حضرموت اليوم / سيئون / خاص
من حكمة الحكيم سبحانه وتعالى أن علق الحضارمة بالغربة وجعل رزقهم في أسفارهم حيث تحقق بذلك الكثير للأمة الإسلامية وللإنسانية جمعا أيديهم أكثر مما جنوه لبلادهم و لأنفسهم على الرغم من مشقة ذلك عليهم وعدم استفادة موطنهم من ذلك نسبياً , و لكن كل مسخر لما خلق له .
في ذلك نظم مركز ابن عبيدالله السقاف لخدمة التراث والمجتمع بمدينة سيؤون حلقة نقاش مفتوحة بعنوان ( الهجرة والاغتراب وعوائدها على الهوية والوطن ) ضمت عناصر متعددة التخصصات والتجارب والخبرات من مختلف مناطق الوادي الميمون , حققت مجتمعة ما يقرب إلى التكامل في طرح هذا الشأن مما فتح جوانب واسعة للنقاش و تعدد الروئ والفائدة.
وفي بداية النقاش نوه مدير الحلقة السيد محمد بن حسن السقاف إلى أهمية التعمق في فهم الهجرة والاغتراب و عوائدها على الهوية والوطن و أهمية استخلاص ذلك من خلال هجرات الحضارمة القديمة والحديثة إلى مختلف دول العالم وحضاراته المتباينة , وأكد في افتتاحيته للحلقة أنه ليس بالعاطفة نقول أن حضرموت إقليم غني بل غني جداً في تعدد ثرواتها الظاهرة والباطنة و أنها تمتلك مقومات القوة والقيادة و الإكتفاء , قل أن تجتمع معاً في إقليم واحد , وقد خص الله سبحانه وتعالى هذا الوادي الميمون المبارك بالعديد من صفات التفرد الحقيقي , لكن الله ابتلى أهله بحب الهجرة والاغتراب و لله في خلقه شؤون , وقد اعتمدت كثير من الدول القديمة والحديثة في بناء وترسيخ كياناتها ونهضتها على الحضارمة وكان ذلك على حساب موطنهم الأمر الذي جعل من حضرموت بيئة تصدير للعلماء والرجالات الأفذاذ الأمر الذي لا يتناسب بأي حال مع متغيرات و واقع العصر , وأكد على أهمية القناعة بذلك والعمل الجاد على بناء الإنسان والوطن وبغير ذلك لن يكون لنا أي شأن .
ومن جهته استعرض المؤرخ السيد جعفر بن محمد السقاف نبذ ومقتطفات من نماذج الهجرات الحضرمية المشرقة وممالك عظيمة أسسها الحضارمة لاتزال باقية بعضها و بين بالوثائق عمق و متانة الدور الحضرمي في العديد من دول العالم في مختلف مجالات الحياة الحيوية .
وفي مداخلة الأستاذ الدكتور محمد عاشور الكثيري أكد على أهمية التواصل و على وجه الخصوص مع العلماء و الأكاديميين و الأطباء و ذوي التخصصات العلمية الرفيعة من المغتربين وذي الأصول الحضرمية من مختلف دول العالم و إعداد آلية جذب و ترغيبهم في الزيارة و الاستفادة من خبراتهم و معارفهم و علومهم لإعادة الثقة و البناء , كما أكد الأستاذ الدكتور سالم بن قاضي على ذلك من خلال نماذج رائدة عايشها عن قرب في مشواره العلمي في العديد من دول أوربا وشرق آسيا وشغفهم لزيارة حضرموت , كما أنه يمكننا إعادة هيكلة الكيانات التعليمية بالتعاون مع عناصر رائدة وسباقة في هذا المضمار .
أما المقدم يسلم بن هادي قهمان توقف عند بعض من محطات اغترابه في إفريقيا حيث تعرف هناك على الشاعر الوطني سالم بن عبدالقادر العيدروس و باصالح الذي وجهه إلى بعض أبواب الرزق , وقد ركز الشيخ عمر بن قاضي الذي قضى ردحاً من الزمن في الاغتراب والتجوال وهو من رواد الصناعة على أهمية بناء الاقتصاد المتين وذلك بتأسيس الوحدات الاقتصادية الجماعية التي عهدتها و ازدهرت بها حضرموت في منتصف القرن الماضي , وفي تفاعل مع المناقشات قال الشاعر عوض صابر قصيدة منها:
إذا نويت الاغتراب
فقم بعينك للصواب
وكن شديد الاحتساب
للأجر قبل الاكتساب
فالحال أنت في انتداب
فكن معلم أو كتاب
وفي الختام خلص المتناقشون إلى رفع توصياتهم وندائهم إلى كل حضرمي و إلى من يحبون حضرموت و أهلها الأفاضل , في كل مكان نحن نحبكم ونحن أهل سلم وسلام وأمن وأمان وخير وقيم فساعدونا أن نكون كما كان أسلافنا لكم وللإنسانية مصابيح هدي وهداية و علم و صلاح وخير لنا ولكم فالتاريخ لم يذكر لنا إساءة لأحد , فنحن بحاجة إلى إعادة بناء الإنسان وعمارة الأرض ولنا عندكم من الشفاعة ما يليق بمكارمكم الرفيعة و المواضع تتبدل على الدوام.