وفي التسامح والتصالح .. بين الناس خير ولكن !!

فعاليات التسامح والتصالح التي شهدتها العاصمة عدن قبل أسبوع ، في ذكرى ذاك اليوم الدامي المشؤم " 13 يناير" وسط حشود جماهيرية لم يشهد الجنوب مثلها، ولا ينكرها إلاّ منافق، وقد رّجح الكثير نجاح ذلك المهرجان إلى (توجيهات القيادة السياسية ، بتوفير كل السبل لإنجاحه ، بل والمشاركة فيها ) .. وحتى يعرف جيل اليوم حقيقة تلك الصراعات التي يسمعون بها ( دوافعها - أطرافها - مجرياتها ).. لابد من إظهار حقائقها.

إن تلك الصراعات الدموية التي حصلت في الماضي بين تياري اليسار( رفاق الدرب ) قد لا يتصور جرائمها وبشاعتها البعض ، واليوم جاء هذا التسامح والتصالح من أجل أن يمحوا آثارها من النفوس ، وقد اندلعت هذه الصراعات مرتان: في عام 1978م ، بين تيار الرئيس سالمين - صاحب الشعبية الكبيرة - وتيار عبد الفتاح إسماعيل - الذي يعض بالنواجذ على الاشتراكية العلمية والعلاقات مع السوفييت -، ورغم أن سالمين ُأعطي عهداً بالأمان من قبل أحد كبار القادة السياسيين العسكريين المناضلين - أثناء الكفاح المسلح - إلاّ أنه اُعدم غدراً ، وانتصر تيار عبد الفتاح المسمى {بالقيادة الجماعية} ، - بعد اتهامات وتصنيفات متبادلة -، وُصنف أيضاً سالمين وأصحابه { باليسار الانتهازي }، وجاء في إحدى الصحف إن سالمين كان يتكلم بشجاعة مطلقة لحظة إعدامه في ساحة (معسكر فتح) بالتواهي ، منادياً الذي أعدمه قائلا له: (اليوم في صدورنا وبكرة في صدوركم ) ، وبعد هذه الصراعات عُوقب من عُوقب وهُمش من هُمش وُقتل من قتل .

وبعد انقضى ثمان سنوات من تلك الحرب ، وفي يوم الاثنين الثالث عشر من يناير عام 1986م وفي (الساعة العاشرة والدقيقة العشرين صباحاً ) اندلعت ثانية هذه الأحداث الدامية الانتقامية الوحشية بين تيار (علي ناصر) - الذي يحظى باحترام الدول المجاورة ، وصاحب السياسة المعتدلة ، والمتهم من خصومه بتوسيع العلاقات مع الأسواق الرأسمالية – ، وبين تيار عبد الفتاح إسماعيل - صاحب التوجه الاشتراكي المحض .

وُيذكر أن من أعدم سالين ، ُقتل مع بعض رفاقه - وبنفس الطريقة التي قُتل بها سالمين- ، داخل قاعة المكتب السياسي التي دُشنت بها تلك الحرب ، وقد نتج عن هذه الحرب :

* َقتل أكثر من عشرة آلاف في أيام قلائل ، وتشرد ( أصحاب الزمرة ) بقيادة علي ناصر خارج الوطن ، حيث حسمت هذه الحرب ، بسلاح المدرعات الموالي لعبد الفتاح ، ويقال: أن الدبابات دخلت شارع العلا وهي تحمل صور الرئيس علي ناصر"خدعةً" - وسط تحية وهتافات المواطنين - كون علي ناصر يتمتع بشعبية كبيرة لا سيما داخل العاصمة عدن .

* ُقتل أيضاً "49" من قيادات وكوادر الحزب - حسب البلاغ الصحفي اللجنة المركزية ( 24/1/1986م)، وكذا تدمير المنشئات والأحياء السكنية .

* أصدر المكتب السياسي للحزب الاشتراكي ، قراراً بطرد علي ناصر من الحزب وتجريده من كافة مناصبه الحزبية والرسمية ، وتقديمه للمحاكمة بعد اتهامه باقتراف جرائم ، مع عشرين من رفاقه.

* أقر مجلس الشعب آنذاكً رفع الحصانة عن علي ناصر وأربعة عشر من رفاقه وإحالتهم للتحقيق.

* تم هيكلة اللجنة المركزية والمكتب السياسي ، كما أصدرت اللجنة المركزية بلاغاً صحفياً{26/2/1986م}أكدت من خلاله، إصرار الحزب على تعميق وتطوير علاقاته الحزبية والكفاحية مع الأحزاب الشيوعية والعمالية ، والتأكيد أيضاً على تنفيذ الاتفاقيات والبرتوكوليات والتعاون مع بلدان المنظومة الاشتراكية ، والحفاظ على مبادئ الأممية البروليتالية .

وأثناء هذه الحرب الدامية أنكى كل طرف نكاية شديدة في الطرف الآخر، حتى أنه ُقتل الكثير من الأبرياء بطريقة وحشية بمجرد أنهم يحملون بطاقات تثبت أنهم من هذه المحافظة أو تلك ، واستخدمت في القتل طرق بشعة ، وكذا التمثيل بالجثث بطريقة أقشعرت منها الأبدان ، - ولا يتصورها العقل الإنساني - .

أما فيما يتعلق بالأطراف المباشرة المتقاتلة ، فهذه الحروب الدموية دارت رحاها أساساً بين {{ أبناء المحافظة الثانية (م/ لحج) و المحافظة الثالثة (م/ أبين ) }} كونهما تمثلان القطبين الكبيرين القويين للقيادات السياسية في الجنوب ، ومن ناصر أيضاً هذا القطب أو ذاك من المحافظات الجنوبية الأخرى وهم قلة جداً .

ويعلم الذين عاصروا تلك الفترة إن هاتين المحافظتين تمثلان الغالبية الساحقة في الجيش اليمني ، بسبب {تكوينهما الاجتماعي }، الأمر الذي جعل مدنيين من تلك المحافظتين يشاركون في هذه الصراعات مناصرة

منهم للمناطقية والدفاع عن قادتها -، أما حضرموت فكانت ضحاياها القلة القليلة والقليلة لاسيما من المجندين الأبرياء - ضحايا الأوامر الحمقاء غير الواعية -، وقد ُزج بمدنيين من حضرموت ( كقوات احتياط) في تلك الأحداث التي لا حول لهم فيها ولا قوة .

لا شك إن أي تسامح يكون في الأصل : {بين من تنازع وتصارع وتقاتل لا غير}، وفداءاً للقضية الجنوبية ، يؤكد اليوم أبناء هاتين المحافظتين تسامحهم وتصالحهم لما حصل بينهم بالماضي ولِمَحو آثاره ، وهذا أمر طيب - لا يختلف عليه عاقلان - وقد بارك الكثير من أبناء الجنوب هذا التسامح والتصالح في تجمعاتهم الحاشدة تلك ، ولعل أبناء الجنوب يريدون أولاً توجيه من خلالها رسائل إلى القيادة السياسية وللعالم اجمع ، وللذين يشككون في أمر هذه القضية والشعب الجنوبي ، ولكن هناك أسئلة واستفسارات تطرح نفسها:-

* يرى البعض أن الثورة الجنوبية لا خلاف عليها ، ولكن ربما الخلاف على قيادتها وصراعاتهم على المناصب ، لاسيما وأن هذه الصراعات ألقت بظلالها سلباً على الشارع الجنوبي ، وأنشطة وفعاليات الحراك ، وما حصل داخل المهرجان الأخير من خلافات حول التربع على منصة المهرجان ، وكذا عدم تغطية قناة (عدن لايف) كل ما يدور بداخل هذه المنصة لوجود قادة لا ترغب فيها إدارة هذه القناة ، بل ركزت كاميراتها كثيراً على الحشود الجماهيرية.

* عقلاء القضية الجنوبية.. هل يهمهم اليوم حقيقة ، أن يتسامح أبناء الجنوب عامة فيما بينهم ، بسبب اختلاف وجهات النظر- البارزة اليوم في الساحة الجنوبية - ، أم أنه يكفي أن يتسامح ويتصالح كل من تقاتل في الماضي ، ويباركهم أبناء المحافظات الجنوبية الأخرى وقضي الأمر؟!!، ولو لم تكن هذه المحافظات طرفاً في هذه الصراعات ، لا سيما المجتمع الحضرمي الذي يختلف كثيراً في تكويناته الاجتماعية والثقافية عن هذه المحافظات الجنوبية المتصارعة في كل المراحل ، الأمر الذي جعل البعض يشكك في حقيقة التصالح هذا.

* لمصلحة من أطلاق ثقافة التخوين والتجريم ، وتحريض الشباب - المندفع.. المتحمس - بالاعتداء ضد كل من يخالفهم ؟، وهل سيكون التسامح سلوك واقعي ، أم أنه شعار يطلق لجاجة في .....؟!

* قد يتهمني البعض بأنني أثير الماضي الأليم ، ولكن طالما أنني عاصرته ، أرى ضرورة أن يفهم حقيقته هذا الجيل حتى لا يكون إمعة ، مع أنني أؤمن بأن التسامح والتصالح بين الناس خير ، وبلا شك أنه من روح ديننا الإسلامي الحنيف ولا ينكر ذلك إلاّ (ضعيف الإيمان) ، ولكن هل سامح حقا ًبقية أولياء الدم بالجنوب، { ضحايا الحماقة والهمجية}، من غير تلك المحافظتين ، لاسيما وأن بعض أولياء الدم لم يبدوا مسامحتهم بل قالت أحد أولياء الدم في وسائل الإعلام ربما سنسامح ولكن لم نسامح القيادة السياسية ! .

* هل يريد حقاً ( أصحاب القضية ) المحافظة على روح الأخوة والتسامح (الجنوبي الجنوبي ) ، وإيجاد الدولة المدنية الديمقراطية الحضارية التي ينادون بها؟ ، وهل ما يمارسه شباب الحراك اليوم يتماشى مع روح السلمية والمدنية هذه ؟، أم أنهم يحنون لثقافة الماضي ، لأن تعاملاتهم مع من يخالفهم داخل المجتمع الجنوبي اليوم ، يوحي وكأنهم رموا عبر الحائط - بما ينادون به اليوم -، وأخذوا على عاتقهم نضال فترة السبعينيات وآلياتها وشعاراتها {{ بانعادي كل من يعادينا ( يخالفنا) بلقي .........وجنبية ما يهمنا ............بلقي كما ما القى عنتر وشيبوب -- لا صوت يعلوا فوق -- بالعنف الثوري والدم الأحمر .....وووو}}.

وإذا كان عقلاء القضية لا يهمهم ذلك النوع من التسامح ، ويتعاملون هكذا مع من يخالفهم الجنوب فكيف سيتعاملون معهم بعد التحرير؟! .. أتمنى الخير ، والأمن والأمان للجميع ، ولمجتمعي الحضرمي خاصة ...

بقلم : الأستاذ / سعيد بن زيلع

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص