سطرت في مقالة سابقة ، أن كثيرا من أُسر وعائلات حضرموت الوادي تشد الرحال أيام الأعياد والمناسبات العائلية إلي مدينة العشق والسحر والجمال المكلا متنقلة بين سيف فوه إلي كورنيش المحضار وخور المكلا لتنعم بساحل بحر العرب وتدفن هموم سنوات كاملة في رماله وتبث أشواقها وعواطفها عند كل موجة جزر ومد ، لحظات تسرق فيها بعضا من الرومانسية المفقودة والتقارب العائلي الغائب في كثير من بيوتاتنا المتهم الأول فيها مشاغل العمل وهموم المعيشة ومشاكل الأولاد .
وإن وصفت المكلا بمدينة العشق والسحر والجمال ربما وصفي هذا لا يحسه ولا يشعر به كثيرا من أهلها وساكنيها كونهم اعتادوا على رؤية التفاصيل الدقيقة لجسم معشوقتهم وبالتالي سيطرت عليهم طبيعة العادة في رؤية كل شيء عادي ولا يستحق الالتفات إليه والاهتمام به ولعلهم لا يدركون أن لمدينة المكلا ومدنيتها تأثير قوي على مدن حضرموت كلها ، فإن صلحت ، صلحت كل المدن ولهذا نرى كثيرا من السلوكيات والعادات الخارجة عن البيئة المكلاوية المعروفة بها ماضيا قد تمكنت من بعض الأسر تماشيا مع عصرنة المدن حتى بعض شبابها لا شُغل شاغلهم سوى التقليد المستورد الذي يمحو هوية الإنسان الحضرمي ويجرده من أدبه وفنه وتراثه وأصبحنا نشك أن إسداء المعروف وراءه مصلحة وما ذاك إلا إنسلاخ عن تقاليدنا وأخلاقنا التي توارثناها منذ عقود وضيعها البعض في أيام وبالرغم من إعتمادي على مركبتي في المواصلات غير أنني استعين بباصات الأجرة لالتقاط ما تقوله أفواه الناس ولقد هزموني فشعار سكوتهم ( لا أتكلم لا اسمع لا أرى ) غير أنني توقفت كثيرا عند الثقافة السوقية الدخيلة لبعض سائقي باصات الأجرة التي تخرج من أفواههم كلمات غير محترمة حالة تعاملهم مع الركاب من كبار السن وكذلك ما تسمعه من الأغنيات لمطربين خليجيين وهي ظاهرة خطيرة ستترك أثارها السلبية على الفن الحضرمي ليس هذا فقط بل أن الكثير من المصطلحات للدول المجاورة أخذت تسيطر على بعض الشباب وأصبح حديثهم باللهجة الخليجية وما ذاك إلا مؤشر لمحو هوية المجتمع في قادم السنوات إن لم تتنبه لها الجهات المعنية ، بينما لهجتنا المكلاوية حلوة ومن الأماكن المرتادة ( الهيبر ) وهو مجمع استهلاكي تجد فيه اغلب ما تحتاجه الأسر لكنه يفتقد إلي لوائح انضباطية لحركة الدخول والخروج فيختطلت فيه الشباب بالشابات والعائلات بالإفراد ولا تفند من يشترى ومن يضيع الوقت في النظر الي محارم الناس وهم كثر وترى كثير من النساء يستخدمن السلل الخاصة بالبضائع مواصلات داخلية للأطفال وهو منظر غير حضاري والحق أن العاملين يقومون بدورهم في صبر وتحمل وهم على خلق في مخاطبة زبائنهم ولقد وضعتُ على احد العاملين فيه مقترحا لتحديد وقتا متسعا للعائلات فقط وكذلك فتح جناح خارجي للمخبز ليتمكن الآخرين شراء محتاجاتهم منه ، ولقد عملوا به في اليوم الثاني ونتمنى استمراره كذلك يحتاج المجمع إلي إذاعة داخلية توجيهية ولا اعتقد أنها لا تتوفر فيه لكنني لم اسمع شيئا يوحي لذلك .
وأثناء تجوالي في بعض الشوارع الرئيسية والفرعية لمدينة المكلا وديسها وحي الشرج أسجل كلمة شكر للأخوين / سالم عبد الحق مدير عام مديرية المكلا وطلال بن حيدرة مدير عام صندوق النظافة بساحل حضرموت على جهودهما في إظهار أحياء المكلا بالمظهر الذي تستحقه لاستقبال زائريها ، نظافة وانضباطا ومتابعة وحلولا لقضايا قاطنيها وما ذاك إلا شهادة أسترقتُ السمع إليها وهي تخرج من أفواه بعض الجلوس من الناس ، ولأن الإذن تعشق قبل العين أحيانا دونتها في مذكرتي وسطرتها لمن يقرئها الآن ، لكنني أسجل غصة ألمتني كثيرا أضعها على طاولة سالم وبن حيدره وهي ( حي ديس المكلا ) وشارعها الرئيسي الأول الذي لم تمسه بعد يد التحديث والتطوير ولا حتى إعادة التأهيل ، فهو مظلما ليلا وأعمدة الإنارة غير كافية والمتوافرة الآن شاحبة الإضاءة الي جانب انفجار بعض البيارات وترك مياهها تتمخطر تحت أقدام المشاة بالرغم انه الحي الأكثر تخرجا للمسئولين المؤثرين في المحافظة .
لعل أخر المشاهدات التي لا أستحبها هي تجاوز وعدم اهتمام بعض المواطنين للهيكل الهرمي للأطر المسئولة لحل قضاياهم الي جانب قلة المعرفة لمهام واختصاصات كلا منهم ، فمثلا ترى مواطن منتظر المحافظ لشرح قضية خاصة بصندوق النظافة او الاشغال او بتوظيف العمالة وغيرها من القضايا التي وضعت لها الحكومة مدراء واختصاصيين للنظر فيها وحلها فليس من المعقول ان يتفرغ المحافظ للنظر في قضية خاصة بإدارة معنية لم يعلم بها المدير المختص كذلك بعض المدراء يتجاوزون نظرائهم في المؤسسات الأخرى ليظهروا أمام المحافظ أنهم أحرص من غيرهم على حياة الناس واضرب لكم مثلا : حفريات الكهرباء والمياة والهاتف وغيرها من المرافق ذات العلاقة تجد بعض مدرائها يتوجه مباشرة الي المحافظ ليشرح له سير العمل ويطلب منه توجيه نظرائه في العمل المشترك .. بينما الآخرين لا يعرفون شيئا عن تنفيذ العمل وتقتضي أمانة المسئولية الوطنية ان يشرك معه ذوي الاختصاص لنجاح التنفيذ ومثل هولاء اتخذوا من نصيحة سيدنا يعقوب لأبنائه مخرجا لهم حين أوصاهم بان لا يدخلوا من باب واحد .
بقلم : سليمان مطران