أشرقت الدنيا بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ، وانزاحت ظلمة الجهل ، واندحرت صولة الطغاة ، واخضرت الأرض وازينت ، وارتوى الناس بعد الظمأ ، وفاحت البشارات في إرجاء الدنيا ؛ من إهلاك أصحاب الفيل ، وإهلاك الطواغيت ، وولادة فجر العدالة والحرية .
بعثة محمد صلى الله عليه وسلم رحمة وأمان لقريش إذ اجتمعت كلمتهم بعد هلاك الطواغيت كأبرهة الأشرم ، كما أهلك الله أصحاب الفيل لكي تتعلق القلوب برب البيت الذي أهلك الجبابرة ، واجتماع النفوس على نصرة المظلوم كان ممهداً لدعوته الشاملة التي جاء بها إذ دخل حلف الفضول منذ صغره مع المشركين انتصاراً
للعدالة على الظلم وقال ( لَوْ دُعِيت إِلَى مِثْله فِي الْإِسْلَام لأَجَبْت) .
إن الشعوب والأمم لتفتخر وتعتز برموزها ، وأمة الإسلام لا رموز لها ولا قداسة أرضية إلا رمز واحد جعله الله إماما وزعيماً لنا (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) ، عند الناس زعماء يرفعون صورهم ويعظمونهم ولكنهم فجرة وسفكة للدماء وتاريخهم أسود ، وطغاة في الأموال ، وزعيمنا وقائدنا محمد صلى الله عليه وسلم يحمل النور والحق والعدل والطهارة والنزاهة .
تجلى مولد الهادي وعمت ** بشائره البوادي والقضايا
وأهدت للبرية بنت وهب ** يداً بيضاء طوقت الرقابا
لقد ولدته وهاجاً منيراً ** كما تلد السماوات الشهابا
ونشأ صلى الله عليه وسلم يتيماً فقيراً صبوراً محتسباً ، ويبلغ الخامسة والعشرين من عمره فيصير مضرب المثل في قومه صدقاً وأمانةً وعدلاً وحياءً ، ولكن بعد أن جاء بالرسالة خونوه لا لشخصه وإنما بما جاء به من فكر ومبادئ ، وقالوا ساحر وشاعر وكاهن وكاذب ومجنون ( فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ) ، ورموه في عرضه ، ما باله بالأمس أمين صادق وفي مخلص واليوم أصبح مجنونا كذابا خائنا ساحراً ، وهكذا أصحاب المبادئ وأتباع الرسالة المحمدية من بعده وحملة منهجه يوصفون بالكذب والخيانة والحقارة ، وربما يؤذون كما أؤذي النبي صلى الله عليه وسلم في الطائف عندما رموه الصبيان بالحجارة ، ما ذنبهم إلا أنهم ثابتون على مبادئهم ويحاربون الفساد والظلم كما حاربه قائدهم محمد صلى الله عليه وسلم .
انطلق صلى الله عليه وسلم يبلغ الدعوة رغم الصعاب يدعو قومه ليخرجهم من الظلمات إلى النور ، حتى أصبح أتباعه اليوم ملياراً ، ودينه اليوم يعلو في أصقاع الدنيا وينتصر على الأفكار الدخيلة على أمة الإسلام .
الشيوعية كان لها مليار فانسحقت قبل سنوات لأن الحق هو الذي ينتصر والباطل يمحق .
محبة النبي صلى الله عليه وسلم لا تجعلنا نغلو في حبه وننحاز عن الصواب فقد قال الحبيب صلى الله عليه وسلم ( لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح بن مريم ، وإنما أنا عبد الله ورسوله ، فقولوا عبد الله ورسوله) .
يبقى رسول الله إماماً وزعيماً لمن أراد أن يكون إمامه ، إماماً لأهل الصلاة والخير والصدق والأمانة والإخلاص ولأولياء الله ، أما الأشقياء فلهم أئمة ، وأما الأدعياء فلهم قادة ، فاختر لنفسك زعيماً تحشر معه يوم القيامة ( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ) وإمام الأخيار محمد صلى الله عليه وسلم .
بقلم : محمد سعيد باوزير *
----------------------------------------
* مدير تحرير صحيفة شبام