المواطن رأس مال الوطن , ففي المجتمعات المتحضرة العادلة يقدسون هذا الإنسان المواطن .. يدللونه .. يُخضعون له كل الطاقات والثروات ويجعلونه تاجا على رؤوسهم , وعند أدنى تقصير في حقه تسقط حكومات وتستقيل قيادات ..
وفي بلدي المواطن هو سلعة المسئول ومطية الحاكم , يسمون ظلمه وأكل حقوقه انجازا تاريخيا , وأهانته وإذلاله ملحمة وطنية , يسخرون كل الإمكانيات لقهره فيجعلونه تحت الأقدام ، ومع كل امتهان لإنسانيته تحف حول الفاسدين جراد النفاق والتضليل وضفادع الكذب والتطبيل فيحيلون فسادهم نصرا وفخرا .
قبل أيام قرأنا عن مآساة الطالب المتوفى في تركيا , وعن طلب أسرته استلام جثته ليدفن في وطنه , فيصرح المسئول أنه لا يوجد لدى السفارة مستحقات مالية لمثل هذه الحالات !. وأكد القائم بالأعمال حاجته لتوكيل من أهل المتوفى حتى تتمكن السفارة من سحب المبالغ التي في حساب الطالب لدفع تكاليف نقل الجثة إلى اليمن !. في مثل هذه الحالة تبادر سفارات الدول المحترمة لدفع كل النفقات ومن أي بند كان ، أما سفاراتنا فليس لديها مستحقات لمثل هذه الحالات الإنسانية , بينما تتكدس أموال في بنود لا تُنفق في أوجهها الصحيحة ومع نهاية العام يتم تصفيتها لجيوبهم بأوراق وهمية , وهناك بنود للنثريات والطوارئ ومراسيم النفاق والإيتيكيت , أفلم يكن بالإمكان الصرف منها وتجنيب الوطن هذا التجريح .
ـ وفي خبر آخر تمكنت القوات الدولية من تحرير24 أسيرا بينهم 8 يمنيين دام حجزهم أكثر من عامين لدى قراصنة صوماليين , وقد طالب القراصنة الحكومة اليمنية بدفع مبلغ 5 ملايين دولار للإفراج عنهم فلم تستجب لهم ، وهنا نشد على يد حكومتنا عندما تجعل عدم مساومة الخاطفين والمعتدين مبدأ ثابتا لها ، ولكنها كثيرا قد ساومت سابقا وخضعت لقراصنة الجو والبر في قتل أبناء الوطن فكيف هنا لا تساوم من أجل حياته ! 5 ملايين لم نستطع إيجادها فتركناهم 3 أعوام في القهر والعذاب , ولكننا نجد بسهولة مستحقات لعلاج عائلة المسئول في الخارج من أبسط زكام وصداع , ونجد مستحقا ماليا لنشارك في مسابقات خارجية فنعود وقد تمرغنا بكل ألوان المذلة والخسارة , ونجد مستحقا لحفلات وطنية لنثبت للخارج أننا سعداء بينما نتجرع في الداخل كل أنواع الشقاء , ونجد مستحقا لنستورد مسدسات مع كاتم للصوت لقتل النفس البريئة ..
أحقا لم نجد مستحقا ماليا لفك أسر حينا وميتنا ؟ وهل سنجد يوما في وطننا مسئولا استقال أو حوسب على تقصيره وفساده ؟ لم نجد ذلك بعد ! لأن المواطن دائما هو المخطئ والمسئول على حق ، فمن قال للطالب أن يموت في تركيا , ومن طلب من البحارة العمل على متن السفينة المختطفة .
ـ الميت ليس من يقبع جسده في الثلاجة , لكن الميت الحقيقي من روحه محشورة في عنق الزجاجة .
بقلم : أبو الحسنين محسن معيض