حضرموت اليوم / سيئون / إعداد : عوض عبيد ديان
مستور سليمان عبدالخالق حمادي من مواليد مدينة سيئون 1897م ، توفي والده وهو في سن الرابعة عشر من عمره ، ومع اليتم والفقر نشأ شاعرنا مستور حيث عاش مع أفراد عائلته آل حمادي التي تمارس صناعة الملابس المحلية ( الحياكة ) في مشاغل بدائية تسمى ( المحاويك ).
شب مستور وشبت معه هواية الشعر والغناء ، ورزقه الله حنجرة ناعمة وقريحة خصبة ، إلى جانب ذلك فهو يمتاز بخفة الظل كشخصية لها جاذبيتها الخاصة والمحببة لدى الآخرين .
ومع أن شاعرنا مستور ظل أمياً إلى وفاته – رحمه الله – عام 1975م فقد برز وتفوق بموهبة الشعر ( العامي ) بأنماطه الثلاثة : شعر ( الشبواني ) والذي يرتجل سجالاً على حلبة رقصة ( العدة ) أو ( الشبواني ) الشهيرة بحضرموت ، وشعر ( الدان الحضرمي ) المرتجل المتعدد الألحان والمصاريع .. والشعر المسرح بقصائده المطولة .. إلى جانب ذلك فقد كان مغنياً ( للدان ) ويمتلك صوتاً مميزاً ، وعازفاً على ( الناي ) ، وضارباً على الطبل ( الهاجر ) وكان أيضا حافظا مجيدا وراويا مرحا وآسرا للحكايات والأساطير الشعبية .
لقد كان الأستاذ القدير علي أحمد باكثير معجباً بإبداعه في معانيه الشعرية ، وعندما عاد من مصر عام 1968م جلس معه عدة جلسات والتقط له تسجيلاً صوتياً لأسطورة ( بن زامل ) وأشعاره المغناة ؛ على أن يخرجها الأستاذ باكثير في قالب مسرحي ، ولكن المنية عاجلته في نفس العام .
لقد ورث شاعرنا مستور موهبة الشعر من والده
سليمان الذي كان من الشعراء الشعبيين البارزين ، فعندما كان النزاع بين السلطنتين
الكثيرية والقعيطية وما نتج عن ذلك من حصار شديد نجم عنه غلاء فاحش قال الوالد
سليمان :
ألقو لنا مخرج نريد الغزل يخرج من عدن
وإلا فسحنا في الموايح والسماسم والبتار
هذا جبل شمسان وانته يا نايم ذهن
فكوا لنا جمرة من المكريب أكل نحن الشرار
وعندما رأى العمال يبنون قصر السلطان بسيئون
وكانوا يعملون مقابل وجبات الغداء من التمر قال سليمان :
قال شاعر بديع القافية
قالوا صبر ، وبصبر لا متاه
على المدر والقوت الشاحية
عالمبو من شرع هذه الحياة
بدايات مستور
طرق مستور حمادي أغراضاً متعددة في شعره
منها : النماذج الوطنية والاجتماعية والغزلية وبعض المساجلات المتنوعة ، والمتتبع
لشعر مستور يـجد نفسه أمام شاعر مرهف الإحساس وأمام شعر من نوع السهل الممتنع ،
احب شاعرنا الجمال وهام به ووجد في ليالي الدان ملجأ ليسكب في ساعاتها ودقائقها
أعذب ألحانه .. وألهمته حيوط ( السحيل ) وسواقي ( الطويلة ) وليالي ( القرن )
كثيرا من المعاني الرائعة ..
ومن خلال شعره نعرف نظرته للحياة فمثلا وهو
يقول في إحدى روائعه :
قتيل الدان ما نبغا التجاره من اتجر
غلق ما معه والدان نسم كل مزرور
نسم كم وكم من عيطلي به خشم خنجر
ويا حسرتي لا قذنا وسط قبري وغيري يغنون
وهناك جانب مهم من حياة مستور ومعاصرته
لأقطاب الدان وهم عاشور بن هادي باشغيوان ( الملقب بالشن ) وسعيد مبارك مرزوق .. فعاشور ومستور شكلا
ثنائياً رائعاً ، مستور الشاعر وعاشور صاحب الصوت
الشجي ، ومن صدق حب الشاعر للغنى فقد قال :
شاقنا الصوت به عاشور يسري صب دمعي جرى دم
ريت عاشور يصلح فوق قبري
شاهده لا جل لي زاروا يعرفون
وشاء الله أن يتوفي المغني عاشور قبل مستور
، فيخلف ذلك في قلب شاعرنا حزناً عميقاً لم تستطيع أن تمحيه الأيام والسنين .. وفي
إحدى الليالي وهو في أسمار الدان بمنطقة القرن قال مستور :
سلام ياالقرن عا ذبرك وعا طينك ونخلك
وسلام عامن بعد منك وقرباك
يا ميت الروح مااليله طلع من وسط قبرك
وطلب من أهل المجنة زام لا قد نسنس الريح
وفي عام 1346 هجرية شاعت أخبار وصول ضابط
إنجليزي يدعى ( إنجرامس ) إلى حضرموت فعلى هذا الموضوع قال الشاعر مستور :
ذا فصل با رق على جبل قاف يتلمع
بالنور شارق وان لا حظت برقه وراء بر قه
من فوق فالق با نضرب السم والنا ظور
بعدت ميوحه على الموتر وعا لطيار
منين داحق يالي على واحده تظلع
ذا باترافق وتقول مكنت عالرفقه
دقل المعانق يقرحن ما يبقل المخدور
اتحامد الله ان وقعت راس الدار
عرس وحالق الخال بالزقر يتبيدع
لا حد يعالق من ذا الظماء يشرب العلقه
رب لا تفارق ما بين لا با مع الزقور
رثوه إذا قد ربوا في الهند ومنيبار
ثم عاد يلوم السلطان آنذاك ،
قائلاً :
ياهيج حشيت القطيره لي بها تنتصر
لي تردع القوم المغيره إذا وصل حد با يغير
فزعان لا تخرج كبيره عندي البندق يحر
كل من يعشق في حريره با يقع شطب الحرير
وعندما وضعت حماية الانجليز على السلطنتين
الكثيرية والقعيطية ، قال مستور أيضاً :
يقول المهتجس مستور صرف الميازر
عدم مظلوم من شل ميزر
وباب القبوله جدروه باول
وآخر زمن ما كان ذا الباب مجدور
مدوده روحت يوم الخبر للبخاضر
ولا فيها سوى سعيد بخضر
وبا قو يوم يسقون الغنم في المعاشر
وماتت بعد بو شيخ عاشور
وعندما نظموا جيش السلطنة الكثيرية قال :
تزف الأرض من زوبة كبار العساكر
إذا شطيت في لين عسكر
ولو لك حق ما جبته من أم المناكر
ولا حد عرف قال منكور
وخفت القطب لا يفلخ على أهل المعاصر
ونا حب السليط المعصر
وخائف من كلام الناس زائد وقاصر
إذا بهذف يقولون مقصور
زمن غار المدح كله يهمهم صعامر
وفي ذا الوقت ما شفت صعمر
ولا حد في كلام الصدق مني يحاذر
كلام الصدق ما فيه محذور
الهجرة والاغتراب في
أشعار مستور
كما هو معروف عند أهالي حضرموت البحث عن
مصدر للقمة العيش ، لصعوبة الحياة داخل الوادي ؛ فقد لجأ الحضارم إلى الاغتراب ومن
ضمنهم شاعرنا مستور ، فقد سافر إلى سواحل شرق أفريقيا على قارب بدائي وعند مغادرته
من بلده سيئون مسقط رأسه مودعاً لها قال :
ودعتش الله يا لطويلة من طال عمره با يعود
سمحا طريقك يا لمسافر لا تر جع إلا بالجميلة
كلا تجمل حنت عليها الناس جمله
ما با تناسى ذكر سيئون
وعندما وصل إلى المكلا قال :
ذا فصل للبندر وصلنا والولف خلا الراس يدري
مكتوب ومقدر علينا يا ريت نحنا ما اتفقنا
ولا اعترفنا ولا بقينا ما خلقنا
ولا تنا شفنا الفناجين
وعندما وصل إلى ممباسا قال :
يا سراج النل شاقتنا ضـواك
بن حمادي لا نظر كاشتك هاك
عندك الزينة ورقصات الحجور
عيـد لا شــرقت ونحـنا في ســرور
وفي إحدى أسمار الشبواني وعلى شعر المدارة
يقول مستور :
قال الفتى مستور حني يالمطارق عا لزبر
فسحت في سفرات ممباسه وسفرة زنجبار
رحم الله ( أبا سليمان ) فقد أعطى لزمانه
ولشعبه الكثير ، ولم يأخذ من هذه الدنيا إلا القليل ..
وهذه عبارة عن لمحة بسيطة من أشعاره ، ومن
أراد الإطلاع أكثر على أشعار مستور فعليه الرجوع إلى كتاب ( اشعار من الوادي
لمستور حمادي ) والذي جمعها تلميذه الشاعر ناصر يسلم بن ناصر – عليه رحمة الله – .
ونختم موضوعنا بأبيات من أشعار مدارة
الشبواني للشاعر مستور رد على الشاعر سعيد حدبان :
قال الفتى الشاعر سمر يا شيخ قد طاب السمر
باسمر معك لمان يغربن النجوم الزاهرات
حياكم الله يا رجا ل الله بر حقوا مشر
وبعض لمه قصروا طرحوا مكاوي باردات
والليله المفتل بيدي ليش ما ضربه مدر
إن ما كفانا المقلب بعدنا للذبور المبعدات
شي يحتزرعندي وشي يا نا س عاده ما حتزر
من هو قبيلي يفرح الا للبنادق الثائرات
لقد طلعت الجول با ضوي كبيرات العجر
الصيد ما به شي زفوفه قد قعت في الضاحيات
ما دام أبو خالد معانا ندخل البحر الخضر
من قام نسمع به يغيصهن مراكب شاحنات
والعظم لي فيه الدسم يتبعه يا صاحبي ذر
الا ولي غلق وباتظهر حناش املويات
سعيد بن دحمان عاكسنا ولي جاب الجضر
اطلبك كلمة حق واستحقاق خذ مني وهات
لا حد يقربع لي نشوف السحر عالساحر فر
الموت عند الصيد موتوا عالوعول المدسمات
الصبح باتعصر وباخابر وباسرح با لخبر
بتشهد الأحياء وذي هم في القبور الصامتات