كنت أتصفح في الانترنت وأتنقل بين المواقع الإخبارية وأقرأ الأخبار وما نشر على صفحات التواصل الاجتماعي ( الفيس بك ) فخطر على بالي أن استخرج قلمي واحضر ورقة لأكتب ما كان يدور في خاطري عن مفهوم التسامح والتصالح وخاصة عندما كانت تُنشر بعض المنشورات وتدعوا الى عدم التسامح والتصالح مع المجرمين ، فإذا بي أجد من سبقوني وكتبوا عن ذلك المفهوم العظيم واقصد التسامح والتصالح ، بل وسردوا الآيات والأحاديث التي تدل على وجوبه بل وكتبوا على انه هو المبدأ العظيم الذي تعلمه المسلمون من سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، يوم أن قال لأعدائه من الكفار الذين أخرجوه وطردوه هو والمسلمون من أرضهم ( مكة ) بل ونهبوا أموالهم و قتلوا المسلمين وكان على رأس أعدائه أبي سفيان وزوجته هند التي مثلت بجثتي عمه حمزة ابن عبد المطلب بعد أن قتله وحشي ، فقال لهم صلى الله عليه وسلم .. أذهبوا فانتم الطلقاء .. وقال من دخل بيت أبي سفيان فهو آمن ، وكان النبي وقتها يمتلك القوة والقدرة على الانتقام منهم .
ليس المهم من يكتب أولاً المهم هو هل نحن نؤمن بما نكتب ؟؟ وهل نحن مستعدون للاقتداء بما كتبنا وخاصة العمل بما جاء في الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي نستشهد بها كدليل قوي على التسامح والتصالح ؟؟ حتى وان كان سيكلفنا الكثير والكثير ، أغلب قروبات الأخوة في الحراك الجنوبي امتلأت بالتحدث عن التسامح والتصالح هذه الأيام و الأجمل من ذلك احتوائها على الكثير من الآيات القرآنية بدلاً من أن كانت تنشر ما يدعوا الى التناحر والاقتتال فيما بين أبناء.. لا أقول البلد الواحد ولا المحافظة الواحدة بل أبناء البيت الواحد في الأسرة الواحدة .
علينا ونحن نكتب ونستشهد بهذه الآيات { مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا وَكَانَ اللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقِيتاً }النساء85 قال الإمام القرطبي رحمه الله: "من شفع شفاعة حسنة لصلح بين اثنين ، استوجب الأجر وقال سبحانه :{ وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }البقرة وقال تعالى { فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ}(85) سورة الحجر.
وقال تعالى { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (134) سورة آل عمران
وكثيرة هي الآيات التي توضح لنا مفهوم التصالح والتسامح كقوله : فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون ( 43 89) ص 314 ) ، وقوله : فأعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره . . . . الآية [ 2 109 ] .. إلى غير ذلك من الآيات ، يجب علينا ان نستشعر وجوب الامتثال لكلام الله تعالى لا أن نكتب تلك الآيات في أيام معدودات ثم نرميها خلف ظهورنا ولا نمتثلها في سلوكنا اليومي .
مفهوم التصالح والتسامح هو واجب ديني وأخلاقي وسلوك إنساني حضاري راقٍ ليس حكرا لقوم على قوم أو ان يقتصر على ان يكون داخل جماعه او حركة او حزب بين الأفراد والقيادات فقط ، هذا فهم خاطئ وقاصر عند من يفهم التسامح والتصالح كذلك ، هل أدرك كل من استشهد بالآيات القرآنية السابقة أو غيرها أن التسامح والتصالح يكون بين جميع المسلمين بعضهم البعض وبين المسلمين ومن عادهم من الكفار الغير محاربين مع التمسك بديننا كاملاً ولا نتنازل عن أي شيء مقابل التسامح والتصالح مع الكفار ؟ .
أليس غريبا أن نتسامح ونتصالح مع المجرمين والقتلة وننسى أن نتسامح ونتصالح مع من اختلفنا معه في الرأي والطريقة لحل القضية الجنوبية وليس بيننا وبينهم دماء ، أليس من السهل أن نفعل ذلك ونحن نحتفل هذه الأيام بالتسامح والتصالح مع الذين قتلوا وارتكبوا الجرائم في حق الجنوبيين في 13 يناير 1986 ، وفي حرب 94 و قتل شباب ثورة التغيير 2011، وإن كنت أنا مع القصاص لان في القصاص حياة كما قال تعالى { وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلباب } القصاص هو عقاب لمرتكب الذنب كما حدد في كتاب الله وسنة النبي والشريعة الإسلامية باجتهاد علمائها ، فالقاتل يقتل .. والسارق تقطع يده .. والزاني يجلد وغيره من العقوبات التي يجب أن تطبق لكي يسود العدل والقانون .
قال ابن كثير : في قتل القاتل حكمة عظيمة ، وهي بقاء المنهج وصونها ، لأنه إذا علم القاتل أنه يقتل أنكف عن صنيعه ، فكان في ذلك حياة للنفوس.
وفي القصاص حياة على معناها الأشمل .. فالاعتداء على حياة فرد اعتداء على الحياة كلها ، فإذا كف القصاص الجاني عن إزهاق حياة واحدة ، فقد كفه عن الاعتداء على الحياة كلها ، إذا القصاص حكم شرعي وهو لا يتعارض مع مفهوم التسامح والتصالح ، فالقصاص فمن حق ولي الدم أن يختار بين القصاص او أن يسامح ويعفوا عن الجاني ، وأم الجميع من حقهم ان يتسامحوا ويتصالحوا في الحق العام ، والعجيب في أخوتنا في الحراك أنهم يحتفلون كل سنة بالتسامح والتصالح وبعدها يعودون لبث الفرقة والتشاحن بل والاعتداء على الآخرين المخالفين لهم في الرأي حتى من هم اقرب لهم ( أصحاب الفدرالية بإقليمين ) وهنا أضع تساؤلات :
هل من حق الجنوبيين أن يسامحوا من قتل الجنوبيين في 13 يناير أو هو من حق أولياء الدم الذين قتل آبائهم أو إخوانهم في 13 يناير ؟ هل مبدأ التسامح والتصالح مرهون بوقت معين ؟ ولا يجوز في أوقات أخرى؟ وهل مبدأ التسامح والتصالح يتفق مع دعوات فك الارتباط أو الانفصال ؟ لماذا نحتفل بمناسبة التسامح والتصالح ومازالت القلوب تحمل الحقد والبغض للآخرين ؟ لماذا يستنكر الحراكيون على أحزاب اللقاء المشترك حينما أعطوا علي عبد الله صالح الحصانة ليحقنوا دماء اليمنيين وان يخرجوه من السياسة ، بينما قيادات الحراك اليوم يعطون الحصانة لمن قتل الجنوبيين في 13 يناير بل ويدعونهم ليحكموا من جديد ؟ وهل هناك فرق بين الحصانة و التسامح والتصالح ؟
هناك الكثير من الأخوة في الحراك الجنوبي عندما تضع له مثل هذه الأسئلة .. يقول لك نحن تسامحنا تصالحنا أي أن الشعب الذي تسامح وتصالح ولا علاقة لنا بالقيادات !! و تستغرب من كلامه حينما ترى أن الشعب الجنوبي منقسم ، بل الحراك الجنوبي منقسم في مسيرات ومهرجانات التسامح والتصالح !! وأنا أقول من الذي قتل من في 13 يناير هل الشعب الجنوبي هو من قتل الشعب الجنوبي أو ان الشعب الجنوبي هو الذي تأمر لقتل القيادات الاشتراكية الحاكمة سابقا ؟ و كيف لا علاقة لكم بالقيادات وانتم ترفعون صورهم في مهرجاناتكم ومسيراتكم ولم ترفعوا صور شهداء 13 يناير 1986 م .
ربما اختم بقوله تعالى { إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون }
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } وهنا لا أريد أن أقف طويل مع هذه الآية في شرحها وتوضيح ما جاء فيها كاملاً فهي معلومة للجميع والكل يعرف تفسيرها أو اغلبنا ، كثيرا ما سمعنا البعض يستدل بها على الوحدة في قوله { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا } وأقول الاجتماع والاعتصام بحبل الله لن يكون الا بالتسامح والتصالح ، ولكن البعض الآخر يرد عليهم بهجوم شرس بقوله انتم تلعبون بالدين وتفصلونه على مقاساتكم وأهدافكم ومصالحكم ، وكأن هذه الآية ليس من القرآن الكريم الذي استدلوا بآياته على التسامح والتصالح ، فقط أريد أن أقف مع هذه الآية كونها دليل آخر على التسامح والتصالح .
هنا أقف معكم في قوله تعالى { واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء } أي يقتل بعضكم بعضا ، ويأخذ بعضكم مال بعض ، حتى إن القبيلة يعادي بعضهم بعضا ، وأهل البلد الواحد يقع بينهم التعادي والاقتتال ، وكانوا في شر عظيم ، وهذه حالة العرب قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فلما بعثه الله وآمنوا به واجتمعوا على الإسلام وتآلفت قلوبهم على الإيمان كانوا كالشخص الواحد ، من تآلف قلوبهم وموالاة بعضهم لبعض ، ولهذا قال: { فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار } أي: قد استحقيتم النار ولم يبق بينكم وبينها إلا أن تموتوا فتدخلوها { فأنقذكم منها } بما مَنَّ عليكم من الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ، { كذلك يبين الله لكم آياته } أي: يوضحها ويفسرها، ويبين لكم الحق من الباطل، والهدى من الضلال { لعلكم تهتدون } بمعرفة الحق والعمل به.
وأحب أن أقول شيء حتى لا يفهم قصدي خطأ .. أنا لا مع الوحدة التي وقعها علي سالم البيض مع علي عبد الله صالح دون العودة الى شعوبهم وهي التي فتحت الباب للفاسدين أن ينهبوا ثروات وأراضي الجنوبيين ، ولا أنا مع الانفصال الذي أعلن بدون الرجوع للشعب الجنوبي مثل التوقيع على اتفاقية الوحدة عام 90 وهو الذي جرنا الى حرب 94 لتقتل أبناء الجنوب وأبناء الشمال ، أنا مع التسامح والتصالح والبحث عن حلٍ عادلٍ يرضي كل الأطراف وان ينبثق من شريعة الله ومن مصدريها القرآن والسنة مثل ما أوجدنا الآيات التي تدل على وجوب التسامح والتصالح ، فمن المؤكد إننا سنجد حلاً عادلاً في كتاب الله تعالى لقضيتنا الجنوبية والقضايا الوطنية الأخرى .. قال تعالى { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } [6]. وقوله سبحانه وتعالى{ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } [7]، فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به)).
بقلم : أشـــرف دومـــان