ياويل عدن من صنعاء .. وياويل صنعاء من دثينة

على متن الحافلة المسافرة بين المحافظات جلس الصديقان متجاورين , ( سالم ) ليس له أي انتماء سياسي , و ( عمر ) قيادي في ثورة الشباب .. وبعد مسافة قطعاها قال سالم : أين دولة النظام والقانون التي وعدتم بها وها أنت ترى حجم الفوضى والتقطعات في الطريق ؟! فرد عليه عمر :  الصبر طيب , والثورة مستمرة في تحقيق أهدافها كاملة بعون الله ـ وماذا حققت الثورة حتى اليوم ؟ .

ـ أما يكفي أنها أسقطت الطاغية عن عرشه ـ ولكنه ما زال موجودا في الوطن يوجه أعوانه دون رادع ولا عقاب .

ـ صدقني يا أخي لقد سقط وانتهى أمره ، قال سالم بثقة : ـ سأثبت لك أنه ما زال قويا مؤثرا كما سبق . ـ قل ما عندك ثم اسمح لي بالكلام . اعتدل سالم على كرسيه قائلا : ـ لم يسقط بعد لأنه ما زال محتفظا بكافة هيلمانه وثرواته ويستقبل الناس في المناسبات يحيط به الحراس والمؤيدين , السقوط الذي نفهمه نحن البسطاء هو أن يلاقي أحد ثلاث سبقت في تونس وليبيا ومصر : الطرد أو القتل أو السجن .

ـ لم يسقط بعد من أبقيتم له كيانه قويا متماسكا ورضيتموه شريكا في الحكم , هل قامت الثورة ضد شخص صالح وعائلته فقط أم ضد منظومة فساد وطغيان . ـ لم يسقط بعد من يحتفظ لنفسه بالدرع الأقوى والسلاح الأرقى وكلها بيد أبنه وأفراد عائلته , وما زال يملك اذرعا طويلة تمتد عرض البلاد وطولها بالتهديد والإرهاب , فها هي شاشاتكم تعرض كل يوم أن بقايا النظام فجرت ودمرت وأحرقت , ويستغيث المواطنون الرئيس والحكومة بالتدخل لإيقاف ذلك , فمن ذا الذي سقط ؟! .

ـ كيف تقولون أسقطناه وله كل هذا الحضور الفاعل الخطير على أمن البلاد , فهاهو حر طليق يمنح أعداء الثورة ومناصريه قوة وأملا في البقاء , فبعد عودته محروقا من الرياض عرف أغباهم فهما بالسياسة أن المراحل طوال فرجع من خلع يد الطاعة إلى قصر المناعة . ـ هل انتهيت ؟! سال عمر زميله ـ فقال سالم : نعم ! ـ فأطلق عمر تنهيدة ثم قال والآن اسمع مني يا عزيزي : ـ لقد أسقطت الثورة عليا وحطمت أحلامه في تأسيس حكم ملكي له ولعائلته , وذلك في حد ذاته ضربة ليست بالهينة لما كان يخطط له منذ زمن ليس بالقريب .

ـ صدقني لقد سقط من كان يعد رحيله وتنازله عن الحكم بعيد المنال ورابع المستحيلات , ولم تنفعه سلطته ولا قوة أبناءه من أن يتنازل مقهورا , وها هو اليوم يعيش في عزلة وحسرة فقد ذهبت عنه الأضواء وانصرفت عنه الأنباء بعد أن عاش ثلث قرن نجم الشاشة وسيد الساحة وصاحب الفخامة .

ـ لقد سقط حقا من لا تصدقون أنه سقط , ويزداد كل يوم انهيارا وهو يرى سفينة الثورة تبحر بقوة رغم أعاصير بقايا النظام والعمالة وتشق طريقها بثقة رغم أمواج قطاع الطرق والسفالة , ومع كل عملية تفجير أو تخريب نزداد نحن ثقة أن ذلك عنوان زواله , فما ترونه منه قوة وتقدما وبأسا نراه نحن عجزا ويأسا وإفلاسا . ثق يا عزيزي أننا كثوار قد انتهينا هنا تماما من رأس الهرم وستتهاوى أضلاع مثلثه ويسوى ذلك الصرح بالتراب ، ومن يظن غير ذلك فهو واهم يخادع نفسه .. لقد حققت الثورة ما لم يحلم به أحد , فكل الكيانات كانت تطالب بإصلاحات وامتيازات مع عدم المساس بفخامة الرمز , فجاءت الثورة لتقتلع الصنم من أعماقه .. وبقاءه اليوم محصنا فرضته علينا أمور تتعلق باختلاف وضع بلادنا عن غيرها من البلدان , ولضغوطات سياسية داخلية وخارجية أرادت تجنيب اليمن حربا طاحنة تأكل الأخضر واليابس وتؤثر على أمن واستقرار المنطقة .. وهذا لا ينفي استمرارنا في المطالبة بمحاكمته وعزل عائلته ومحاسبة الفاسدين .

يا صديقي المتفرج لم يعد يؤثر فينا اليوم علي ولا أبناءه , ولكن الذي يؤثر فينا كثيرا هو عدم ثقتكم بنا ودعمكم لنا , فبرغم عدم مشاركتكم الساحات معنا إلاّ أننا وجدنا منكم إعراضا عنا وتشكيكا في نجاح ثورتنا , فلا أنتم بالذين ناصرتمونا ولا بالذين كففتم عنا أذاكم .! أما يكفينا كيانين كانا معنا بالمشاركة والتأييد ثم تناسوا جرائم النظام وأصبح هدفهم الجديد مهاجمة الثورة وتثبيط الثوار .. فهل اقتنعت بأن عليا لم يعد يحكمنا ؟ وأن الثورة حققت هدفها بإسقاطه وتبديد حلمه ودك جبروته .. فقال سالم : نوعا ما اقتنعت بوجهة نظركم وسيزيد اقتناعي برؤية أحجار الهرم تتهاوى في السجون جزاء وفاقا .

وهنا قاطعهما صوت شيخ كبير يجلس ورائهما : يا أبنائي كل ما يجري في البلاد اليوم إنما هو الرمق الأخير لنظام ينازع الموت ويقاوم هلاكه .. ألم تسمعوا بالمقولة القديمة في تداول الأنظمة وتعاقب الحكام عندنا . قالا : وما هي ؟. قال : يا ويل عدن من صنعاء ! فردوا معه بصوت واحد : ويا ويل صنعاء من دثينة .

* دثينة إقليم جنوبي في محافظة أبين أشهر مدنه مودية وهو بلاد الرئيس هادي وعدد من القيادات الأخرى كوزير الدفاع ومحمد علي والحسني وعلي ناصر وحسين عرب وغيرهم .

بقلم : أبو الحسنين محسن معيض

Abo.alhasn77@hotmail.com

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص