كم نفتقد هذا المعنى الجميل الذي يدل على اتزان وتوازن أصحابه، فالنظرة السوداوية لآحاد الناس وجماعاتهم، وتعمد نسيان فضائلهم ومواقفهم السالفة والحاضرة وعدم الفرز والتمييز بين خيرهم وشرهم لهو مدعاة لغمط وهضم حقوقهم بنسيان حسناتهم، ناهيك عن إنكارها وتعمد تشويهها، فقد أمرنا المولى بالعدل والإنصاف في حق من عادى فكيف إخواننا المسلمين أبناء جلدتنا، قال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) قال الإمام عطاء : (يقول لا تحابِ في شهادتك أهل ودك وقرابتك، ولا تمنع شهادتك أعداءك وأضدادك).
إن الاحتكاكات طبيعية بين البشر وسنة كونية، فقد تمتلئ النفوس بغضاً أو حقداً أو حسداً، لكن إيانا أن نسترسل في مساوئ الانتقام، ونسيان الحسنات، واللوغ في الغيبة والخصومة الفاجرة، فينبغي مجاهدة النفس بتكلف الحب والود وقول العدل، قال الإمام الزمخشري : (نهاهم أولاً أن تحملهم البغضاء على ترك العدل، ثم استأنف فصرح لهم بالأمر بالعدل تأكيداً وتشديداً، ونبه تنبيهاً عظيماً على أن وجوب العدل مع الكفار الذين هم أعداء الله إذا كان بهذه الصفة من القوة فمن باب أوجب يكن مع المؤمنين الذين هم أولياؤه وأحباؤه) فإن إنكار حسنات الآخرين شيء يسير على النفوس المرذولة، وما أصعبه على النفوس العلية والرفيعة التي تحسب للآخرين حسناتهم وأمورهم الخيرة، وتنسى كل فعل شائن منهم، فنفوس الخلق جبلت على الخير والشر، ولا يعزز الخير في النفوس إلا بذكر جميل الخير الذي فيها، وعدم إعانتها على الشرور التي فيها حتى لا تأخذها العزة بالإثم، فالحسن لا ينمو في مجتمعنا إلا بذكره ونشره وتعزيزه في النفوس بذكر فضائل الخلق حتى يعلم الخلق أن فعل الخير سهل وميسر فيستمروا عليه، قال تعالى : (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم * وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) .