فجّر موقع " هنا حضرموت" قنبلة بمدينة المكلا في منتصف سبتمبر الماضي، عندما نشر تفاصيل قصة مأساوية، لفتاة، حكت معاناتها القاسية المؤلمة وأسرتها من والدها الذي حوله القات إلى سجان ظالم وأكثر.. قصة اقشعرت منها الأبدان واستاء منها الناس وثارت نفوسهم ، حتى أصبحت هذه الفتاة وأسرتها مرثاة للجميع ، واستنجدت هذه الفتاة بمجتمعها وطالبته بالقيام بثورة عارمة ضد القات بحضرموت .
وبما أنني خلال الست سنوات الماضية ، أعددت بحثاً عن آثار ومخاطر القات على الإنسان والأسرة والمجتمع ، ومافعله من جرمٍ بأبناء حضرموت ، أهمس في آذان أبناء حضرموت عامة والمكلا خاصة مذكراً لهم قائلا:-
- القات شجرة خبيثة لعنها عقلاء وحكماء اليمن، أهلكت الأرض والإنسان اليمني وجعلته متخلفاً، وأساءت إلى تاريخه العظيم الذي تنحني له الرؤوس ، حتى أصبح القات وصمة في جبين اليمنيين .
- أثبت المختصون وعلى رأسهم منظمة الصحة العالمية ، بأنه مضر للإنسان ومخدر حسب تقارير علمية - مهما شكك بهذا أصحاب القات - وحرّمته المؤتمرات العربية والإسلامية خاصة ، ومنعت دخوله إليها الكثير من الدول المتقدمة والدول العربية - عدا الدول التي يزرع فيها - ووضعته في مصاف المواد المخدرة .
- تعاطي القات يعني: إضعافاً لقدرات الإنسان وإفساداً لقيمه وأخلاقه وروابطه الأسرية، وتثبيطاً لشخصيته، وتقليلاً من إنتاجه ، وتهاونناً في واجباته الدينية والأسرية والاجتماعية ، ويقضي المتعاطي للقات ساعات سليمانية تنقله إلى عالم آخر مليء بالحلول الخيالية ، بعدها تأتي ساعات عصيبة يكره فيها المخزن نفسه ويلعن القات وكل شيء من حوله ، وربما يقسم يمين مغلظة على أن لا يأتي القات ثانية ، ولكنه بمجرد ما يصبح يخلق لنفسه ولغيره الأعذار، وما أن تجيء الساعة الثانية عشر ظهراً إلاّ وتحركت مشاعره نحو القات ثانية وهكذا ... !! .
كما أن المبتلى بالقات يكون غير مبالٍ دائماً ، ويضحي بأي شيء من أجل هذه الوريقات الساحرة ، والأخطر من هذا أن المختصين قالوا : أن المخدِر يجعل متعاطيه يفقد الحمية والغيرة ،وعكسه المسكر الذي يخلق النشوة والطرب والعربدة مع بقاء الحمية ، ولك أيها القارىء أن تتمعن في هذا الكلام وتقارنه بأحوال المخزنين وأنت الحكم .
- يا أبناء مدينة يعقوب .. ماهذه القصة إلاً واحدة من مئات وآلاف القصص التي تعج بها البيوت ، وتئن منها الأسر{ولكن البيوت أسرار}، ويا كم نصح الأهل والناس ووعظ الدعاة وأوضح المختصون الأضرار الجسيمة ، ولكن هذا المبتلى لا يرتدع ولا يلقي لما يقال له بالاً ، ولسان حاله يردد دائماً :
{ قد أسمعت لو ناديت حياً ** ولكن لا حياة لمن تنادي }.
- إن الناظر يرى اليوم القات منتشر بشكل مخزي في عاصمة محافظتنا أكثر من أي مدينة ومنطقة حضرمية أخرى، وكذا في المناطق التي يغلب عليها الطابع البدوي ، فهل وجد أرضاً خصبة لم يجدها في المناطق الحضرمية الأخرى ؟! ، حتى أصبحت رائحة ثقافة القات النتنة تفوح من عاصمتنا الحبيبة وكأننا خارج حضرموت.
وتعزيزاً لما قيل عن القات بحضرموت ، هناك العشرات من الوقائع والقصص الحقيقية المؤلمة التي تؤكد جرم هذه الشجرة على الإنسان ،والتي جمعتها في بحثي ، وسأسرد لكم ثلاثا منها للاستشهاد لا للحصر:
1- ألحّت وألحّت هذه المرأة على زوجها ليحضر لبن ابنها ، ولكنه لم يستجب لها ، وبعدما يئست منه ذهبت إلى أخيها تشتكي ذلك الزوج غير المبالي بأمور أولاده، فأعطاها أخوها علبة اللبن ، وجاءت بها فرحانة إلى بيتها ، وعندما قابلت زوجها عاتبته ووبخته كثيراً لعدم توفيره غذاء فلذة كبده ، ثم وضعت العلبة وانشغلت بأمور البيت ، واستغفل هذا الزوج "عديم الإنسانية " زوجته وأخذ علبة اللبن وخرج بها إلى السوق وباعها لأجل ثمن القات.
2- وهذه الواقعة أيضاً نقلها أحد شيوخ حضرموت في محاضرة له أمام الملأ مؤكداً بأنها حصلت داخل مجتمعه ويرويها قائلاً : شخص للأسف يعمل مدرساً، حطم القات قيمه وإنسانيته وأنزله إلى البهيمية ..نرى ذلك الديوث عندما يريد ثمن القات ، يخرج بسيارته ومعه زوجته يتجول بها ويعرضها كسلعة والناس تعرف ذلك الأمر، وعندما يستوقفه أحد الذين يريدون الرذيلة يوقف له ويأخذه إلى مكان خالٍ من الناس ويترك له زوجته في السيارة ،ويبتعد هو قليلاً حتى ينتهي الرجل من حاجته ، ثم بأخذ ثمن تلك الفعلة الرذيلة - التي لا تقبلها الإنسانية - ليشتري به القات .. فأين ذهبت الحمية والغيرة ؟!! .
3- أما هذه الواقعة فكان مسرحها منطقة جازان السعودية ، حيث يتناول أبناء هذه المنطقة القات تستراً ، كونهم من أصل يمني ومنطقتهم مجاورة تماما للحدود اليمنية ، وهذه هي مجريات الواقعة .. رجل وهو في غمرة نشوة التخزين، جاءه اتصال هاتفي يخبره بمرض أمه، فأجاب أعملوا اللازم وأنا سآتي، ثم اتصلوا به ثانياً وأخبروه بأن حالتها تستدعي المستشفى، فأجابهم اذهبوا بها إلى المستشفى وأشار لهم بأن يطلبوا سيارة جاره وأنه سآتي ، ثم اتصلوا به ثالثاً وطالبوه بضرورة الحضور كون أمه حالتها خطيرة جداً وهي بالمستشفى ، فكرر عبارة .. الآن سآتي ، وفي الاتصال الرابع أخبروه بأنها ماتت ، فأجابهم : الحمد لله غسلوها وجهزوها لأنه لايجوز لي أن أغسلها وسآتي، ولكنه لم يأت إلاّ بعد أن دفنوها وخرجوا من المقبرة أهـ .. أليس القات مدمراً للإنسان ؟ .. إذا خربت العقول صدق أولا تصدق ما أقول ، أترك لكم أيصاً أعزائي القراء التعليق وربط هذه القصص بواقع وحياة المخزنين .
نداء عاجل إلى أبناء حضرموت .. إلى أين تسير محافظتنا داخل نفق القات المظلم هذا، الذي أظلم حياة الكثير من الناس ومزق روابطهم الأسرية وشتت فلذات أكبادهم؟!! .. أفيقوا يا أبناء حضرموت - حضرموت التاريخ والعلم والقيم -، فالقات ينهش أمامكم في قيمنا وشبابنا وطاقاتنا .. وبما أن مسؤولي حضرموت يتجاهلون الخوض في هذا الأمر، وللأسف نرى معظمهم أصبحوا من ضحاياه ربما لرضا كبار القوم وتيمناً بهم .. وطالما أن المجتمع الحضرمي بدأ بسبب القات يفقد أهم صفاته الطيبة وخصائصه المتميزة التي يفاخر بها سائر العرب.. وبما أن الحكومة لم تبق محافظتنا دون قات، كما كانت قبل الوحدة احتراماً لخصوصيتها، إذن فلابد أن يثور أبناء حضرموت - والغيورون منهم خاصة- دفاعاً عن قيمها وثقافتنا، ومثلما نقول للظالم لا، نقول للقيادة:ألف لا للقات.. لقد آن الأوان ليذهب عنا هذا الوباء، فالقات لم يأتنا بقانون، فلنحاربه سلمياً دون كلل مثلما نحارب الظلمة والذين يسعون في حضرموت فساداً.
أخُوتي أبناء جلدتي الحضرمية .. أذكركم لعل الذكرى تنفع وأقول: أن القات فعل الكثير والكثير في أناس قبلكم وأخاف أن تكونوا ضحية مثلهم، والله إنها لمصيبة لا يدري فاعلها مدى كبرها ، وربما يأتي يومُ لانملك فيه سوى أسم حضرموت فقط !! .
إنهم جاءوا بالقات ليفسدونا، وما تجد مصيبة أو رشوة أو نصب واحتيال داخل مجتمعنا إلاّ وراءََه القات.. حتى أنهم أدخلوه إلى المناطق النائية التي لاتصلها خدمات الدولة ..أفيقوا من غفلتكم حتى لاتصبحوا على مافعلتم نادمين ..فلنترك خلافاتنا وراء ظهورنا ، ونقف وقفة رجل واحد ، ونخرج عن بكرة أبينا { شبابا ورجالاً وشيوخاً وعلماء وأعيان ومعلمين وأكاديمين } في كل عاصمة مديرية بأرجاء المحافظة ، وأن لا نرفع أية راية أو صورة سواء شعارات{ خصوصيتنا أولاً- حضرموت بلا قات - لا للقات لا للقات لا لهدم الطاقات - اختاروا حضرموت أم القات - يا من تدعون الأخوة والـنخوة أبعدوا عنا هذه البلوى } وأن نطلقها دون خوف صيحة لنُسمِع كل من به صمم .. كفى ..كفى .. السكوت لقد بلغ السيل الزُّبى ، إن مصلحة حضرموت اليوم تقتضي أن نرص الصفوف وننسق جهودنا ونجعل {حضرموت للجميع وكل له اتجاهاته }فهل نعملها أم أن القات سحرنا كغيرنا وأصبح جزءاً من حياتنا وقضي الأمر ؟!!
قد يفهم البسطاء بأن أمر القات بحضرموت، مرهون بذهاب " الشماليين" عنها ، ولكن الأمر خلاف ذلك ولو جاء الانفصال ، لأن الكثير من الحضارمة أصبحوا ضحية هذه الشجرة الملعونة الأمر الذي جعلهم متناقضبن .. يريدون الانفصال ويريدون بقاء القات أيضاً ،لأنه استحوذ على عقولهم وأصبح هاجسهم اليومي .
فرضاً أن حضرموت اليوم محتلة، وعجباً في أناس منغمسون في ثقافة المحتلين ويريدون الفكاك منهم !! ، ولنا في حال بعض الدول العربية التي استُعمرت لعبرة .. هذه الدول التي بث المستعمر فيها ثقافته ولغته كالسُم ، حتى كادت تتلاشى فيها قيمها وثقافتها الإسلامية ولغتها العربية، ورغم أنها استقلت منذ عشرات السنين ، إلاّ أننا نرى حتى اليوم ثقافة ولغة ذلك المستعمر باقية ومتغلغلة في شعوبها ، فما بال هذه الشجرة التي لا ُتبقي ولا تذر!! .. أهلكت الحرث والنسل ، وبثت ثقافتها داخل مجتمعنا الحضرمي حتى جعلته مستجيباً لها، فهل سيستجيب رجال حضرموت لهذه الصيحة المعتصمية التي أطلقتها تلك المرأة المظلومة المُستنجدة ؟ وهل من نخوة حضرمية ؟ وغيرة نهبُّ من خلالها لنصرتها ونصرة ثقافتنا ، ومحاربة عدو حضرموت الأول أم .. رُبَّ وا معتصماه لامست أسماعهم ** لكنــــها لم تلامس نخوة المعتصمِ !!!...
بقلم : الأستاذ / سعيد جمعان بن زيلع