حضرموت اليوم / متابعات
التسامح والتصالح مبدأ إسلامي وإنساني عظيم لا يصدر إلا من نفوس نبيلة تسامت فآثرت عدم الأخذ بحقها وجنحت الى العفو والتسامح مع من ظلمها وهي رتبة لا يصل إليها الا العظماء اذ تتسامى عن الجروح وتترفع عن الانتقام لا تطلب من ذلك أجرا ولا تبتغي بذلك الا وجه ربها , (فمن عفى وأصلح فأجره على الله), وفي تأريخ اليمن مرت فترات دموية استحل فيها اليمنيون دماء بعضهم فسالت الدماء بغزارة وحين عادت العقول الى رشدها كان لابد من التسامح والتصالح اذ لا بديل عنهما الا الاقتتال الى ما لا نهاية غير ان هذا التسامح بمعناه الحقيقي لم يحصل بعد لا في شمال الوطن او في جنوبه غير ان تاريخ اليمن المعاصر تتبدى فيه ملامح تبشر بانعقاد التسامح والتصالح في فترتين غير ان ما شابهما من ممارسات وأخطاء يخشى ان تبعدهما عن مسار التسامح والتصالح الحقيقي ٠فحين انطلقت ثورة الشباب السلمية كان الشعب يؤمل أن يبدأ عهدا جديدا عنوانه التسامح والتصالح بين كل أبناء اليمن غير ان عنجهية وعنف النظام وجبروته حطمت كل الآمال وكادت ان تدخل البلد في دوامة من العنف لا منتهى لها فكان ان تدخلت دول العالم بمبادرة جنبت فيها اليمن من الدخول في أتون الحرب وكان شرطها ان يعطى المخلوع صالح الحصانة مقابل تسليم السلطة وترك العمل السياسي فبادرت الأحزاب السياسية مرغمة الى التوقيع عليها بينما رفضها شباب التغيير في عموم اليمن وفي جنوب الوطن بادرت كيانات الحراك في بداية نشأتها الى رفع مبدأ التصالح والتسامح وهو شبيه بالحصانة التي أعطيت للمخلوع صالح مقابل ان يتسامى الجميع عن الجروح ويفتحوا صفحة جديدة للمستقبل غير ان ذلك حتى الآن لم يزل كلاما يردد على الشفاه ومهرجانات تعقد كل سنة في ذكرى 13/ يناير دون وثيقة او شروط او تطبيق التسامح كسلوك على ارض الواقع ولعل الخطأ الأكبر ان يتم القبول بمن تلطخت أيديهم بالدماء ان يعودوا للحكم مرة أخرى وهو ما لا ينبغي لان تجريب المجرب عسر مرتين وكان الأحرى بطرفي النزاع في يناير ان يبادروا من ذات أنفسهم لإعلان اعتزالهم العمل السياسي على الأقل تطييبا لنفوس عشرات الآلاف من اسر الضحايا الذي قضوا نحبهم في تلك الأحداث المؤلمة وهو ما لم يبادر به احد منهم حتى الآن وفي اقل الأحوال اعتذارا يوجه للشعب .
ان التصالح والتسامح يتنافى مع التحريض وزرع البغضاء والحقد في قلوب الأجيال للآخرين وعندما تلقي نظرة في صفحات الفيس بوك ستصاب بالصداع من غثاء الألسن وثقافة الحقد والكراهية التي تنذر بالخطر على الحاضر قبل المستقبل فكل من يخالف الحراك في رأيه عميل ومندس وخائن ..الخ
التسامح يتنافى مع توزيع الاتهامات سرا وجهرا وصناعة الموت وتعبئة الجماهير بثقافة الإلغاء والإقصاء ورفض الآخر ان ثقافة العنف التي يمهد لها بتجنيد الشباب وتدريبهم في معسكرات وتلقينهم ثقافة التكبير المحلية هي الضربة القاصمة لمبدأ التصالح والتسامح والعودة بالوطن نحو مربع المآسي بنفس المبررات والأدوات التسامح ليس مهرجانا يتم فيه رفع صور من كانوا سببا في المأساة وتستعرض فيه العضلات بكثرة الأنصار التسامح يعني القبول بالآخر مهما اختلف معهم في الرأي فاين الحراك من ذلك ولم يقبل بعضهم بعضا ناهيك عن القبول بالآخرين التصالح والتسامح سلوك يظهر في الواقع وليس شعارات تردد على الأفواه ومهرجانات ترفع فيها شعارات تناقض التصالح والتسامح .
من يعفو عمن وأين حق المظلومين في الحصول على العدالة الاجتماعية في جبر المتضررين وهل قبلوا بذالك تساؤلات كثيرة اطرحها لعلها تجد آذانا صاغية غير أنني اكتفي بوضع بعض الملاحظات:
١_التسامح مبدأ إسلامي إنساني عظيم لا يمكن تجزئته او منحه لفئة دون أخرى وان كان تسامحا حقيقيا فيجب ان يشمل مآسي وسلبيات الماضي وحتى اليوم .
٢_ اغلب المتورطين في مأساة يناير لم يصدر منهم اعتذار حتى الآن ولذا فلا يصح لهم ان يتكلموا عن التسامح والتصالح .
٣_ مجرد الوقوف عند التسامح والتصالح لا يكفي بل يجب معرفة الأسباب التي أدت اليها لأخذ العبرة وعدم تكرار الأخطاء .
٤_ عدم القبول بالآخر وفرض الوصاية على الجنوب من قبل بعض قوى الحراك يتنافى مطلقا مع مبدأ التصالح والتسامح
٥_ التسامح سلوك وليس مجرد مهرجان يتم فيه رفع أعلام الجنوب وقذف الآخرين بأقذع الألفاظ ومختلف التهم.
٦_ ان تجتمع كل قيادات ما كان يسمى بالزمرة والطغمة وتخرج بوثيقة تعلن فيها تسامحها وتصالحها واعتزالها العمل السياسي أجدى من مئة ألف مهرجان ومليون بيان أو تصريح.
بقلم : علي الأسمر / عدن اون لاين