من غير المنطقي أن ندّعي بتبنينا لمبدأ التصالح والتسامح ثم ترانا نعادي كل القوى الخيّرة التي تسعى لإيصال الوطن إلى حال أفضل مما هو عليه الآن .
ليس كافياً أن أبني حول نفسي سياجاً منيعاً من التآلف والتصالح والتسامح الحقيقي لا المزيف الموهوم ثم لا أشيع ما بنيته ليشمل بعطائه الآخرين، فإنني إن فعلتُ ذلك كنت كمن يتناول وجبة دسمة في بيته الفاره ويترك جاره ومن بقربه يتضورون جوعاً ويعانون عناء العوز والمسكنة .
استغربتُ كثيراً من فشوّ ثقافات التخوين والعمالة وانتشارها حولنا في أيام نحن أحوج ما نكون فيها لرص الصفوف والعمل بروح تكاملية حتى وإن اختلفنا في الآراء، وتباينت الأفكار وتعددت وسائل العمل لدى كل منا في ساحات النضال والتحرر .
لا أستطيع أن أتخيل أن أبناء الأرض الواحدة والمحافظة الواحدة يقتتلون فيما بينهم أو يشيع بعضهم أجواء التوتر والاحتقان والتهديد بإفشال فعاليات الآخر في مشهد مأساوي يوحي للآخرين أنهم بحالهم التي هم عليها لن يصلوا لأيّ شيء ولم ولن يحققوا أية مكاسب تذكر .
نحن الحضارم نغضب إن وُصفنا بتسيد روح الحقد والحسد في قلوبنا، ولكننا في الوقت ذاته نكرس ما يعتقده الآخرون عنا بممارساتنا وأفعالنا المنكرة، ومن يلقي نظرة سريعة على التفاعليه في مواقع التواصل يرى مقدار ما نكنّه لبعضنا البعض من كره وبغضاء وصلت لحد أن يتلفظ بعض المثقفين وذوي العقول النيرة بألفاظ تترفع عن النطق بها الحيوانات والعجماوات .
لا بدّ لنا من وقفة محاسبة مع أنفسنا، ولا بدّ من محطات تأمل وتفكر في حالنا المزري، وهل نحن بحاجة حقاً لتسامح وإن كنا كذلك هل نحن مستعدّون كمال الاستعداد أن نسير في دربه قائمين بشروطه وكل ما ينبغيه التصالح والتسامح أم أنها أقاويل نتشدق بها صباح مساء ثم نرى مدى التشرذم الذي وصل حدا تجزيء الجزء الواحد .
أشفق كثيراً على شعب أدمن التصفيق لجلاديه، وعقمت أرحامه أن تُخرج للساحات قادة ملهمين تجري في شرايينهم دماء جديدة فوارة شابة تُعيد للوطن عزته وكرامته المسلوبة، وتحيي ما اندثر من أمجاده على يد ثلة من المجرمين المتفيدين .
هؤلاء المجرمون لا يزالون يطلّون علينا بين الفينة والأخرى ليعزفوا ألحان مصالحهم الذاتية وشهواتهم الآنية على أوتار معاناتنا ومآسينا التي لم تنته منذ أن ظهروا على وجه البيسطة ينشرون الخوف والذعر بين الآمنين، هؤلاء ما فتئوا يخططون بإمعان ليسكبوا اللبن المسكوب، وليتهم يسكبون لبناً مسكوباً بل سكبوا أشلاءً ودماءً غزيرة لا يمكن أن تُنسى أو تتلاشى بمرور الوقت والتقادم، أحداث تذكرنا بها الأيام التي نعيش لحظاتها المليئة باللامعقول من الوحشية وانعدام الرحمة .
يكفيكم أيها المتخاذلون سكوتاً بل وتصفيقاً في بلاهة وسذاجة، انفضوا عن كواهلكم غبار التبعية والإمّعة، واعرفوا عمّن تأخذون أبجديات نضالاتكم من أجل القضاء على الاستبداد والفساد، ووازنوا بين خير الخيرين وشر الشرين واجعلوا بوصلات الحدس في عمل دائم وإلا عشتم متخبطين كالسفينة في عرض بحر متلاطم نهايتها البائسة المعروفة صخور سوداء مدببة تُنهي مأساتها فيما تبقى لها من هذه الحياة .
بقلم:أحمد عمر باحمادي