حالة حقوق الإنسان في بلدان الربيع العربي واليمن

احتفلت كثير من دول العالم يوم العاشر من ديسمبر 2012م بالذكرى السادسة والأربعين لليوم العالمي لحقوق الإنسان،

هذا الإعلان الذي أصدرته المنظمة الدولية (الأمم المتحدة) في هذا اليوم من عام 1966م بعد أن شهدت البشرية حربين عالميتين الأولى 1914- 1918م، والثانية 1939 – 1945م راح ضحية لهما ملايين البشر بين قتيل وجريح ومفقود، وارتكبت فيهما فظائع جمة ضد الإنسان وحقوقه،

وأشدها فظاعة تلك القنابل النووية التي ألقى بها الأمريكيون على مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين والتي لازالت آثارها الإنسانية باقية حتى اليوم، وستظل ذكراها المؤلمة كجريمة حرب بحق البشرية خالدة في ذاكرة التاريخ ..

 وأهم ما جاء في هذا الإعلان هو إلزام الدول والحكومات باحترام حقوق الإنسان في بلدانهم، والمتمثلة في : حق الحياة، والتعليم، والصحة، وحرية الاعتقاد، وحق العمل، وحرية المعلومات،... وغيرها من الحقوق الأخرى .

وقد وافقت معظم دول العالم وحكوماتها على هذا الإعلان، وضمنت ذلك في دساتيرها ومنها اليمن وغيرها من الدول العربية والإسلامية، وعلى الرغم من توقيع الحكومات والدول على هذا الإعلان والتزامها باحترام هذه الحقوق لشعوبها؛ إلا أن هذه الحقوق شهدت وتشهد انتهاكات صارخة وخطيرة من قبل العديد من دول العالم، وأخص بالذكر البلاد العربية قبل ثورات الربيع العربي وخلالها، حيث مارست الحكومات العربية وتمارس انتهاكات فظيعة بحق الإنسان وحقوقه في بلدانها ولاسيما المعارضين منهم من القتل خارج القانون والاعتقال التعسفي، والاضطهاد، والقمع، وتكميم الأفواه إلى جانب الحرمان الاقتصادي من خلال سرقة ثروات الشعوب وتحويلها إلى أرصدة بمليارات الدولارات في البنوك الخارجية، وحرمان الملايين من أبناء هذه البلدان من فرص العمل ولقمة العيش والحياة الآمنة والكريمة، وكانت النتيجة الحتمية والمنطقية لهذه الانتهاكات والحرمان اندلاع ثورات الربيع العربي في أكثر من بلد عربي التي بدأت من تونس وانتشر لهيبها إلى مصر وليبيا واليمن وسوريا، وبدأت بوادرها في العراق التي تشهد هذه الأيام احتجاجات واعتصامات، وذلك بخروج ملايين الشباب في هذه البلدان، ومعهم معظم فئات الشعب الأخرى في مسيرات مليونية مطالبين بإسقاط أنظمة الحكم الاستبدادية القمعية في هذه البلدان .

وبالفعل تمكنت هذه الثورات من إسقاط رؤوس النظام، لكن النظام السياسي وأجهزته القمعية الذي أقامته هذه الرؤوس خلال عقود من حكمها لازال قائماً، وتتحكم رموز النظام القديم في كثير من مفاصل الحياة في بلدان الربيع العربي، وتعمل على إثارة المشاكل اليومية لعرقلة أية جهود تبذل للانتقال السلمي للسلطة إلى أيدي القوى الثورية الجديدة، وتملك هذه الفلول من القوة المادية والعسكرية ما يمكنها من التأثير السلبي على العملية السياسية والأمنية في هذه البلدان، كما هو حاصل في اليمن وفي مصر وفي غيرها من بلدان الربيع العربي .

لقد استخدمت الأنظمة الاستبدادية الديكتاتورية شتى الأساليب القمعية ضد المعارضين السياسيين بما فيها القوة العسكرية الغاشمة، حتى الأطفال والنساء والشيوخ وكافة المدنيين كانوا هدفاً لحربها الإجرامية ضد شعوبها، كما ارتكبت المجازر ضد المدنيين العزل؛ كما جرى في اليمن وفي ليبيا وفي مصر، ويجري اليوم في سوريا والتي لم يسلم فيها من قصف الطيران الحربي طوابير الخبز في العديد من المدن السورية، ناهيك عن آلاف القتلى والمفقودين والمخفيين قسرياً والمختطفين .

ومارس نظام المخلوع في اليمن أبشع أنواع الانتهاكات ضد الإنسان وحقوقه أثناء ثورة الشباب وقبلها، حيث واجهت الأجهزة القمعية الأمنية والعسكرية التابعة لهم الاحتجاجات السلمية للشباب الثائرين بالرصاص الحي، مما أدى إلى سقوط المئات بين قتيل وجريح، كما تم اختطاف وإخفاء العشرات من شباب الساحات الذين لازال مصيرهم حتى اليوم مجهولاً، كما لازالت أعمال القتل تمارس حتى اليوم بصورة وحشية بحق أبناء الجنوب الذي أصبح مسرحاً للتصفيات الجسدية لكثير من الكوادر الأمنية والعسكرية، ففي اليوم الذي يحتفل فيه بالذكرى السادسة والأربعين لليوم العالمي لحقوق الإنسان يتم اغتيال العميد أحمد سالم بارماده نائب مدير الأمن السياسي بمحافظة حضرموت، وفي اليوم التالي يقتل ضابط استخبارات في منطقة غيل باوزير، وبعدها بأسابيع يوجد مدير مرور القطن مقتولاً بطريقة وحشية في مدينة سيئون، وتسجل هذه الجرائم كلها ضد مجهول .. كما قامت الطائرات الأمريكية بدون طيار بانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان من خلال قتلها عدداً من المواطنين دون محاكمات خارج القانون تحت حجة محاربة الإرهاب .

كما انتهكت حقوق المواطنين الاقتصادية، حيث حرم الكثير من الشباب الخريجين وغيرهم من فرص العمل بسبب الفساد، إذ يتم تقاسم الوظائف بين المسئولين من أجل توظيف الأبناء والأقرباء .. ومن أبشع الانتهاكات لحقوق الإنسان في اليمن هي تلك الحصانة التي منحتها المبادرة الخليجية، وصادق عليها البرلمان اليمني لرأس النظام السابق ورموزه التي مارست القتل والتعذيب والاضطهادات والخطف والإخفاء القسري بحق شباب الساحات، وكذلك بحق أبناء الجنوب منذ عام 1990، ناهيك عن الانتهاكات الاقتصادية حيث نهبت ثروات الجنوب وأرضه من قبل المتنفذين التابعين للنظام المخلوع .. فالثورة لم تغير شيئاً في واقع الحال بسبب المبادرة الخليجية القائمة على التوافق .

إن حقوق الإنسان في اليمن شهدت وتشهد انتهاكات حقيقية، وأكثرها خطورة تلك الانتهاكات الخاصة بالطفل والمرأة ولاسيما الاقتصادية والاجتماعية، حيث يرغم الأطفال في سن مبكرة جداً إلى ترك مقاعد الدراسة للالتحاق بالعمل لرعاية أسرهم، كما تتعرض المرأة للظلم والاضطهاد والقمع وانتهاك حقوقها نتيجة للعلاقات الاجتماعية المتخلفة وغياب القوانين التي تحمي حقوقها، هذه العلاقات التي تتنافى مع القيم الدينية والأخلاقية التي ترفع من مكانة المرأة وتكرمها كأم وزوجة وأخت .

وفي الختام أجدها فرصة سعيدة بهذه المناسبة العالمية لأحيي وأرحب بمؤسسة (حق) لحقوق الإنسان.. هذه المؤسسة الوليدة التي أسسها مجموعة من المحامين الشباب في مدينة سيئون، كأول مؤسسة في الوادي تهتم بهذه الحقوق، وأشد على أيديهم، وأدعو كل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني لدعم هذا الجهد الطيب والخلاق لهؤلاء المحامين الشباب، وتقديم لهم كل الدعم الممكن، حتى يتمكنوا من أداء رسالتهم النبيلة .

بقلم / أ. فرج طاحس

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص