يُقال تعريفاً للمستشفيات في الموسوعات العلمية بأنها مكان لعلاج المرضى وتأهيلهم، وقد كانت تسمى في العصور الإسلامية الأولى البيمارستان، ومن الأولى أن تكون المستشفيات مجهزة بعيادات للأطباء وغرف للعمليات وغرف للإنعاش وغرف للمرضى عامة وخاصة، وفيها المختبرات وأقسام الأشعة وأقسام الطوارئ، ويعمل فيها الممرضون وفنيون أشعة وأخصائيون المختبرات، ويحتوي المشفى على العديد من الاختصاصات الداخلية والجراحية، و مما يتعين أن يمتلك العاملون فيها روحاً إنسانية فياضة إذ يسهرون على راحة المرضى ويحافظون على صحتهم ونفسياتهم حتى يتغلبوا على الأمراض .
وإن مما يبعث على الأسى والحزن حقاً أن نجد في مؤسساتنا الصحية مبدأ الإنسانية وروح الأخلاق الطبية والتعامل الحاني يكاد أن يندرس أو يغيب عن الأنظار، فمنذ وصولك إلى ردهات المستشفيات لا تحس بأية شعور للتعامل الإنساني، ولعل هذا الشعور تجده بادياً على نظرات المرضى والمرافقين لهم والزوار والمترددين من خلال نظراتهم المليئة بالحيرة والألم، وأزعم أنني لست ممن يشعر بذلك وحدي فقد لمسته شعوراً ومشافهة من كثير من البسطاء ممن لا يستحقون ـ في نظر العاملين ـ أية معاملة طيبة أو كلمة راقية أو حتى مجرد نظرة احترام لقيمة الروح التي يحملها أولائك الناس بين جنبيهم .
لقد عاينت بنفسي وشاهدت مرضى مرميين عند باب غرفة الطوارئ وقد امتلأت جوانبهم بالدم لكن أحداً لم يأبه لهم ولا يلتفت، بل تجدهم كذلك غارقين في هذه الحالة البائسة حتى قال لي أحدهم ممن مرّ بمثل هذه الظروف” المريض لا تُجرى له أية إجراءات في غرفة الطوارئ، ويبقى على حالته حتى يتم إحضار الرصيد أو الفاتورة الخاصة بالدخول!!”، أيّ إنسانية هذه التي تدع المريض يتألم مقابل رصيد لا يغني شيئاً بمقابل حياته التي لو ذهبت فكأنما ذهب الناس جميعاً .
حتى ولو ذهب المريض إلى الدار الآخرة عبر هذه البوابة الشاسعة، فإن جثته ستعاني أيضاً مع ما يصاحب ذويه من ألم على فقدانه و ما وصلت إليه حاله، إذ من الإكرام أن تُكرم الجثة ويُعنى قدر الإمكان بالجثمان، لكن مستشفياتنا وما فيها من ثلاجات للموتى تحتاج لصيانة دائمة، والصيانة هنا ليست على الوجه المطلوب والمأمول، فقد أصابها الموات الدائم لكثرة ما تتعامل مع الموتى، فأي إنسانية هذه التي تترك جثة من كان مريضاً على حافة التعفن لعدم اكتفاء تشبعها بالبرودة الكافية ؟! تجد الروائح الكريهة تعم المكان فمن أين أتت إن لم تأتِ من ضعف البرودة وانتشار الميكروبات .
الرعاية الصحية تحتاج لرعاية، يأتي الممرض مكفهر الوجه مقطب الجبين ليجري حقنة للمريض أو ليركب له مغذية، نعلم أن البسمة تمثل نصف العافية، فلو كان مبتسماً لآتت بسمته مفعولاً يتخطى ما يجعله في أجساد المرضى من أدوية وغذاءات، قلت لأحدهم لماذا أنتم هكذا، أجابني كيف نبتسم ونحن نعاني سوء التقدير من الإدارة .. لو أقررنا بسوء التعامل معهم نظراً للفساد المستشري وغياب المعايير الوظيفية في مؤسساتنا، فما ذنب هؤلاء المرضى لنحمّلهم تبعات نعانيه من كبت ؟! وهل من المبرر أن نفقد روح الإنسانية من دواخلنا التي يحتاجها المريض في أحرج الحالات لحاجات في أنفسنا نجدها على المدير فلان أو المسئول علان ؟!
سيُقال لأحدنا عند طرقه لمثل هذه الأمور لماذا لا ترون إلا السوء والسلبيات، ولا تُظهرون إلا نصف الكأس الفارغ، انظروا للإنجازات والتعمير والبناء الذي يجري على قدم وساق، فنقول: وما فائدة كل ذلك إن كان سيحوي هذه الأنفس الخالية من معاني الإنسانية والرحمة ؟! إنكم إن غيرتم البناء والعمران وصارت المباني على أحسن مظهر وأرقى إمكانيات فأنتم إلى تغيير نفسياتكم أولى، فالمريض لا يعنيه من كل ذلك شيء بقدر ما يعنيه من يحترم ذاته ويُشعره بالرحمة والطمأنينة والراحة .
رجاً قبل أن تغيروا ما يحيط بكم، غيروا ما بأنفسكم لأن الله سبحانه يقول لنا في محكم تنزيله : ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )
كفانا ما نعانيه من شظف العيش وسطوة الفساد، نحن بحاجة لمؤسسات صحية تقوم بحقوقنا، ونحن في ثقة أنها لن تفعل ذلك إن غابت عنها الأخلاقيات وأصبحت تعاني شحاً في البعد الإنساني .
بقلم: أحمد عمر باحمادي