الحقد يقتل صاحبه

هاهو رجل كان له جمل يملكه ، فقام الرجل بضربه ضرباً موجعاً ، وكان يعرف انه لن ينجو من حقد الجمل ولا من غدره وبما عرف عنه من كتم الغيض حتى تحين الفرصة للانتقام ، فقام ببيعه سريعاً لإحدى القبائل .

 ومرت عشر سنين كاملة ، والبعير من مالك إلى مالك ، ومن قبيلة إلى قبيلة ، وأما الرجل فظل يمارس حياته العادية .

وذات يوم وهو في سفر مر بقبيلة من القبائل ، فقاموا باستضافته ، وهبوا لإكرامه ، ونصبت له خيمة خاصة به ليأكل فيها ويشرب ، وينام فيها من عناء السفر ، وبينما الرجل يتجول أثناء النهار رأى جمله القديم ، ورأى الجمل صاحبه القديم ، وعرف كل منهما الآخر ، وحينما أسدل الليل ستاره وانصرف كلٌ إلى خيمته ، قام الرجل يتصرف بغرابه ، وأخذ يجمع الرمل والأحجار داخل خيمته ، وخلع ملابسه كلها وحشاها بأحجار الرمل ، وهرب عارياً تماماً ليدبر أمره فيما بعد .

وفي الليل قام البعير بتقطيع كل خطام وفك قيده ، وجاء إلى الكوم الرملي في الخيمة وبرك عليه وصار يطحن ويطحن بنحره ومبركه ممزقاً الملابس وكل شي تحته حتى اطمأن أنه قضى على الرجل .

وتمر السنين تلو السنين ، ويمر الرجل بإحدى الأسواق فإذا هو ينظر إلى جمله القديم ، والبعير ما إن وقعت عيناه على الرجل إلاّ سقط  وفارق الحياة حزناً وكمداً .

فالبعير أحقد حيوان على ظهر الأرض ،  وأول خطيئة كانت في الوجود هي خطيئة الحسد حيث حسد إبليس آدم وأبي أن يسجد له فحمله الحسد على المعصية , وكان سبباً في طرده من رحمة الله تعالى , كما أن أول جريمة حدثت على ظهر الأرض كانت بسبب الحسد حينما حسد قابيل أخاه هابيل .

ولقد نهى الإسلام عن الحقد والحسد وحذر منه لما له من خطر على الدين , والآيات والأحاديث في ذم الحقد والحسد كثيرة نذكر قوله صلى الله عليه وسلم : «لا تباغضوا ، ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد اللَّه إخوانًا»

فالحقد صفة ذميمة ، وخلق سيئ ، لا يتصف به إلاّ صاحب النفس الغير سليمة ، المليئة بمخلفات الكراهية ، وحب التفرد بالرأي ، وإقصاء وتهميش الآخرين ، وتراكمات العقد النفسية ، هذه النفوس لا تتنفس إلاّ بالغيبة والنميمة ، ولا ترتوي إلاّ بأذية الآخرين ،  والافتراء والكذب عليهم ، والنقص من قدرهم .

فالحقد من أشد أمراض القلوب فتكاً بصاحبه ، ونار الحقد لا تأكل إلاّ صاحبها ، ومن كلامهم فيه ( لله در الحسد ما أعدله ، بدأ بصاحبه فقتله ) .

وقد يبتلى الإنسان بحاقد وهذه ضريبة النجاح ، فلا تتوقف عن النبض بالحياة والمحبة ، فالنفس المريضة لن تثنيك عن نجاحك وعزمك .

اصبر على حسد الحسود فان صبرك قاتله       كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله

وقد قال الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله ( إذا لم تجد لك حاقداً ، فاعلم انك إنسان فاشل ) ، فالناجح هو من ابتلي فصبر ، وتوكل على ربه فظفر .

فالإنسان يترفع عن أوساخ الحقد ، ويقاتل الناس بالحب ، ويوسع قلبه بالعفة والطهارة ،  ويعتصم بالله فهو المعين والناصر .

اللهم اصرف عنا كيد الكائدين ، وحقد الحاقدين ، واجعل حياتنا عامرة بالحب والخير والأمان ، والطمأنينة والسكينة والوئام .

بقلم : محمد سعيد باوزير

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص