أعينوا ابن الجنوب على البناء

علم الله طيبة اليمنيين وصفاء قلوبهم ونبل سجاياهم ، فاصطفاهم وخصهم بميزات متعددة لم تكن لغيرهم ، فجعلهم الأنصار وخصهم ببقاء رسوله صلى الله عليه وسلم بين ظهرانيهم حتى وفاته ، وتوجهم بتاج الإيمان والحكمة ، لذا فلا غرابة أن تجد المكون الإيماني لليمنيين له خصوصية كبيرة تميزه عن سائر المسلمين في شتى أصقاع المعمورة ، حتى أن بعض الكتاب الغربيين تندر على كبير ارتباط اليمني بربه وقوة توكله عليه في عنونة أحد مقالاته بـ:( الله موجود في اليمن) ، ومع التطبيق العملي لأركان الإيمان الستة ، نجد اليمني يتفاعل تفاعل المؤمن التأم إيمانه مع الركن السادس المقتضي للإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره ، فكل ما يحدث للمسلم هو مقدر من الله ، مع التسليم أن بعض الابتلاءات بما صنعته أيدينا واكتسبته نفوسنا ، فكان مقدرا علينا بصنعينا ، وصبرنا يصيره نفعنا وفلاحا ، فأمر المؤمن كله خير.

ولحكمة ابتلينا بها كانت الأحداث العاصفة وسالت الدماء الطاهرة ؛ والتضحيات واردة لتحقيق سامي الغايات وكبرى القضايا والمهمات ، ونظرا لتعدد الأطراف والمصالح ، واختلاف الوجهات والطرق ، دخلت اليمن نفقها المعتم ، وبدأ المستقبل على جرف هار، وتسأل الكثيرون أين الإيمان والحكمة؟! وعاشوا في ذهول مما يرون ، فسجل الرئيس السابق أولى شهادات الحكمة - رغم تعرضه لمحاولة الاغتيال- وسلم السلطة وحُقنت دماء اليمنيين الغالية.

وكانت الرعاية الإلهية لشعب الإيمان والحكمة في اصطفاء قائد مرحلة التغيير التي بدأت عجلاتها في الدوران ، فكان الإجماع الشعبي والإقليمي والدولي على شخصه ، وجاءته الرئاسة منقادة ولم يسعى إليها بل صرح أنه لا يريدها ، وإن قبل بها مكرها ، وإذا تأملنا في سير الكثير من القادة على مر التاريخ نجد هذا الصوت: تأتيهم القيادة وهم لها كارهون ، فيتحقق على أيديهم ما يخلده التاريخ لهم.

عندما تحدث وسمعناه أول مرة بلكنته الصافية أصبنا بخيبة أمل ، ولكن بمتابعة قرارته بدأ التفاؤل يعود إلى نفوسنا رويدا رويدا ، وخاصة عندما وجدناه يحسن الصبر ويميل إلى العمل بصمت ، فتأتي قرارته حكيمة ، رغم أنه في بعض الأحيان يتعمد بعض الأطراف الكيد لآخر فينسب له أقوالا أو قرارات تكون غريبة بعيدة عن الحكمة ونستغرب صدورها ، لنكتشف ببعض الوقت أنها إشاعة لا تصح. وأن الحكمة لا زالت مصاحبة لموطن القيادة.

ولعل صدور القرار 104 وما تلاه من قرارات في ذات الشأن جسد الحكمة في أسمى معانيها ، فلم يك قرارا مراع ٍ لأفرادٍ ولكنه قرار نظر لليمن ، ومصلحة اليمن فقط ، بُني على دراسة استراتيجية ، واستعين في منظومته بخبرات محلية وأجنبية ، وصدر لتذويب بعض معيقات التسوية السياسية ، ومثَّل التمهيد العملي لبدأ المرحلة الثانية من المبادرة الخليجية ، وتهيئة الأرضية المناسبة لبدء مرحلة الحوار الوطني الشامل ، المتوقف على ضوء نتائجه المهمة الشكل العام للدولة اليمنية الحديثة دولة المؤسسات والنظام والقانون دولة المواطنة المتساوية ، بشفافيتها المطلقة وحكمها الرشيد.

إن هذا القرار الحكيم يترجم مصداقية ابن الجنوب في العمل الجاد على بناء اليمن ، وأنه ماض في كل ما من شانه إصلاح الاختلالات العسكرية والمدنية ، وأنه يهتم بالأفعال المثمرة ويحسنها أكثر من توقفه مع الأقوال التي لا طائل من ورائها ، لذا وجب على العقلاء والشرفاء الوقوف معه ، ومساندته بكل ما يعينه على السير بالوطن نحو الخروج من أزمته ، خاصة وقد ظهر في تعامله أنه إذا قال صدق وإذا وعد أوفى.

إن الوقت قصير والمهام كبيرة ، واليمن الآن دخل مرحلة البناء الوطني ، فكل من زعم الوطنية من كافة المكونات يجب عليه أن يكون سندا لابن الجنوب في البناء ، وهذا يتطلب التوقف عن الشخصنة في القرارات ، وكبح جماح المناكفات الإعلامية ، وإن لم نقل خيرا فلنصمت ، فاليمن أكبر وأغلى.  

بقلم : محمد عمر الضرير

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص