الحوار الوطني المرتقب مصير لابديل له في الأفق اليمني حالياً, وقد اكتنفته عدة منحنيات والتواءات مرهقة, ومخاض طويل وعسير, كما قدمت فيه تنازلات كبيرة , وليس من السهل العودة فيه الى الوراء , كما انه من غير المقبول والمعقول السكوت او التغاضي وغض الطرف عن المعوقات والمسببات التي لازالت – بقصد أو بغير قصد - حجر عثرة في طريق نجاحه, ولأن الحوار بين جميع الفرقاء السياسيين والمكونات الثورية والمدنية , فهو يحتاج الى حلول جادة وملموسة, يشترك في إيجادها والبحث عنها الجميع , - دون استثناء- , لأن الأعباء ستكون أيضاً على الجميع.
لكن التمثيل الضئيل لشباب الثورة السلمية , غير عادل بما فيهم المستقلين والمهمشين والبسطاء ,والذين يشكلون جزءاً كبيراً لا يستهان من شريحةٍ كان لها دورها الكبير في الثورة , بل وكانوا شرارتها الاولى , ووقودها الملتهب ,وإن كانوا مشتتين ولم ينطووا تحت لافته وغير منظمين - كما يقال- لكن هذه الشريحة الكبيرة سيكون تغييبها او تجاهلها والانتقاص منها , استمراراً لثقافة الاقصاء وسيراً على خطى النظام المطلق البائن, ولن تمر بسلام.
وكذلك ما تردد من سحب الاعتراضات من قبل المؤتمر واللقاء المشترك, مما يهيئ لمناكفات ومكايدات جديد في الحوار نفسه , كما سيتيح المشاركة الغير متعادلة والغير متوازنة ,وهذا يعني أنه لا توجد ضوابط للحوار, مما يجعله حوار بين القاتل ومساعدوه , والصامتين , وهو ما سيكون دافع لعدم الاعتراف بالمبادرة الخليجية و سقوط الحصانة وعدم الاعتراف بها ايضاً .
كما ان علامات الاستفهام ستبقى تخيم على الحوار . بأن هناك تنازل عن حق الشهداء بطريقة أو بأُخرى !. فسحب الاعتراضات يعني الموافقة على القبول المبدئي بإشراك القتلة في الحوار ! .
فما نخشاه المساومة او التساهل بدماء الشهداء والتعامل معها باجتماعات وحوارات غير متساوية , يدير لجنة التحضيرية فيها المستشار السياسي للقاتل الذي يُعتبر موقعه - السابق- رأس الحربة باستباحة الدماء , وحتى لا يكون الحوار مأتم تشرب فيه العصائر, وتنفخ فيه السجائر, ثم تقرأ بعد ذلك الفاتحة على أرواح ,الشهداء !. نتمنى أن لا تكون صفقة يدفع ثمنها ابناء اليمن مرة أًخرى !.
ومن المعوقات الغياب الفعلي -على أرض الواقع- للقرارات العسكرية المتعلقة بهيكلة الجيش واستعادة هيبة الدولة , والتي بدونها لن يكون المجال مهيأً لحوار وطني حقيقي .
كما توجد معوقات من أبو خمسة نجوم , كثر تدليلها بكثرة مصادر الدخل والدعم , والتي هي من العيار الثقيل , وتتمثل بمؤتمر جماعة الحراك المسلح , أو منظومة المحك الثلاثي والذي تضم:
- حزب مؤتمر المخلوع الذي مازال يديره ويرأسه قتلة الثوار, كنوع من التحدي المتعدي لما بعد الثورة الشبابية السلمية , وهو ما يجعل المبادرة مؤامرة , كما أن هذا التصرف المتصلف , حجر عثرة متعمدة واستهتار صريح في وجه الحوار .
- وجماعة التمرد الحوثية التي تتنكر بأكثر من وجه , وتظهر بأكثر من خطاب , بل وتتلون اكثر من تلون الحرباء , والتي تحاول أن تحظى بأكبر عدد من المقاعد في تشكيلة الحوار الوطني . هذه الجماعة التي أسس بذرتها الرئيس المخلوع على صالح لتكون نداً للحركة الاسلامية ولكي يرتاح هو وحزبه من المهاترات مع الاسلاميين , فكان دعمه لها رسميَّاً تحت لافتة الشباب المؤمن . كما طبع كتبها وفتح لها الحوزات العلمية, - كما جاء على لسانه - . بعدها كان التنسيق -لأفراد منها- بالابتعاث لإيران للدراسة الفكرية التي تمكنهم من مقارعة خصوم المؤتمر في المساجد والمدارس والجامعات.
- وكذلك الحراك الجنوبي الذي لم يحسم موقفه بعد بشأن مشاركته في الحوار, وذلك لتعدد المكونات في صفوفه, رغم انه ليس بالضرورة أن يشارك الجميع كما هو شان جميع الحوارات .
- اضافة الى الحراك المسلح , الذي أزاح الحراك السلمي جانبا ولم يعترف به وبرواده وأنصاره. ولِما يحظى به هذا الفصيل من دعم مادي ايراني , وغطاء سياسي اشتراكي وتعاون مؤتمري , لأن كثير من قيادات المؤتمر اشتراكيون في الاصل ويعملون بنفس الشريحة وعلى التردد ذاته.
فمحاولة البعض جر اليمن – كما يقول :ياسين سعيد نعمان - لتكون ساحة لصراع اقليمي ,عمل خطير, وسيجلب المتاعب للمنطقة كلها, والتطرف محلياً سوف ينتج تطرفاً خارجياً، والحديث عن الكفاح المسلح هو نوع من التطرف قد يعطل عدالة القضية في الجنوب.
ولهذا فتغليب لغة العنف , وتهرب الحوثي والحراك المسلح من الحوار الوطني المرتقب . يطرح تساؤلات كثيرة- في حال فشل أو نجح الحوار- كما يجعل الخيارات مفتوحة لدولة النظام والقانون القادمة - والمؤيدة داخليا والمساندة والمباركة إقليميا ودوليا- تجاه هذين الفصيلين , والتعامل معهما بمنظور دولي وتأييد اقليمية كمجموعات ارهابية مسلحة ..
بقلم : فـؤاد الحبـيشي