تفي بمتطلبـات
المرحلة وأضحت (تحتضر) مثلما يقول أصحابهـا ، لكن ما يهم هو أن نركز حاضـراً ومستقبلاً
على مشاريع ثقافية نوعية تخدم التراث والثقافة في مجتمعاتنا.
وقد أطلقت الجمعية لتحقيـق ذلك جملة من الأهـداف على رأسهـا إنشاء وتجهيـز مكتبـات
نموذجية عامـة وأخـرى للأطفال داخل وادي حضرموت وتزويدها بكافـة التقنيـات الالكترونيـة الحديثة لتساهم في العودة إلى المنابع وتشكل حلاً ضمن سلسلة حلول للأزمة الثقافية في واقعنا المعاصر ، و تحقيقاً للنهضة المجتمعية المنشودة .
يهمنا أن نكتسب ثقافـة الشراكـة والتعـاون والتكامـل والتنـافس مع السفارات و المؤسسات
والمنظمات المانحـة والهيئـات التي تعنى بالكتـاب لتمويل هكذا مشـاريع لأداء رسالـة تسهم في تلبية حاجة المجتمع من المعرفة الثقافية .
إننا نريد أن تتسـع دائرة نشاط العمل الخيري وتتنوع ولا تقف عند حد إغاثة المنكوبين أو
مساعدة الفقراء.. بل تتجـاوز ذلك إلى إنشـاء مشـروعات ومراكـز ثقافيـة تسهم في التنميـة
الثقافية حاضراً ومستقبلا .
لنتساءل معاً : كيف نسهم إسهامـاً حضاريـا يخدم الثقافة والتنمية ؟ والحاجة اليوم أشد من
الأمس إلى تأسيس مراكز متخصصـة للبحوث والدراسات وإلى تشجيع حركة التأليف والطباعة والنشر ولن يتحقق ذلك إلا بإجـراء بحـوث وخوض نقـاشـات من قبل أهل الاختصـاص تثـري وجهات النظر المختلفة ، وهذه هي طبيعة المشـروع الثقافـي الذي يعتمـد بالدرجة الأولى على تضحيات رجاله .
وتناولت الصفحات التالية موضوع (صناعة الثقافة) من خلال سلسلة صناعتها للدكتور /طارق السويدان والأستاذ/ فيصل باشراحيل وهي سلسلة هامة استعرض فيها المؤلفان مادة قيمة حول أهداف الثقافة وقواعدها ووظائفها وخصائصها والثقافة الإسلامية ومصادرها وأهدافها وأزماتها ودور المثقف في صنعها وصفاته .
ملف العدد جاء تحت عنوان : (واقعنا الثقافي .. ينذر بخطر ) حيث جاء في مقدمته : ( تشكل القـراءة والمطالعـة بوابـة الإنسـان إلى المعرفة واكتساب العلوم، وما من تقدم علمي أو ثقافي أو اجتماعي وصل إليه الإنسـان إلا وكانت المطالعة والقراءة وقوده الحيوي، بحيث يصبح المجتمع الذي لا يقرأ مصابا بالأمية الثقافية .
ومع أننا في زمن المعلوماتية وفي زمن أصبح الحصول على المعلومة أسهل ما يكون إلا أنه مازالت أمة اقرأ لا تقــرأ إلا ما ندر لأنها لم تستغل هذه التسهيلات لتطور من ثقافتها و لتزيد من رصيد معلوماتها .
ثمة صور مختلفة ومفارقات عجيبة سنقرؤها بين ثنايــا سطــور هذا التحقيق الذي تم إجــراؤه على عينات مختلفة من موظفـي القطاع الحكومي والخاص وكذا منظمات المجتمع المدني وطلاب وأساتذة بعض الجامعات والثانويــات ورواد المكتبات العامة والخاصة ، بلغ تعدادهم (1455) موظفاً وأستاذاًً وطالباًً وطالبة وشمل كلا الجنسين (الذكور والإناث) واستهدفت فيه أربع مديريـات بوادي حضرمــوت هي (القطن وسيئون و تريم و شبام) ، وتم تدعيمه بالإحصائيات والأرقام لما لها من أهمية في تحقيقنا هذا فهي تعطي صورة أدق لما قمنا به .
هذه الأرقام كان مختصرها من خلال نتائج الاستطلاع التي تم التوصل إليها كالآتي :
- غالبيــة المبحــــوثين (92%) يحبـــون القـــراءة بشكــل عـــام .
- أشـــار 89% إلى أنهم يحبــــون قــراءة الصحـــف والمجـــــلات .
- أشـــار تقريبا ثلاثة أربـــاع المبحوثين إلى أنهـم يحبون قراءة الكتب (76%) .
- كان مقترح التوعية الإعلامية بأهمية القراءة وخفض أسعار الكتب وزيادة إنشـاء المكتبات العامة من أبرز المقترحات الـتـي أشار إليها المبحوثون لتشجيع المواطنين على القراءة والإقبــال عليها .
- غالبية المبحوثين (69%) من الذين يحبون قراءة الكتب يحرصون على قراءتهــا أحيانا وبشكــل غير منتظم ، بينما أشـار 22% منهم إلى أنهم نادرا ما يقـــرؤون و9% أشاروا إلى أنهـم يقــرؤون بانتظام .
- أشار 86% من المبحوثين الذين يقرؤون الكتب أن معدل قراءتهم خلال الشهــر تقل عن 200 صفحة بينمــا أشـــار 35 إلى أنهـم يقـــرؤون بانتظام و 11% أشــاروا إلى أن معـدل قراءتهم خلال
الشهر من 200 صفحة إلى 500 صفحة .
- اتضـــح من نتائـج الاستطـــلاع أن دافع القراءة لدى الغالبية العظمـــى من المبحوثيــن الذين يحبــون قراءة الكتب (44%) هو رغبتهــم في الاطـــلاع واكتساب معلومات جديدة يليه دافع
المتعة في القراءة وقد أشار إلى ذلك 23% .
- كان وجود الانترنت لدى المبحوثين من أهم أسباب عدم حبهم لقراءة الكتب حيث أشار إلى ذلك 29% .
- أظهـــرت النتائج أن كتب القصص والروايـــات كانت من أكثر الكتــب الـتـي يفضلها المبحــــوثون حيث أشار إليها 18% منهم يليها بنقطة واحدة الكتب الدينية .
- كان موضـــوع الكتاب من أهم محـــــددات المبحوثين لاختيار الكتب الـتـي يقرؤونها وقد أشار إلى ذلك 32% يليه عنوان الكتاب .
- أشـــار 39% إلى أنهم يحصلــــون على الكتــب باستعـــارتها من المكتبات العامة ومكتبات المدرسة والأصدقاء والمساجد .
- كان البيت من أفضل الأماكن الـتـي يفضلها المبحوثون للقراءة فيه وقد أشار إلى ذلك 57% من المبحوثين الذين يحبون قــراءة الكتب .
واستعرض مدير التحرير عينات من آراء بعض فئات المجتمع بلقائه معهم حيث أكد الغالبية العظمى منهم أنهم لا يقرؤون بشكل منتظم لأسباب رئيسية حصروها في : هم المعيشة ووجود ملهيات أخرى تشغلهم عن القراءة وأبرزها الانترنت والتلفاز والألعاب الرياضية ككرة القدم وغيرها بالإضافة إلى أنهم لم يجدوا النموذج والقدوة للقارئ داخل الأسرة .
زيارة المكتبات العامة بوادي حضرموت عن قرب والاطلاع عن واقعها وهمومها أخذت نصيبها في هذا التحقيق من خلال أكبر مكتبتين بوادي حضرموت : مكتبة خرد للمطالعة ومكتبة تريم الحديثة حيث تحدث أمنائها عن ما لاحظوه من ضعف ظهر جليا في ضعف الإقبال على القراءة وضعف الإقبال على شراء الكتاب .
وتناول ملف العدد واقع القراءة في مجتمعنا مقارنة بالشعوب الأخرى كاليابانيين والصينيين مثلاً عبر الإحصائيات الرسمية .
واختتم ملف العدد بالالتقاء ببعض المتخصصين في هذا المجال حيث أبدى الدكتور/ محمد مقيبل (أستاذ اللغة بكلية التربية – جامعة حضرموت) والتربوي القدير الأستاذ/ محمد علي باحميد والأستاذ/ علي بارجاء (رئيس فرع اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين بوادي حضرموت ) رؤيتهم حول الموضوع وأثروه بالعديد من المحفزات من أجل قارئ مثقف يسهم في خدمة مجتمعه ووطنه وأمته .
إشكاليات كثيرة أثارها ملف العدد نأمل إثرائها بشكل أكبر ومناقشتها وابدأ الرأي بشأنها حتى نصل إلى معالجات حقيقية تسهم في الحد من هذا الواقع نحو غد أفضل .
كما تناول العدد استطلاعاً عن (مستشفى بابكر الخيري) بوادي العين وإنجازاته منذ افتتاحه من قبل جمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية عام 1999م حيث تم تمويله من قبل الأخوين الفاضلين الجليلين عمر وسعيد أبناء المرحوم صالح بابكر ويعتبر أحد الصروح الطبية المتميزة على مستوى وادي حضرموت ويقدم خدماته لعدد كبير من المستفيدين حيث أقام منذ تأسيسه 33 مخيما جراحيا و5149 عملية جراحية .
والتقى سكرتير التحرير بمديره الدكتور/ طلال بن منصور والذي أوضح حجم النشاط والإنجاز المتميز الذي وصل إليه المستشفى خاصة في الأعوام الأخيرة .
وشكل (مهرجان العفاف) تجربة ناجحة استعرضها محرروا المجلة بلقائهم مع بعض المستفيدين من المهرجان في تحقيق جاء تحت عنوان (مهرجان العفاف .. مشروع يحكي تفاصيله شباب عانوا الفقر والحرمان والبطالة) وجاء فيه :
كان يحلم بيوم فرحه مثلما يحلم كل الشباب ، لكن سرعان ما تبددت أحلامه ركاما ظل يراه أمام عينيه إلى وقت قريب ، خطط لأن يكون زواجه بعد شهر رمضان 1430هـ مباشرة ، خاصة أن عمره قد تجاوز الخامسة والعشرون عاما لكنه تفاجأ بسرعة الأيام وتدوالها من حال إلى حال (وتلك الأيام ندوالها بين الناس ) .
ظلت تتردد على مسامعه كلمات والدته وهي تلهج له بالدعاء بأن يتم الله زواجه خاصة أنه تخرج عن قريب حاملاً شهادة البكلاريوس في الهندسة الإلكترونية والاتصالات .
لم يكن (لطفي) يعلم أن فرحته بقرب موعد زفافه سينغصها هم وحزن وسيبددها ضيق وشدة ، وقعت كارثة سيول حضرموت في شهر أكتوبر 2008م ، وحدث ما حدث ، اختلطت لدى (لطفي) مشاعر الفرح بقرب موعد زفافه بمشاعر المرارة والألم من هول ما جرى ، فهو لم يتوقع حدوثها ، ولا يريد أن يصدق أن هذا ما حدث .
لم يجد (لطفي) أمامه سوى الخضوع للأمر الواقع والبدء في إعادة حساباته من جديد وتأجيل الزواج لحين إيجاد مكان يستقر فيه هو وأهله .
يقول (لطفي) : كنت أتمنى مثلما كان يتمنى غيري من شباب منطقتنا (مشطه) أن نتزوج لكن حدوث كارثة السيول غيرت حساباتنا وعادت بنا إلى نقطة الصفر بل إن شئت أن تقول إلى درجة السالب ، كانت اللحظات الأولى من وقوع الكارثة بالنسبة لنا أمرا عصيبا لا يصدق وخاصة أن بيتنا تهدم بشكل كامل ، كنا نحلم في أحلام جميلة وحق لنا كشباب أن نحلم كنا نحلم بالزوجة ونحلم بالدراسة ونحلم بالوظيفة ونحلم بحياة سعيدة ، لكن سرعان ما تبدد الحلم فوق أكوام من التراب ظللنا نراها أياماً طوالاً ، ولم يكن بوسعي أن أعيد التفكير حينها في موضوع الزواج خاصة أن إخوتي خمسة وأنا السادس والغرفة الواحدة من البيت يسكن فيها الأب وزوجته وثلاثة من أبنائه ، لكن بحمد الله أننا وجدنا في مجتمعنا من الناس المخلصين أفرادا وجمعيات خيرية ومنظمات بادرت في إغاثتنا منذ الوهلة الأولى وهنا أؤوكد شهادتي على جمعية العطاء النابض بوادي حضرموت ، الجمعية التي احتوت المتضررين ولملمتهم ، جمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية حيث قاموا بتأجير مساكن لنا في المناطق التي سلمت من الكارثة وعشنا فيها عاما كاملا كان عاما مثقلا بالهموم مثخناً بالجراح لم يتصور لنا يوما أن ننسى ما جرى ، لكن بحمد الله تيسرت الأمور ، مضت الكارثة وتقبلها الجميع بالتسليم والرضا بالقضاء والقدر .
وبعد تنهدات طويلة وحشرجة بالصوت تابع ( لطفي) حديثه معنا مضيفاً أنه من لطف الله تعالى أن يسر لنا مهرجان العفاف والذي كان دافعا لنا ومحفزا في مواصلة التفكير الجاد في الزواج ، وبحمد الله تم التسجيل وكانت أغلب أمورنا ميسرة وما هي إلا أيام قلائل حتى دخل (لطفي) عش الحياة الزوجية محققا بذلك الحلم الذي راوده طويلاً .
أحببنا أن ندخل على لطفي السرور لينسى هم الكارثة وما أحدثته فسألناه من باب الملاطفة عن شريكة حياته وماذا يقول لها فوجدنا كلاما عميقا يخرج من قلبه بإحساس وشعور عال : أقول لشريكة حياتي إنني بحاجة إليك كشريكة حياة ورفقة عمر و معا لنكافح في هذه الحياة ونؤسس أسرة صالحة لنساعد في بناء أجيال صالحة ونحقق أهدافنا المنشودة .
هذه تجربة من عدة تجارب استعرضت في هذا التحقيق ، نأمل قرأتكم له بشكل كامل .
واشتمل العدد على تحقيق حول (النظام الاجتماعي بالحويف .. ضرورة اجتماعية وخدمة إنسانية ) حيث تم فيه دراسة واقع الحافة وإسهاماتها بين الماضي والحاضر والتأثيرات المختلفة التي أثرت على نشاطها الإنساني الاجتماعي .
وتم فيه الالتقاء بالأستاذ/ عوض السبايا والأستاذ/ هود سالمين عبيد باحثين اجتماعيين في هذا المجال وكذا المقدم /هود با سعيدة (مقدم حافة السوق بتريم) والذي شغل هذا المنصب على مدى (35) عاما .