حين تلقيت نبأ وفاة البروفسور / علي هود باعباد ظهيرة يوم الجمعة تداعت الى مخيلتي أمورا كثيرة بعضها مفزع فزع الموت ورهيب رهبة الموقف ومزلزلة بحجم ذلكم الوقع المدوي لذلكم الخبر على نفسي الضعيفة فبقيت أتأمل وأردد : أفي مثل هذه الأيام نفقدك أيها الرجل النادر ونمنى بخسارة جديدة تضاف الى قوائم الخسائر المتوالية علينا كل يوم .. غير أني ظللت أردد : لست أدري اشر أريد بأهل هذه البلاد أم أراد بنا ربنا رشدا ؟؟!!.
لست أدري كيف أفسر رحيلك في هذه اللحظات العصيبة من تاريخنا الحضرمي الجنوبي اليمني على حد سواء . وأنت من أنت ونحن في هذا الحال ومن نحن ؟ لقد تركتنا في وضع عصيب سمعتك قبل أيام تشخصه أجمل تشخيص وتقترح له أفضل المعالجات .. بروح أبوية فوقية مبصرة لم تتغشاها غشاوة العصبية الجاهلة ولا الحزبية الضيقة ولا المناطقية المقيته ولا الأنانية المريضة .. بل بروح تحمل وعيا كبيرا وعمقا بعيدا وسندا من الشرع والعقل والمنطق والدراية لا يجاريك فيه غير قلة من الحكماء الذين قرأنا عنهم في بطون الكتب وتناقلتة إلينا أخبار السير في غابر الزمن .
غفر الله لك أيها الإنسان العظيم أيها الرجل النادر والمتبقي من رجال الزمن الأروع . غفر الله لك أيها الأب المربي والحركي المجدد .
كلما حاولت أن استذكر رجال الحركة الإسلامية في اليمن عموما وحضرموت خصوصا وابحث في تاريخ تلك الأيام الخوالي تقفز أنت الى مخيلتي بصورتك وهيئتك وهيبتك وانجازاتك ..
آخر مرة التقيت بك فيها أيها الأب الفاضل كانت في إذاعة المكلا قبل بضعة أسابيع وتحدثنا حول الحوار الوطني وتذاكرنا بعضا مما يجري على الساحة اليوم ، فوجدتك أنت أنت كما سمعت عنك وقرأت لك وتتلمذت على يديك في المعهد العالي للتوجيه والإرشاد .
وجدتك أنت أنت كما عهدتك ثابت في زمن المتغيرات ، شجاع في زمن الجبناء .. واضح في زمن التلبيس والتدليس .تقول للحق حق والباطل باطل دون خوف ولا وجل .. سمعتها منك مشافهة وأنت تقول يجب أن نقول الحق مهما كان الثمن الذي سندفعه حتى ولو لم يرضى عنا كثير من الناس .
كنت أريد أن اتصل عليك كي اربط معك موعدا لكي أتقصى شيئا مما لازال يحيرني وأنت خير من يستطيع أن تحل لي عقده وتنقذني من حيرته .. لكن الله قد حدد لك موعدا آخرا وأراد شيئا آخر فجعل لك موعدا آخر ومع شيئ آخر ، وكان قدر الله المحتوم النافذ .
فلا أملك الآن إلاّ أن أتوسل الى الله العلي القدير أن يتغمدك بواسع برحمته وأن يلهم أهلك وذويك ومحبيك الصبر والسلون .
غفر الله لك أيها الراحل عنا في مثل هذا الزمن العصيب الذي هو في حاجة لك ولأمثالك كي يحلحلوا بعضا من عقده
ايها الراحل عنا لست ادري هل أهنئك أم اعزي فيك محبيك فلربما تكون أنت المستريح وحدك من كل عناء .. لكننا لن نستريح بعدك ، ونعدك أن نظل على العهد والوعد الى يوم اللقاء .
وسلام الله عليك أيها الأستاذ الدكتور : علي هود باعباد يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعث حيا .
ونسأل الله أن يجبرنا في مصيبتنا هذه ويعوضنا خيرا منها وإنا لله وإنا إليه راجعون.
بقلم : محمد أحمد بالطيف