الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه والصلاة والسلام على الأمين المأمون المخاطَب من ربه بقوله : ( إنك ميت وإنهم ميتون ) وعلى آله وصحبه أجمعين .
الجمع الكريم أحسن الله ختامنا وإياكم في خير وعافية .. أيها الأحبة إن المؤمن لو خُيّر متى تريد أحسن وأصفى ساعاتك ؟ لقال في لهفة وشوق ساعة لقاء ربي لأنها الساعة التي يتقرر بها مصيره الأبدي ولابد منها ولكن ياترى على أي حال تكون ؟ وهذا الذي جعل الصالحين يلهجون بطلب حسن الخاتمة مع الخوف والرجاء والإلتزام بحسن الإقتداء بالنبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم .. أيها الأحبة نحن وإياكم في جنازة أخ لنا في الإسلام عرفناه أيما معرفة وقد اُمرنا بذكر محاسن موتانا ، فقد عرفناه مواظباً على الصلوات في جماعة سيما صلاة الفجر في المسجد وقد عرفناه في أخلاقه إنساناً ذو صبغة إنسانية إسلامية تتجلى فيه في حسن علاقته مع الجميع ، صاحب همة وعزيمة ورؤية يسعى في تحقيق هدفه بجد وإتقان ، قد انتهى آخر أيامه من تأليف كتاب عن مراحل بلدته الغرفة التاريخية ، كان يحمل هم مشروع جامعة وادي حضرموت مثلما حمل من قبل هم إنشاء جامعة حضرموت حتى تحقق حلمه وسعى من لبنتها الأولى إلى أن أتم صرحها المعروف مع مرفقاتها الأخرى فحري بالجامعة أن تسمي بعض مرافقها باسمه عرفاناً و وفاءًا بما قدمه رحمه الله .
فقيدنا من أسرة كريمة طالما أنجبت الأعلام من العلماء و الصلحاء والدعاة في حضرموت وسائر الأقطار وهم حيثما حلوا نفعوا وأقاموا الشراكة مع غيرهم عن قناعة تسري إلى العقول والقلوب
اتصلَ بي قبل وفاته بيومين واستغرق الإتصال نحو الربع ساعة وتداولنا الحديث الودي وعرّجنا على الوضع الحالي وكان ألمه وحرقته على ما وصل إليه الناس اليوم من صراع و تحريش ويا ليت من يتصارعون اليوم ويستفزون بعضهم البعض على حساب إقلاق السكينة وسيلان الدماء البريئة يتذكرون هذا المصير ويجعلونه نصب أعينهم .. فالدكتور رحمه الله خرج ولم يصطحب معه شيء من متاع الدنيا غير الأعمال والأقوال .
كان حريصا عليه رحمة الله على مزج التربية بالتعليم وقد صدق , فكم هي حاجتنا اليوم إلى أن تكون جامعاتنا في سير الإبداع والإنتاج والتصنيع على قاعدة التربية والأخلاق والحشمة والعفة وعدم قبول ثقافة التغريب و التحريش ، وأن تُجنَّب التوظيف السياسي ليبقى العلم والإسلام مصانان من أن يتخذا وسيلة لأغراض ضيقة ليعيش الناس بالإسلام للإسلام بمنطلقات صافية وأهداف ذات أبعاد إنسانية إسلامية لا تستقصي أحداً من خيرها بعيدة عن عقدة لا أريكم إلا ما أرى , وعن كلمة ( أنا ) التي تقابلها ( أنت ضدي ) .. إذ ( أنت ضدي ) وَهْمٌ من أوهام الشيطان أدخلها في العقل المخدوع لينتج التحريش وعلى أساس هذا الوهم كم قُدِّمت خدمات كبيرة للشيطان بإهانة بعضنا البعض والثمن كان غليان الجوهرة العظيمة وهي القلب بالغيض والذي ينتج سحق أو تشويه من أمامه .. وآفة كلمة ( أنا ) تعني أنا الأول أنا الأرفع والقمة ملكي ، والحقيقة أن الأول والأرفع ومن في القمة هو من عرف الله ورحم بهذه المعرفة خلق الله وتمثّل خُلق الرحمة المهداة
علماؤنا وعقلاؤنا وأساتذتنا الفضلاء خاصة والجمع الكريم عامة : أرجوا ألا نكون سبباً في انحراف مسيرة الناس والشباب خاصة وفي تطاول وجرأة أهل الفساد والباطل بالبعد عن معالجة واقعنا بما يمليه علينا ضميرنا وديننا بحجة اتقاء الفتنة أو غير ذلك مما يعني السماح لعقول من حولنا أن تستقي ثقافة الصراع والوقوع في شبكة إبليس من خلال إعلام أعوانه المأجورين المسعورين الذين يؤصلون دسائس الأنانية واستباحة اللدغ .
أيها الأحبة علينا أن نحافظ على وسطية المذهب وصلابة وصفاء العقيدة ووضوح الرؤية لتشع هويتنا التي خصنا الله بها وتعاقب على الحفاظ عليها أجيال بعد أجيال مع ما أصابها في المراحل السابقة من صدأ ، إلا أن الصدأ لا يؤثر على المعدن الزين إذا نفض هذا المعدن عنه تراب ذاك الصدأ من نعرات وثارات وقات و رشوات وحافظ على الأعراف الجميلات من الدخيل والآفات عندها ستشع تلك الهوية بالجمال الإنساني مرة أخرى لتسعف واقعها في حل مشاكله بأ عذب الألفاظ في قوالب الحكمة من غير بيع وشراء في القيم ، وهناك شعاع أمل ينبغي أن نساعد على إضاءته ليبصِّر الجميع ألا يُخدَعوا مرة أخرى وأن يكونوا هذه المرة من جند محمد الإنسان الكامل والرحمة المهداة والحبل الممدود من السماء لمن أراد أن يتمسك وينقذ نفسه وينقذ غيره و لا يأس و لا تيئيس فذاك مذهب إبليس .
أيها الأحبة إن أكثر مشكلاتنا اليوم من الصراع على الزعامة , والحقيقة الغائبة أن زعامة المسلمين ليست على بعضهم البعض ولكن على العالم كله إلا أنها زعامة رحمة وزعامة هداية وزعامة إنسانية وليست لهم على العالم كله ما لم تتحقق في دائرتها الصغرى وهو البيت الذي يشكو من الفرعنة داخله في بعض الأحيان فكم بحاجة ذلك البيت وتلك المدرسة وتلك الجامعة وذلك المسجد إلى من يروي عطش الوافدين إليه بماء الحياة السعيدة والأخلاق الرشيدة والتأكيد على حرمة الأعراض والدماء والأموال وتعطير الأجواء من منطلق أن الكل مسلمين والكل إخوان والكل على الخير أعوان وعندها تكون البيوت بيوت القرآن .
رحم الله فقيدنا الدكتور الشيخ علي رحمة واسعة وهنيئًا له عطية الله في وفاته يوم الجمعة وفي الحديث أن من مات فيها وقاه الله شر فتنة القبر .. والميت في قبره كالغريق في بحره ينتظر دعوة أو صدقة ونحوها من أخ أو محب له .
جعل الله قبورنا بعد فراق الدنيا خير منازلنا وختم لنا وإياكم بالخاتمة الحسنى وهو راضٍ عنا ،كُتبت هذه الكلمات على عجل من جوار بيت الله الحرام بمكة المكرمة حرسها الله وبلاد المسلمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ..
بقلم : الشيخ عبدالرحمن باعباد
وزعت بمسجد الجامع بالغرفة قبيل الصلاة على الدكتور علي هود باعباد