لطالما ادعى السياسيون وصلاً بشعبٍ، والشعبُ لا يقرّ لهم بذاكَ ..
لطالما سمعنا شعارات (الشعب يريد)، و(الصندوق هو الحكم)، و(الديمقراطية هي تحقيق إرادة الصناديق)، وغيرها من الشعارات التي أكلت عليها آذان الشعوب وصمّت صباح مساء، ولكن حينما تقول الصناديقُ قولها، بل حينما تبدأ بالهمسِ لتشي بما في دواخلها، نبدأ بسماع نعيق العبارات (الديمقراطية ليست الصناديق)، (الشعوب أميّة وجاهلة وغير مثقفة ولا ينبغي أن تناقش أو يكون لها رأي في هكذا قضايا) والكثير من عبارات التنكّر لشعبٍ لطالما أكل السياسيون باسمه وشربوا ..
قد يكون الكلام أعلاه منطبقاً على المشهد المصري اليوم ! ولكن ما أخشاه أن يتكرر ذات المشهد - وليس الأمر ببعيد - في واقعنا في اليمن والجنوب وحضرموت، فهناك كثيرٌ ممن يرفعون شعارات (تقرير المصير) لشعب الجنوب كحقٍ كفلته وأقرته دساتير الدنيا لكل الشعوب، ولكن هل سيرضى هؤلاء بما ستفرزه صناديق الاستفتاء الشعبي غدا أياً كانت النتيجة ؟!، أم لابدّ أن يقول الشعب (ما نريد) لا (ما يريد) ؟؟!! ولا بدّ أن يفرز الصندوق ما في دواخلنا لا ما في داخله ؟!!!
ويبقى السؤال الأكثر مرارةً من سابقه والأكثر إلحاحاً في إجابةٍ صريحة وصادقة، هل في حال استحقاق تقرير المصير سيُخلّى بين الشعب وبين كلِّ صاحبِ رأيٍ وموقفٍ وخيار ليناقش رأيه وموقفه ويقدّمه للشعب بطريقة حضارية راقية، تجعل جميع الخيارات والمواقف متساوية أمام نظر الشعب وسمعه، تتنافس فيما بينها في تقديم الأفضل والأجود والأصدق، ليبقى للشعب بعد ذلك حق الاختيار من بين الخيارات المطروحة والمعروضة أمامه، أم ستمارس سلوكيات القمع والقهر والرعب والإرهاب لتحشر الشعب في زاوية واحدة ليس أمامه فيها سوا خيار واحد: (قل ما نريد !! أو ما نريد!!)، في سيناريو متكرر لمشهدٍ قديم متجدد ( لا صوت يعلو فوق صوت ......) ..
ما يدفعني لقول ذلك، أن الخيارات اليوم أمام الناس في حضرموت والجنوب واليمن أصبحت أكثر من أيّ وقتٍ مضى، فقد برزت للسطح خياراتٌ لم يجرؤ أحدٌ على الكلام عنها في سابق الوقت غير أنها وُضعت على الطاولة المحليّة والإقليمية والدوليّة بقوّة، وسمعت آذان الدنيا بقضايا لم تكن مسموعة من قبل، فهل سيُسمح للشعب بقول كلمته فيها بكل مصداقية وشفافية طالما الجميع يتغنى بالعبارة المشهورة ( الشعبُ يريد ) .. أم سيتم دفعه إلى أخذ ما يريد كيفما يريد ؟؟؟!!!
بقلم : الدكتور : عادل محمد باحميد