حضرموت اليوم
/ سيئون / أيمن سالم زين باحميد
أكتب و انا ألهث .. و كأنني في رأس عمارة
عشرينية الأدوار ، بلغتُ قمتها مشيا على قدمي دون الاعتماد على المصعد الكهربائي
!!
أكتب و انا أبكي .. و أنا اتنهد من الأحشاء
.. و أنا أتصبب عرقا على الرغم من برودة الجو ..
لا أدري عن سر ذلك الشعور الذي يختلجني بأنك
موجود ، و كأني بك تقرأ ما اكتبه هنا ، فأنا لا اشعر بالوحدة و لا شاب شعر الرأس
مني و أحسبني الآن في انتظارك لتأخذني معك لحضور مجلس علم أو زيارة مريض أو أداء
واجب اجتماعي أو مؤانسة شيخ كبير و استئناس به .
رحمك الله يا أبتي يا أستاذي ، رحمك الله أيها
المربي الفاضل فأنت لم تكن بالنسبة لنا أبا عاديا و لم تكن علاقة الود و المحبة و الإعجاب
التي تربطنا بك في إطار العلاقة الفطرية بين كل أب و ابنه ، و لكنها تجاوزت ذلك
بكثير ، و السبب بكل بساطة انك لم تكن بالنسبة لنا اباً فحسب !! بل كنت ابا و
أستاذا و مرشدا و قدوة و رفيقا صالحا نبتاع منه أجود أنواع المسك .
لا زلت استعذب دفء راحتك و هي تمسك بسبابتي
الصغيرة ذات فجر ، لتجعلها تتابع ما تتلوه من القرآن الكريم ، و لازالت نبراتك
المتهدجة تملأ اذني و أنت ترد على أخطائي أثناء قراءتي في محراب حضرتك جزء من صحيح
البخاري و جانب من إحياء علوم الدين و العديد من كتب التزكية و علوم الدين ، قرأت
معك في كتب الأدب فقرأنا في النظرات للمنفلوطي و رحلنا مع العقاد في العبقريات ، و
مررنا بمقالات مارون عبود ، و مذكرات ميخائيل نعيمة و علي الطنطاوي ، و أرشدتنا
الى ديوان ابي الطيب و ابي فراس و من قبلهم أصحاب المعلقات ، حتى و صلنا الى شعر
شوقي و منه الى البردوني و عمر أبي ريشة و غيرها الكثير من كتب الشعر و الأدب و
النقد و المجلات السياسية و الفكرية و العلمية .
ما صحبتك في جولة من جولاتك إلاّ وذهلت من
عدد معارفك الذين يلقون عليك التحية في الطريق ، لا سيما أن أكثرهم ممن رسمت
الحياة تجاعيدها على و جوههم و سلبتهم مرارة العيش بريق ابتساماتهم ، كنت كبيرا و أنت
تمد إليهم يدك مبتسما و ترسل كلماتك كالبلسم على جراحهم و تدعو لهم بقلب مؤمن محسن
الظن بربه .
كنت مثالا حيّاً لنا و أنت لا ترد سائلا ، و
بفراسة المؤمن تبادر المتعففين ، و ما برحت روحك الزكية تعلمنا حتى آخر أيام عمرك
، فقد خنقتني العبرة و أنت في ساعتك الأخيرة تبين لي فضل إسباغ الوضوء على المكاره
، عندما طلبت منك ونحن في صنعاء التيمم نظرا لبرودة الماء و برودة الجو .
إن مواقفك الإنسانية و الإيمانية التي لا
تحصى تتوارى عن ناظري و أنا اكتب هذا المقال ، و كأنها تريد أن تحظى بالسرية كما
كنت تريد لها ان تكون ، فرحمك الله يا أبتي و أعاننا المولى على السير في نفس
الطريق ، و جعلنا خير خلف لخير سلف ، و أعدك يا أبتي ان نقر عينيك ما استطعنا الى
ذلك سبيلا ، و أن لا نتوقف عند سرد شمائلك و استعذاب رواية محاسنك ، فأنت من علمنا
قول الشاعر :
ليس الفتى من قال كان أبي *** إن الفتى من قال ها أنا ذا