حضرموت اليوم / سيئون / محمد علي باحميد
افتتح في مركز بلفقيه الثقافي بالمكلا يوم الثلاثاء 20/مارس/2012م وبعد انقطاع طويل معرض متواضع للفن التشكيلي شارك فيه رسامون لا يتجاوز عددهم عدد أصابع اليد الواحدة بست عشرة لوحة تقريباً يتقدم أولئك الرسامين المشاركين الأخ الفنان صالح الشبيبي الذي وجه لي الدعوة لزيارة هذا المعرض، والذي كما بدا لي أنه هو الذي سعى وبذل الجهد في إقامته وتنظيمه في وقت افتقدنا فيه ولسنوات طويلة تنظيم مثل هذا النوع من المعارض في محافظتنا حضرموت، وكانت لوحاته المشارك بها الأكثر بروزاً .. وتقنية، فالرجل ظل عاشقاً لممارسة الرسم الذي دفعه إلى الاستمرار فيه، فله مني كل الشكر والثناء والتقدير .
جاء افتتاح ذلك المعرض في اليوم الذي تلبدت فيه سماء حضرموت بساحلها وواديها بالغيوم وسحب التراب الكثيفة مما تسببت في ضعف الإقبال عليه من قبل الجمهور كعامل ثانوي في نظري، أما السبب الأساسي في عدم إقبال الناس عليه هو بُعد مركز بلفقيه الثقافي عن مواقع سكن الناس وتجمعهم، فهو قائم في أرض فلاه، وبالتحديد في منتصف الطريق الممتد بين المكلا ومنطقة فوة، والعادة هي أن مثل هذه المعارض هي التي تذهب إلى الناس بدلاً من ذهابهم هم إليها وخاصة أن الجمهور المتذوق لمثل هذا الفن محدود العدد جداً، بل إن هذا النوع من المعارض يُسحب الناس في بلادي إليها بالسلاسل، فعندما دخلت هذا المعرض لم يكن معي سوى ثلاثة زوار لا رابع لهم .
كما لاحظت أن الرسامين الأوائل والذين تعج بهم مدينة المكلا لم يتجابوا مع هذا المعرض ولم يشاركوا فيه بما لديهم من لوحات فنية محفوظة لديهم منذ أمد بعيد، فقد كنت أتوقع أن أقف أمام أركان عديدة لفنانين كبار أمثال : حسنون، وحسن بخيت، وبن شعب، والخلاقي، وفيصل بن طالب، وغيرهم من الذين علا شأنهم في هذا الفن، أو أمام طابور طويل من اللوحات المنتمية إلى مدارس فنية مختلفة ذات موضوعات متعددة.
لقد أرسل هذا المعرض صيحة تحذير لما آل إليه وضع حركة الفن التشكيلي في حضرموت، ومما يمكن أن يصبح وضعها أكثر تدنياً في السنوات المقبلة، لقد أصيبت هذه الحركة بضمور وجمود وأفول وغياب تام نتيجة عدم الاهتمام بها في مدارسنا ومن قبل المؤسسات الثقافية المسئولة عنها، ونتيجة المبررات الدينية التي أسقطها البعض عليها عن جهل.. صحيح أن الإسلام حرم الرسوم الآدمية والحيوانية لكن هناك مجالات أخرى يمكن العمل والتعامل معها وهي : (الطبيعة الصامتة) و(رسم النبات) والزخارف بمختلف أنواعها (الهندسية، والنباتية، والخطية) ورسم (المناظر الطبيعية) وغيرها، فالفن التشكيلي واسع الحركة وحرية التعبير فيه مطلقة، بعكس فن الخط العربي الذي يخضع لقواعد وضوابط محددة يجب أن يتقيد ويلتزم بها الممارس لمثل هذا النوع من الفن .
إن مدارسنا اليوم أصبحت بيئة كئيبة فهي لا تلعب الدور المطلوب في تنمية المواهب الفنية وغرس الذائقة الفنية عند تلاميذها وطلابها ورعايتهم في هذا المجال، فبعد أن كانت مادة التربية الفنية تحتل مكانها المرموق في جدول الحصص الأسبوعي للمدارس كبقية المواد ووضع لها درجة تضاف إلى المجموع الكلي لدرجات المواد الدراسية الأخرى إذا بنا نلغي هذه المادة في مدارسنا ونضعف الحماس نحوها مما جعل هذه المادة أكثر إهمالاً ومهانة مما دفع بمدرسي مواد الرياضيات والعلوم يسطون عليها .
إن القباحة التي تعج بها كراريس تلاميذنا وطلابنا اليوم وغياب التنسيق والتنظيم والخط الحسن فيها هو عائد كله لعدم تنمية الحس الفني لديهم، وعدم غرس بذور الذوق والتذوق فيهم في المراحل الدراسية الأولى، فنحن لم ننتبه ولن ننتبه لما آلت إليه حياتنا الثقافية والفنية والتي أصبحت تتمحور حول مقايل القات والدخان التي أحاط بها شباب اليوم .
وبالرغم من هذا الوضع الكئيب الذي تعيشه حياتنا الفنية إلا أنني شاهدت سطوع بريق أمل في احتضان ورعاية أولئك الموهوبين من شبابنا عندما أتيحت لي الفرصة في يوم من الأيام أن أقف أمام نشاط مدارس الارتقاء الأهلية بسيئون المتمثل في إقامتها مركزاً لهم يمارسون فيه كل النشاطات الفنية من رسم وغناء وموسيقى وتمثيل ومهارات متعددة ومختلفة وفي كافة العلوم، أسأل الله أن يوفق القائمين على ذلك المركز في كل ما يصبون إليه من أجل خدمة وتطوير وتأهيل هذه الأجيال الناشئة التي يجب عليها أن تنتبه لقيمة مثل هذه المراكز التي تهدف إلى تطوير مهارات الفرد وقدراته ومواهبه المتنوعة .