حضرموت اليوم / سيئون / أ.محمد علي باحميد
اليوم لم يعد بيني وبين المرحوم بإذن الله تعالى حسن كرامة جواس إلاّ ذكرى أيام مرت ولن تعود أبداً، وحديثي عنه سيكون مجرد لقطات موجزة ومقتضبة لأنني لم احتك به كثيراً أو أزامله لسنوات ، فلقد عرفته أول ماعرفته مدرساً معي ورفيقاً لي بثانوية سيئون للبنين (ثانوية الأديب الصبان اليوم) وذلك في الأعوام الدراسية من 76/1977م وما بعدها ، وظلت معرفتي به معرفة سطحية ومن بعيد ، وكان أعز الأصدقاء له وقتها الأستاذ / عباس علي عقيل الذي ربطته به علاقة حميمية وخاصة أنهما يدرّسان مادة واحدة هي (مادة التاريخ) .
ثم عرفته يوم كان يمارس رياضة لعبة كرة القدم مع فريق نادي شباب الأهلي الرياضي بسيئون عندما كانت راية هذا النادي خفاقة تحركها رياح المنافسة الشديدة والشريفة بينه وبين نادي الأحقاف الثقافي الرياضي بسيئون والتي هبطت من ساريتها عندما مالت شمس الرياضة للغروب بعد الحملة المرتجلة لدمج الأندية الرياضية بالوادي عام 1976م حيث تركها وابتعد نهائياً عنها .
كما عرفته أيضاً من خلال ترددي على مكتب الإدارة العامة لوزارة التربية والتعليم بالوادي والصحراء ، ومن خلال بعض الاجتماعات التربوية التي جمعتني به أنه صاحب أخلاق عالية ، ويتمتع بشخصية تفرض على كل من يقترب منها ويزاملها أن يحترمها وأن يحبها، فهو ممن يحترم مهنته ويخلص لها ، ولهذا أصبح في هذه الإدارة ركناً في معظم اللجان التي يتم تعيينها لمناقشة الأوضاع التربوية والتعليمية بمدارس وادي حضرموت .
لقد كان يحرص على التفرغ لكل ما يتعلق بالبرامج التعليمية والدورات التربوية والزيارات الميدانية للمدارس المبثوثة في كل أنحاء وادي حضرموت الفسيح ، فهو من زمرة التربويين الذين اتقنوا عملهم وأخلصوا له ونجحوا فيه ، فالمثابرة والعمل المتواصل لازمان له طيلة سنوات عمله في الإدارة العامة للتربية والتعليم .
كان مهتماً بتأهيل المعلم وإعداده الإعداد الجيد ليكون أقدر على العطاء في ميدان العمل ، فهو كثيراً ما يشكو من نقص الكفاءة عند بعض المعلمين والمديرين مما كانت سبباً في كثير من المشكلات التي أعاقت تطوير البرامج التعليمية والمناهج ، ولهذا كان حريصاً على إعداد المعلم المربي الجيد لأن العوامل الأخرى من مبنى وتجهيزات ومناهج إذا لم يقف عليها معلم قادر على أداء مهامه فلن تحقق النتائج المرجوة منها .
إن جهد هذا الأستاذ يستحق كل التقدير والاحترام لما فيه من المثابرة والعمل الدؤوب والخبرة الواسعة ، وهو أستاذ لازمه الوقار والتواضع ، بل كان يعمل في هدوء ودون أي ضجيج ، وهو صاحب مظهر حسن فأخذ له من اسمه نصيب ، وكان محمود السيرة ، مستقيم المسلك في شخصه وفي عمله .
لقد اقتربت كثيراً من الأستاذ حسن جواس ، عندما أصبح سكني بحي (علم بدر) بسيئون بدلاً من منطقة مريمة ، فقد كنت أجلس معه في معظم ليالي الأسبوع على ناصية الشارع الممتد شرقي مسجد الإمام الشافعي وفي محاذاته تماماً ومعنا إخوة توطدت بيننا وبينهم الألفة والمودة وارتفعت الكلفة فيما بيننا يجمعنا الهم التربوي والتعليمي المشترك وهم الأخوة الأساتذة : حسين علي الصبان ، ميسرة علي سليمان ، عبداللاه محمد بارجاء ، فرج عوض طاحس ، حسين علوي كريسان ، ويشاطرنا هذا التكأكؤ المهندس حسين سالم بامخرمة بحكم موقع سكنه القريب من ذلك الموقع حيث استهواه لقائنا اليومي هذا فأصبح ثامننا لا يعلم عددنا هذا إلاّ قليل .
لقد كان ينادينا إلى هذه الناصية هواؤها النقي وهدوءها النسبي فنقضي الساعة والساعتين إلاّ قليلاً ، نتجاذب خلالها أطراف الحديث وفي مختلف المجالات ، وكنا نختلف والخلاف في الرأي طبيعة الحياة ، ولا تستقيم الحياة بدونه ، والغريب أن أغلبنا يعتبر السياسة طرقاً ملتوية لا يرغب أحد منا أن يسير فيها ، ولهذا فمعظمنا لم يدخل معتركها ولم ينتم إلى أي حزب سياسي معين ، كما لاحظت من خلال لقاءاتنا هذه أن أستاذنا عنده قدرة على أن يلوذ بالصمت إن لم يعجبه الحديث ، فهو يستمع إليك ولا يسمع، أما عندما يستهويه الحديث وخاصة عندما يتطرق لشئون التربية والتعليم وأوضاع المدارس والمعلمين فإنك ترى كل الأبواب قد تفتحت عنده ، فيسمعك قصصاً تثير الغرابة والدهشة .
وفي هذه اللقاءات كم طرحت على هؤلاء الإخوة بأن يحتفظوا لهم بأرشيف خاص يحفظ لهم ما يقومون به من نشاط في حقل التربية والتعليم ليتمكنوا بعد تقاعدهم من الكتابة عن تجربتهم في هذا الميدان وعن أوضاع ومسار التربية والتعليم في وادينا .
لقد أمد الله فقيدنا برباطة جأش وشجاعة وصبر في مواجهة المرض العضال الذي ألم به ، فهذا الإيمان بالله كان الركن الذي استند إليه فقيدنا في محنته ، فهو عندما يستأذننا في جلستنا المسائية تلك للمغادرة لتناول الحقنة المضادة لذلك المرض نبتهل عند تحركه إلى الله جميعاً بأن يمن عليه بالشفاء العاجل ، وأن يمنحه الصبر على تحمل تلك الشدة وذلك الصراع مع ذلك المرض ، مؤمن هو ومؤمنين نحن معه بأن (ما قرره الله لن يبطله أحد ، وأن ما أبرمه الله لن تنقضه يد بشر) .
إن لفقده حزن عميق في قلوبنا جميعاً ، سائلين المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته ، وأن يسكنه فسيح جناته ، وأن يلهم أهله وذويه الصبر والسلوان ، وإنا لله وإنا إليه راجعون .