لقد فاجأت الشعوب العربية العالم بانتفاضتها على الظلم والاستبداد والفساد من قبل النخب السياسية الحاكمة ، تماما كما أسست واقعا جديدا على المستويين الإقليمي والدولي بعيدا عن الهيمنة الدولية بكل مستوياتها ، والذي يؤمل أن يوصل الى الاستقلال والحرية الوطنية .
من المهم التوافق على ان المجتمع الدولي والقوى الدولية ذات المصالح في المنطقة تعد عاملا مهما في عملية التشكل النهائي لدول المنطقة وتكتلاتها ، وقد حمل المتغير منذ بداياته معادلات سياسية واقتصادية تقوم على قاعدة تحقيق الحريات العامة والمشاركة في السلطة ومحاربة الفساد والاستبداد ..
كانت معادلة المتغير نوعية ووطنية ببعد عربي ، أساسها الشعوب والجماهير ومطالبها مصالح الجماهير وقرارها بيد الجماهير ، وتشكلت لها رؤية عامة مقنعة تقوم على قاعدة بناء نظام سياسي ديمقراطي يؤسس للحريات العامة ويحفظ حقوق الافراد ويبعد شبح الحل الأمني والتدخل الأمني في الحياة العامة ، ويبني فلسفة جديدة لسلطة الشعب في الحكم والاختيار الحر وبتعددية وطنية شاملة ..
حياة الإنسان صراع من أجل الكسب بمفهوميه السلبي والإيجابي , كفاحٌ ضد الخسران , ومشكلتنا أننا قلما نستفيد من الأخطاء , الكل يريد تجاوزها بسرعة , يود نسيانها , كي تتعلم من فشلك يتوجب عليك التفتيش عميقاً في حياتك وأدائك ومساءلة نفسك .
أسوأ ما تفعله أن تحمل الخسارة داخلك , البعض يجعل الخسران مكسبه من الحياة يعممه نقماً وغلاً وعدوانية وسخطاً, ثمة من تحطمه الأخطاء , فلا يفعل شيئاً سوى أن يتعاظم الخراب داخله وخارجه .
في الجنوب أخطأت القيادة بعد الاستقلال عندما انتهجت سياسة تختلف عن محيطنا الإقليمي وكسبنا عداوته حتى قيام الوحدة ، وأخطأت في دخول الوحدة الاندماجية بدون شروط تضمن نجاحها واليوم ينادي بعضنا بان نسير في نفس الطريق الخاطيئ الذي جربناه فمعاداة الجوار المحيط سيجعلنا نتحارب على أرضنا نيابة عن الفرس وبعضنا عن الخليجيين العرب .
دول الخليج تؤكد على بقاء اليمن موحدا فهل يستطيع الجنوب رفع الظلم الواقع عليه دون التصادم مع المحيط الإقليمي الذي نحن في أمس الحاجة لدعمه ..
مطلبنا محدد في رفع الظلم وبناء دولة نظام وقانون تصان فيها كرامة الإنسان فهل نستطيع تحقيق ذلك بما هو متاح في ضل الرعاية والضمانات الاقليمية والدولية للمبادرة الخليجية التي نعيش حاليا في ضلها ..
الحوار الوطني هو ملك لكل اليمنيين , كونهم جميعاً معنيين بالتغيير الذي ينشدونه , كما أن مستقبل اليمن غدا رهن هذا الحوار , وهذا يضاعف من مسئولية أطرافه في العمل الجاد للمضي به إلى آخر المطاف كضامن أساسي لانتشال البلد من المأزق الذي يراد وضعها فيه.
إن مشروع الدولة المدنية الحديثة الذي نتطلع إليه , لن يتحقق بدون الذهاب إلى مؤتمر الحوار الوطني. والعدول عنه أو إعاقته سيعيدنا إلى حلقة مفرغة , ويجعلنا نتلهّى بمزيد من الخلافات والانقسامات ، فتَلمّس طريق المستقبل وترميم بلدنا من الإنهاك السياسي , والفساد والإفساد العائلي الممنهج , هو واجب وطني أصيل , تمليه ضرورات النهوض بالبلد .
وفي الوقت نفسه , فإن تهيئة الأجواء لانطلاق حوار وطني إيجابي وبنّاء يتطلب من الجميع إدراك حقيقة الوضع الحرج الذي تمر به البلاد , وهو ما يقتضي بالتالي تجنب وضع اشتراطات مسبقة أو التمترس خلف قناعات وأحكام جاهزة , وعدم اللجوء لفرض رؤى وتصورات ومشاريع بقوة الأمر الواقع.
بقلم : المهندس / عبدالحافظ خباه