حكام الإمارات وإخوان مصر..المغلوب في مواجهة المنتصر

الاسلام منهج للإيمان والعمل ،وهو كل متكامل،شامل لجميع جوانب الحياة الانسانية تأصيلاً لقواعد سيرها السليم وكينونتها الصحيحة على المستويين النظري والعملي،فكراً وممارسة، بل وفي احيان كثيرة تفصيل لتلك القواعد.

غير أنّ النظر الى الاسلام والاخذ به يتميّز الى نوعين:

الاول: يأخذ الإسلام،دين ودولة،إيمان وعمل،عبادة وسياسة،لا بل السياسة عنده عمل تعبدي وهي عنده بما لا يخالف جوهر الاسلام ومقاصديته.

الثاني: يأخذ من الإسلام،يذهب ينتقي منه ما يناسبه ولا يتعارض مع مصالحه الذاتية وميوله الاخلاقية ومنهجه الذي اعتاده في التعامل بتنوعه: سياسي،اقتصادي،اجتماعي ،ثقافي،...الخ.

ويتوزع على هذين النوعين الحكومات والجماعات والمنظمات والمؤسسات الاسلامية والاحزاب والافراد . فينتمي الى النوع الاول من الدول :تركيا العدالة والتنمية و مصر الحرية والعدالة و تونس النهضة وماليزيا مهاتير محمد وانور ابراهيم ،ومن الجماعات والمنظمات :الاخوان المسلمين و الجماعة الاسلامية بباكستان وجمعية احياء التراث الكويتية بقيادة الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق و جبهة الانقاذ الجزائرية بقيادة عباس مدني و علي بلحاج وحزب الامة الكويتي وحزب الرشاد السلفي اليمني،ومن الافراد عدد من المفكرين و الكتاب المستقلين مثل: محمد اقبال و الدكتور محمد عمارة و الدكتور سلمان العودة و الدكتور عائض القرني و الدكتور طارق سويدان و المهندس مرشح الرئاسة اليمني السابق فيصل بن شملان ،و بعض السلفيين في الطريق ..

وينتمي الى النوع الثاني من الدول :المملكة العربية السعودية المتبنية للتيار السلفي المنتمي لمدرسة الامام محمد عبدالوهاب الذي لا يرى علمائه اليوم تأسيس الاحزاب ولا الديمقراطية ولا المظاهرات السلمية استاجة للحاكم الذي يرى هذا خطر على وجوده في السلطة ويرونه هم كرت مرور لتيار الاخوان المسلمين الى السلطة محل(ولي الامر) ،ومعظم الدول العربية و الاسلامية من هذا النوع مع اختلاف في تفضيلاتهم :تصوّف،إباضية،تشيع اثنى عشري ،سلفي، ومن الجماعات والمنظمات : التيار السلفي في السعودية ،السروريين، جماعة الدعوة والتبليغ و أهل التصوف الطقوسي في اليمن و مصر و المملكة المغربية ،ومن الاحزاب :حزب التحرير و احزاب الناصريين ،ومن الافراد افراد التيار العلماني الجزئي وبعض السلفيين في اليمن والافراد المعجبين بفكر تنظيم القاعدة .

و كل مسلم فقه اسلامه كنعمة فانه لا يقبل ان ينتقصها حاكم ،او قائد متواطئ من أجل مصلحة النخبة الحاكمة ،حاكم يود الاستئثار ،او يواصل استئثاره ،بالسلطة والثروة دون بقية الخلق الذين يتساوى معهم كمخلوق وليس من حقه الاستئثار بالثروات التي جعلها الله تعالى في ارض الوطن لأبنائه كافة لا فرق بينهم الا بقدر ما يقدمونه من خدمة للمجموع وكل بقدر حاجته الحقيقية التي لا تعني الاستئثار ولا الاحتكار .

الامارات العربية المتحدة كحكومة تندرج في النموذج الثاني مثلها مثل جميع حكومات العرب قبل الربيع العربي كأقل تقدير... وهي تتبنى (التصوف) البعيد عن غمار السياسة والحكم ،كخط اسلامي اوّل الى جانب بعض الخط السلفي ليوفرا قسط من التدين لا يتصل بالسياسة الا تأييدا للحاكم ،وفي ذات الوقت ترفض وتضيق بتيار الاخوان المسلمين الذي يأخذ الاسلام بشموليته،ويتضح هذا التبني والرفض،مثلاً من خلال مجلة (منار الاسلام) الشهرية الصادرة عن وزارة العدل والشؤن الاسلامية والاوقاف بالدولة فهي في الوقت الذي تخلو فيه من أي اقلام اخوانية رغم جهد كتاب الاخوان في المجالات الاسلامية عامة،وقد طالعت لغرض هذا المقال 18 عدد مجموع محتويات مكتبتي الشخصية منها ،الا انها تحفل بغيرهم وتجد من مواضيعها: ما هي البدعة،العمومية والمساواة في التعليم عند المحدثين ،الرسائل اللغوية في تفسير غريب الحديث وتأويل مختلفه،حجية السنة المطهرة،وخلال تصفحي وجدت فتاوى للشيخ الدكتور يوسف القرضاوي في عدد سبتمبر 2001م على اربع صفحات وهي زاوية يتناوب الإجابة فيها عدد من العلماء ،و في عرض لكتاب بعنوان((معالم هادية على طريق الدعوة الاسلامية)) قرأت في عدد 26 ابريل 1990م من مجلة منار الاسلام :((لعل ابرز ما يؤخذ على الحركة السلفية التي اتبعت منهج ابن تيمية و محمد بن عبدالوهاب ،هو استنساخها للتفاصيل الدقيقة التي كانت في منهج هذين العالمين حتى تحولت في فهم و واقع هؤلاء الى اصول ،في حين انحسرت الاصول والمقاصد و أخذت مكاناً أقل أهمية من الناحية العملية من الفروع)) ،والاهم من محتوى مجلة منار الاسلام كدلالة على اختيار الحكومة الاسلامي تجد الاستضافات الدائمة لرواد التصوف ،بغض النظر عن محتواه الحقيقي،امثال الشيخ علي زين العابدين الجفري و الشيخ عمر بن حفيظ ...

و منذ حلول الربيع العربي في ديسمبر 2010م انطلاقاً من تونس فمصر فاليمن فليبيا فسوريا ،اصبح الانتقائيين من الحكام يواجهون ازمة حادة ومفترق خطير وذلك في ظل متغيرين اثنين :

أ ـ وصول تيار الاخوان المسلمين ،المؤمنين والمؤسسين لدعوة الاخذ بالإسلام كل لا يتجزأ،الى السلطة .

ب ـ اقتناع متزايد اوساط التيار السلفي في بلدان الربيع العربي ،بتأسيس الاحزاب و خوض الانتخابات بانواعها،وهذا يعني انه غدا عملياً يأخذ بشمول الاسلام .

وفي سبيل وقف المد الاخواني نجد ملايين الدولارات الامريكية مع دس الانف كل هذا كان مبذولاً ،ولا يزال،من حكام الامارات المغلوبين حتى يحولوا بين الاخوان المسلمين والوصول الى حكم مصر،كان جهدهم في البداية منصباً في الحفاظ على حكم ونظام حسني مبارك باعتبار زواله في ظل ثورة شعبية يعني احلال الديمقراطية مكان حكمه الفردي الاستبدادي المتخلف وهذا يعني احتمالية كبرى لوصول الاخوان الى حكم مصر و اولئك الحكام يعادون الاخوان المسلمين كونهم حلفاء للرئيس مبارك وفي ذات الوقت خصوم لتيار الاخوان المسلمين الحركي الذي يقف من اجل الاستمساك حقاً بالشريعة الاسلامية عقيدة وشريعة وحكام الامارات المغلوبين لا يريدون من الاسلام الا القشور في احسن الاحوال فهم مندمجين في مشروع يهدف الى ابعاد الامة عن اخلاقها الفاضلة وقيمها السامية و روحيتها الصافية لتنغمس في اوحال الدنيا وهو كذلك يخشون الاسلام الذي يمنع الحكم الوراثي ويخشون انسيابية فكر الاخوان المسلمين وتنظيمهم في اوساط الشعب كونه الاقرب الى فطرة الشعب المسلم الذي لم يتفلت بعد كما يريد اولئك الحكام من اعتزازه بقيمه واخلاقه الاسلامية ومن احترامه واعلائه للمتمسكين بالإسلام ويضاف الى هذا تأثير المد الشيعي في الامارات الذي يعتبر الاخوان المسلمين الحائط السُني الاكبر الذي يقف في وجه تمدده وتوسعه في الامارات وفي سواها.

وبعد سقوط مبارك ونظامه اصطف حكام الامارات بملايين الدولارات خلف المجلس العسكري ليحول بين الاخوان والسلطة دون جدوى ثم دعموا احمد شفيق في حملته في الانتخابات الرئاسية بجولتيها مالياً واعلامياً وسقط احمد شفيق وفاز بالأغلبية مرشح حزب الحرية والعدالة الاخواني الدكتور محمد مرسي،غادر الخاسر شفيق مصر تواً وكانت وجهته دبي،وهي وجهة مفضلة لشخوص وحسابات المتضررين من الربيع العربي عموما،ثم جاءت معركة الدستور و بذل حكام الامارات المغلوبين ممثلين في رئيس وزراء الدولة محمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي وصنيعته قائد شرطة دبي ضاحي خلفان تميم و كانت الخيبة للجهد الاماراتي فجاءت قضية المعتقلين العشرة من المصريين المقيمين والمنتمين الى الاخوان المسلمين واصرار الامارات على لسان محمد بن راشد على محاكمتهم كحيلة أخيرة للنيل من الاخوان المسلمين في مصر .

خصومة حكام الامارات للإخوان وخوفهم منهم ليسا وليدا اليوم ،وهذه ثلاث محطات هي الاهم في تاريخ هذه العلاقة:

الأولى: حل جمعية الاصلاح في دبي:

اصدرت حكومة الامارات ممثلة بوزير العمل و الشؤون الاجتماعية سيف علي الجروان قرار وزاري بتاريخ 27 نوفمبر 1994م وبدأ تنفيذه في 10 ديسمبر1994م قضى بحل مجلس ادارة جمعية الاصلاح والتوجيه الاجتماعي في دبي وتعيين مجلس مؤقت من قبل وزارته وقد اشار القرار الى أن المصلحة العامة بدولة الامارات اقتضت حل مجلس ادارة الجمعية،وجمعية الاصلاح الاماراتية اسسها الاخوان المسلمين بالإمارات عام 1394هـ الموافق 1974م بترخيص حكومي في عهد راشد بن سعيد آل مكتوم ((تهدف الى اصلاح حال المسلمين في شتى النواحي والمجالات )) بحسب الامين العام للجمعية الشيخ محمد صالح الريس الذي اضاف لمجلة الاصلاح الصادرة عن الجمعية العدد 317 /8 ديسمبر 1994م ان من اهدافها(( اصلاح النفس وتزكيتها ليكون المسلم صحيح العقيدة ومتين الخلق ومثقف الفكر )) وهو تعبير مقتبس من احد عبارات الامام حسن البناء المؤسس لجماعة الاخوان المسلمين ،وقد كان شعارها (( ان اريد الا الاصلاح ما استطعت)) وهو شعار مأخوذ من آية قرآنية حث عليه الامام حسن البناء في رسالته ((هل نحن قوم عمليون)) بقوله ((وشعار كل عامل من العاملين : إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب .))،وبحسب مجلة الاخوان المسلمين الشهيرة (الدعوة )العدد 32 /2يناير 1995م /فان الجمعية ((مارست دوراً هاماً في الاصلاح التربوي والفكري والثقافي والاجتماعي داخل وخارج الامارات )).وقد اعربت حينها منظمة ((ليبرتي))للدفاع عن الحريات في العالم الاسلامي عن شديد اسفها واستنكارها لإجراء حكومة دولة الامارات العربية المتحدة المتخذ بحق الجمعية وقالت ليبرتي في بيان لها: ((انه في الوقت الذي تتوجه فيه امم الارض الى تبني المزيد من الاجراءات الديمقراطية،والى الاعتراف بحق الافراد والجماعات في تشكيل الهيئات والمؤسسات المستقلة ؛تسير حكومة الامارات في الاتجاه المعاكس مكرسة سياسة مصادرة الحريات وتغييب دور الشعب)) واعتبرت ليبرتي ان حل مجلس ادارة الجمعية المنتخب واستبدال مجلس معين من الحكومة مكانه يعني تأميم هذه المؤسسة وتعطيلها تماماً..وطالبت حكومة دولة الامارات بالتراجع عن إجرائها ((اللاديمقراطي واللادستوري))..انظر تقرير قضايا دولية الاسبوعي العدد 262/9 يناير 1995م.

ويبدو ان الاخوان المسلمين وفي ظل منع تأسيس الاحزاب السياسية في دول الخليج العربي اتجهوا لتأسيس الجمعيات الخيرية كوسيلة للتواصل المنظم مع المجتمع والقيام في الوقت ذاته بأداء خدمة دعوية وانسانية في داخل الوطن وخارجه، فبالإضافة الى جمعية الاصلاح الاماراتية هناك اخرى سابقة لها كويتية في مطلع الستينات واخرى لاحقة بحرينية عام 1980م و كان ممن حضر حفل افتتاح مقرها عام 1983 وفدين رفيعين من جمعيتا الاصلاح الكويتية والاماراتية و الدكتور يوسف القرضاوي،بل وفي اليمن اسس الاخوان المسلمين جمعية الاصلاح الاجتماعي الخيرية في مطلع عام 1990م .

ثانياً: توقيف مجلة الإصلاح الاسبوعية التي تصدرها جمعية الاصلاح الاماراتية منذ مارس 1978م كشهرية ثم تحولت اسبوعية منذ 5 ديسمبر1991م ،وقد توقفت بعد قرار حل مجلس ادارة الجمعية،وكان يرأس تحرير المجلة محمد بن رحمة العامري وصدر منها نحو 317 عدد ،وقد كانت، الى جانب مجلة المجتمع الصادرة عن جمعية الاصلاح الكويتية ،من المجلات الاسلامية القليلة المنتظرة كل اسبوع عند قطاع واسع من شباب الصحوة الاسلامية وغيرهم،وهي مجلة ترصد وتحلل الاحداث السياسية ويكتب فيها نخبة من الكتاب المنتمين الى الاخوان المسلمين مثل محمد الراشد و محمد يتيم من المغرب و الشيخ جاسم بن مهلهل الياسين والدكتور علي الحمادي من الكويت و من مصر الاستاذ مختار نوح المحامي والدكتور السيد نوح والشيخ محمد عبدالله الخطيب المفتي الرسمي لجماعة الاخوان المسلمين و احمد منصور والدكتور كمال الهلباوي ،ومن العراق اللواء الركن محمود شيت خطاب ..

ثالثاً: اعتقال وسجن الداعية محمد الراشد :في تزامن مع القرار وفي خطوة تشير الى خطة ممنهجة لدولة الامارات ضد تيار الاخوان المسلمين وبعد 48 يوم اقدم جهاز امن الدولة في الامارات على اعتقال الداعية العراقي المفكر الاخواني الابرز عبدالمنعم صالح العلي العزي المشهور بمحمد الراشد صاحب المنطلق والرقائق والعوائق وقد كان مقيماً في امارة الشارقة منذ عام 1981م التي قدم اليها خبيراً للبحوث في وزارة الأوقاف والشؤون الاسلامية ثم متفرغاً للبحث والكتابة ومديراً لدار نشر بالشارقة،وقد داهمت قوات امن الدولة منزله مساء الاثنين 16 يناير 1995م وقامت باعتقاله ومصادرة كافة وثائقه الشخصية والمخطوطات والوثائق الشخصية ومكتبته بطريقة استفزازية،مع تحذير اهله نشر خبر اعتقاله،وقد تم نقله الى المقر الرئيسي لجهاز أمن الدولة في أبوظبي. وقامت قوة امنية اخرى بمداهمة منزل السيد عبدالجليل علوان وهو عراقي يعمل سكرتيراً للمنتدى الاسلامي في امارة الشارقة وصادرت كافة اوراقه الخاصة ومكتبته وهو احد المقربين من الشيخ محمد الراشد،وقد ناشد الحزب الاسلامي المعارض الذي كان حينها يتخذ من لندن مقراً له ،مناشدة للشيخ زايد بن سلطان للتدخل لإطلاق سراح الشيخ الراشد.

وقد استمر اعتقال الراشد من 16 يناير 1995م وحتى الاسبوع الاخير من نوفمبر 1996م ودون أن يراه او يتمكن من الاتصال به احد ودون ان توجه له تهمة محددة .

وفي الوقت الذي يزيد فيه الهجوم على تيار الاخوان المسلمين من خصومه من الحكام و المفكرين والكتاب الليبراليين الا انه يتقدم بثبات ويحقق المزيد من الانتصارات ويحظى بمزيد القبول من الدوائر الغربية البراجماتية التي تتعامل مع هذا التيار باعتباره امر واقع وكأنه المارد قد خرج من قمقمه وافلت من عقاله.

بقلم: مرعي حميد

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص