حضرموت اليوم / سيئون / إعداد
/ عوض عبيد ديان
لنبدأ الحديث حول هذه الشخصية بقول من الشعر نظمها الأديب عبد القادر محمد
الصبان عام 1975م بمناسبة الاحتفال بذكرى حمود باضاوي :
أنت رمز العلى وفخر البلاد
شعلة النور فيك في كل وادي
قم ترى الحفل يا حمود يناديك
الــــفـــخـــر وعــــزة واعــــتـداد
لم تعد ذاك السجين فأنت اليوم
رمــــز الــفـداء ورمـــز الجهاد
فهو من مواليد منطقة بور مديرية سيئون 1300هـ -1880م من أسرة فقيرة تعمل
بالفلاحة .. ولم يدخل المدرسة لظروف الأسرة .. عاش محور عيشه قاسياً ورأى أن عيشة
المزارع في الوقت ذاك صعبة ونكدة وإن الظلم والإرهاق ملازمان حياته , أحزّ في نفسه
ما رآه وما لاقاه وحسبك من ظلم أن دم الفلاح ( فرث ) أي لا يطالب به ؛ لأنه من
فصيلة غير محترمه , عندما بلغ سن الخامسة عشر رحل حمود من بور إلى سيئون ثم عزم
الأمر على السفر إلى شرق إفريقيا ( السواحل ) والتحق حمود في المهجر بالجندية وحاز
على الرتب ، وبعد عيشة طويلة قضاها حمود بالمهجر عاد إلى حضرموت .. تمتع حمود
بميزات فهو قوي البنية والإرادة معروف بشجاعته لا يرهب الظلم ولا يخاف الظالم
ويقول ما يعتقد أنه حق ، وقد قارع الظلم أبان سطوته ولم يرهب الولاة والحكام وكان
يقول : ( القوة في الحق , إن كنت على حق فأنت قوي ) له مواقف معروفة ومشهورة لا
يداهن ولا يـجامل , لا يقول كذباً ولا يخاف الحاكم وأعوانه ، وكان كثيراً ما يردد
( إنهم مثلنا فلماذا نخاف منهم ) .
وحمود باضاوي من الرواد الذين حملوا المشعل
لإنارة الطريق أكثر من مرة ، وكذلك نفي وسجن أكثر من مرة ، فلم يزده النفي والسجن
إلا صلابة وإيماناً ؛ ولعل سجنه فجر ينابيع الثورة الكامنة في نفسه .. وعليه فإننا
سنقف لنعطي لمحة خاطفة من تاريخ الزعيم العمالي .
الثروة المائية
نادى حمود المجلس البلدي بوضع نظام من أجل
حماية الثروة المائية من النضوب ، واقترح عدم وضع مكينة في بئر قريبة من الأخرى .
دعوة
المزارعين لليقظة
كان حمود الداعي الأول إلى يقظة المزارعين
ورفع الوعي وكان يعقد اجتماعات متواصلة بهم لهذا الغرض وكان يهدف من وراء ذلك
إخراج المزارع من قوقعته وجعله يشعر انه آدمي له كرامة وحق مثل الآخرين ، وقد عانى
كثيراً حيث بثت حوله الشكوك ، ورصدت تحركاته ، وأثيرت الدعاية المغرضة ؛ ولكنه لم
يبالي وبقي ناشراً لدعوته ثابتاً على مبدأه .. يعقد الندوات الليلية ويرحل بنفسه
إلى المزارعين في منازلهم وإلى قراهم وكان يقول : ( إن الشيء المهم شعور المظلوم
أنه مظلوم فمتى شعر بالظلم صار وسيلة لإزالة الظلم ) , وكان يرحل إلى تريس ومريمه
والقرن ..
إضراب عام 1364هـ
فرضت الدولة على المزارعين ضريبة ، واشترطت
على المزارع أن لا يحصد محصوله إلا بعد دفع الضريبة ، فتقدم حمود إلى السلطة يلتمس
تخفيض الضريبة وأن يكون الدفع بعد الحصاد فرفضت الدولة هذا الحل وأرسلت جنودها إلى
المَزَارع تنذر وتتوعد المزارعين .
أول مظاهرة تشهدها سيئون عام 1364هـ / 1944م
اجتمع المزارعون في بئر ( خلع أحمد ) وتكلم
فيهم حمود وأثار حماسهم وتحرك بهم على شكل مجاميع متراصة إلى مسجد الجامع وكل واحد
منهم بيده عصا مخترقين في مسيرتهم السوق والأماكن العامة مارين تحت الحصن وتحت قصر
السلطة وبعد عودة المزارعين إلى ( خلع احمد ) قال حمود مخاطباً المزارعين إنهم سوف
يسجنونني .. فماذا انتم فاعلين ؟ فتصدى للكلام عبيد هديب قائد مجموعة مزارعي تريس
( سنرحل معك بالهدادي والذراري ) وما أن عاد حمود إلى بيته إلا والجنود قد أحاطوا
به وأخذوه إلى السجن وفي اليوم الثاني توافد المزارعون أمام سجن ( فقيشه ) وشكلوا
ضغطاً على الدولة فطلب سكرتير الدولة مفاوضة المزارعين وقبل ما قاله حمود من أن
الضريبة تدفع بعد الحصاد وخرج حمود من السجن .
عام 65هـ / 66هـ
بقيت السلطة في فرض الضرائب على المزارعين
ففرضت ضريبة المعايل والنخيل ورفض المزارعون الضريبتين وطالبوا بأن تكون ضريبة
النخيل على المالك وأن لا يتحمل المزارع شيئاً . ونتيجة لإصرار الدولة قرر حمود
الإضراب العام لكل المزارعين وأمر بإيقاف الأعمال الزراعية وجلب الماء وكل ما يتعلق
بالزراعة وأن يكون الإضراب شاملاً ، وتحقق الإضراب ونجح نجاحاً باهراً ، وفي اليوم
الخامس للإضراب تجاوب مع المزارعين جميع أصحاب المهن الأخرى من العمال وأعلنوا
الإضراب . وبعد أن نفذت السلطة مخططها في الدس والتشويش وإحداث الفوضى اعتقلت حمود
ونفي من حينه إلى غيل بن يمين وفصلت السلطة بين حمود والمزارعين ، وبعد ثلاثة أشهر
قضاها حمود في السجن أفرجت السلطة عنه وعاد ولم يحز في نفسه السجن بل زاده صلابة
وإيماناً وقد استقبله المزارعون في بيته استقبالاً حاراً وأخذ المزارعون يفدون
عليه من كل مكان فشعرت السلطة بالخطر ففرضت عليه عدم الاتصال بأحد من المزارعين
وتحريم أي اجتماع يقوم به وعدم التعرض لأي قضية من قضايا المزارعين .
جمعية المزارعين 1368هـ - 1948م
عاد المزارعون إلى تجمعهم وشكلوا لهم جمعية
تحت قيادة حمود وكانت أهداف الجمعية :
تنمية الأخوة بين المزارعين , السعي التام
في تحسين حالة المزارع , إنعاش الزراعة , المطالبة بحقوق المزارعين , حل المشاكل
بين المزارعين .
وعمل حمود قدر المستطاع لتحقيق هذه الأهداف
فطالب أن يكون للمزارعين من يمثلهم في المجلس البلدي ومجلس الدولة وكان ذلك في
رسائله والتماساته .. وبعد مضي خمس سنين من قيام الجمعية شعرت الدولة بأن لحمود
أهدافاً ومطالب تضر بها فحلت الجمعية وحرمتها .
جمعية المزارعين عام 1379هـ
وفي هذه المرة تجاوز حمود الحدود بين
القعيطي والكثيري وتعدى منطقة سيئون فسار إلى تريم ودمون والسويري وباعلال والغرف
يطالب المزارعين للاجتماع والتجمع على :
- رفع مستوى المزارعين الاقتصادي – أن يكون
الديزل ووكالته بيد المزارعين – تسويق
التمور – المشاركة في المجالس البلدية
والقروية – المشاركة في مجلس الدولة .
كان يقول إننا مزارعون فقط مالنا والقعيطي
أو الكثيري , علينا أن ننظر إلى مصلحتنا ولا نعرف سحيل أو حوطة , أو خليف , أو
نويدرة , الماء واحد والزراعة واحدة والجد واحد فلماذا نتفرق . وبهذا السعي استطاع
أن يؤسس جمعية المزارعين وان تضم في عضويتها أكثر من خمسمائة عضو ، وبهذه الخطوة
تمكن من إزالة الحواجز المصطنعة ويـجمع بين مزارع في المنطقة الكثيرية ومزارع في
المنطقة القعيطية .
حمود أحد المنتخبين فــي
أول مـجــلــس بلــدي مـنـتــخـب
استجابة لمطالب المزارعين أصدرت السلطات
لوائح لانتخابات رقم (5/28/23) بتاريخ 1/5/1378هـ -12/11/1958م وأجريت الانتخابات
في مقر الإتحاد الوطني بتاريخ 8/6/1378هـ , وكان حمود أحد المنتخبين وأول عامل
مزارع يدخل المجلس البلدي .
* مقتبس من كتاب (
الزعيم العمالي حمود عبود باضاوي) للأستاذ
المؤرخ عبدالقادر محمد الصبان .