هل رَجع الحزب؟!!

ليس القصد من هذا العنوان ، أن الحزب الاشتراكي اليمني عاد بكل قوامه وقواه .. ولكنني أتساءل.. هل ثقافة ذلك الحزب عادت من جديد إلينا بحضرموت ؟!.

لعل الكثير من أبناء حضرموت سمعوا بتلك الواقعة التي جاءت على شكل (نكتة ) ومفادها : أن امرأة بحضرموت كان يأتـيها زوجها إلى البيت سكران بالماضي ، ويناديها من الشارع بأعلى صوته باسمها لتفتح له باب داره ، فتعودت منه ذلك الأمر ، وبعد عام تسعين ترك ذلك الزوج الخمر بحكم منعها حكومياً (كأي دولة إسلامية ) - إلاّ ما كان خافيا -ً ، وبعد هذا التاريخ بسنوات جاء ذلك الزوج بيته سكراناً ، ولما شرفت زوجته وشاهدته وهو يميل شمالا ويميناً ويصيح عليها ويناديها باسمها بأعلى بصوته مُغرغراً كما كان زمان .. قالت بأعلى صوتها ( واه صالح سكران - الحزب رجع - وأخذت تغرد وليليليه وليليليليليه}

ويعلم المعاصرون أيضاً أن العلماء والدعاة وخطباء المساجد أوذوا في أنفسهم ، وأخذت أموالهم ، بل تم اختطافهم واختفوا، وعُذبوا وووو... في السبعينيات ، كونهم يخالفون مباديء النضال الاشتراكي آنذاك ، المنافية للشريعة الإسلامية ، بالمقابل لم يؤذى آخرين!! .. واليوم للأسف نرى وكأن ثقافات النضال الاشتراكي عادت إلينا من جديد ، عندما نشاهد عدم احترام آداب وسنن ديننا الإسلامي جهارا !!.

* بماذا نفسر .. عندما حُرق إنسان مسلم بحجة أنه من أبناء الشمال المحتل للجنوب ، وهل حرق الثوار الشرفاء أثناء حرب تحرير الجنوب أحد جنود الاحتلال البريطاني غير المسلمين ؟! ، أم أنها عودة لأيام السبعينيات !! .

* ماذا يعني عندما أغلقت مدارس تحفيظ القرآن في بعض قرى وادي حضرموت القريبة من مدينة سيئون ، بحجة أن القائمين عليها هم من مكون سياسي غير مرغوب فيه .. والسؤال لو كان يدير هذه المدارس وبنفس الآيدلوجية .. أناس من الحزب الذي لم تمس مقراته ، هل سيتجرأ الحراك بإغلاقها ؟!! ..

وسمعنا أيضاً بأن مثل هذه المدارس حُرقت في مناطق جنوبية ، معروفة تاريخيا بتمسكها بالفكر الاشتراكي سياسة ومنهجا حتى عام 1990م ، بل فَهِمَ هؤلاء بأن الرجولة تكمن في الانضمام إلى قوام الحزب الاشتراكي ، وهذا ما عايشناه وشاهدناه بأم أعيننا في السبعينيات من القرن الماضي أثناء تأديتنا الخدمة العسكرية الإلزامية ، كون أبناء تلك المناطق يمثلون السواد الأعظم للجيش الجنوبي آنذاك .

* بماذا نفسر أيضاً عندما .. ينتقد العقلاء تصرفات شباب الحراك عند إغلاقهم للشوارع الداخلية التي يتضرر منها المارة وليس المحتل ، وهي تصرفات تخالف آداب وحرمة الطرقات ، التي يفهم أبناء حضرموت بأنها ماهي من الآداب الإسلامية ، وقد تكلم خطيب مسجد "طه" بسيئون الجمعة 15/ 3/2013م بقوة على حقوق الطريق من منظار إسلامي .. يرد هؤلاء الشباب بعبارات السب ولعن ..... التي تقشعر منها الأبدان ، وهذه العبارات انتشرت في السبعينيات أيضاً !!..

ولو استمر هؤلاء العقلاء في انتقادهم لهذه الأمور، لرموهم بالحجارة ولصنفوهم بأنهم من الحزب التكفيري ولعادوهم وتعاملوا معهم بالعنف الثوري والدم الأحمر ، و بلا شكً أن هذا النضال شكل من أشكال نضال الرفاق في السبعينيات !!.

* ماذا يعني .. عندما تم الاعتداء على أحد مشايخ العلم داخل أحد مساجد تريم من قبل أحد مناضلي الحراك جهاراً؟!! بعد أن ألقى محاضرة لم يتطرق لأي موضوع سياسي ؟!!

* بما نفسر عندما .. أنزل خطيب من منبره دون مراعاة حتى للذوق العام- حتى ولو اُختلفنا معه - ناهيك والآداب الإسلامية ، التي لم تكن في الحسبان عند البعض اليوم ، وكأننا في تلك الأيام العجاف تلك!! ،

* بماذا نفسر أيضاً.. عندما ُأقتحم مناضلو الحراك فعاليات شبابية أخرى وانهالوا عليهم بالسب والشتم وهم يؤدون صلاة العشاء دون مراعاة لحرمة شعائرنا الإسلامية !!.

* بماذا تعني هذه التصرفات الدخيلة حتى على السياسة .. من خلال خلق الكراهية في عقول الأطفال الأبرياء والمراهقين ، واستغلال حماسهم ، وتغيير فطرة الدين فيهم، كل هذا باسم النضال المشروع .

- نشر أحد الأخوان على "الفيس بوك" قائلاً: عندما كنت ماراً على دراجتي النارية ألقيت السلام على مجموعة من الشباب و رد أحدهم - وهو من تربطني به صلة قرابة- ( ثورة ثورة يا جنوب ) ..هكذا تفعل الكراهية بالناس ، وعندما تسيطر على العقول فلا ننتظر أن تُراعى حتى سنن الإسلام ، ويكون الاستهتار بها أمرٌ عادياً !!.

- كانت تحكي لي قريبتي الساكنة بالحي الغربي لمدينة سيئون ، أنه أثناء الأحداث التي شهدتها سيئون نهاية شهر فبراير الماضي ، أن أبنها الذي لا يتجاوز الـ15 سنة قام مع مجموعة من الأطفال بجانب بيتها ، بسد أحدى الطرقات الداخلية المؤدية إلى داخل ذلك الحي أمام المارة ، ولما جاءت سيارة (هايلوكس) بها أسرة ويريد سائقها الدخول إلى الحي رفض هؤلاء الأطفال { المناضلون الأبرياء } دخول السيارة ، ولما رأت تلك الأم هذا الموقف السخيف المعيب ، عاتبت أبنها على هذا التصرف غير المنطقي ، عندها استجاب الأطفال لكلام الأم وتركوا نضالهم وسمحوا للسيارة بالمرور.. ما هي دوافع هؤلاء الصبية يا ترى ؟.. سنعرفها من خلال جواب ذلك الابن لأمه حين قال لها : وإلاّ كيف بايقع التحرير !! .. فردت أمه بلهجتها { لك حرَّة تشلك ، لا كذ التحرير إلاّ با جي من عندكم معاد بغيناه .. وأيش ذنب صاحب السيارة ما تشوفون وسطها حريم ياقلال الأدب !!}.

- وطفل آخر من قرية قريبة من مدينة سيئون ، غُُرر به إلى حد هذه المغالطة والكراهية الخبيثة التي تسيء لأصحابها قبل المستهدفين .. ذلك الطفل يدرس في الصف الثاني ابتدائي !!، قال لخاله: ياخال أنت إصلاحي أو وجنوبي.. فضحك الخال ثم رد قائلا : أنا إصلاحي وجنوبي ، فرد الطفل ثانية لا لا ياخال مايقع إصلاحي وجنوبي خذلك واحد !!.. بماذا نفسر هذه المغالطات التي ُتغذى بها عقول هؤلاء الأبرياء ، لو فرضنا أن ذلك الخال من حزب المؤتمر هل سيتجرأ ذلك الطفل بسؤاله هذا وهل سيقول لخاله أختر لك واحد ؟ ، أم أن ذلك الحزب أصبح جنوبي بامتياز ؟!! عجبٌ أمر هؤلاء المناضلون الجدد !!. أي الأحزاب سعت بحضرموت الفساد ؟! ، ونهب أصحابه الأراضي بحضرموت وأصبحوا يملكون بالشُفعة العقارات والأراضي ، ولا فرق بينهم وبين المتنفذين الشماليين إلا ّ الاسم .. وأي الأحزاب أقرب لدولة احتلال بحضرموت ، وأصحابه لازالوا أيضاً يحكمونها إلى اليوم بالطريقة الشمالية المحتلة ، رافعين عالياً شعار الشمال (القات) آمنين سالمين !!.

الخلاصة .. من غرس هذه الثقافة قي شبابنا ياحراك ؟!..أليست هذه التعبئة تشبه تعبئة الرفاق لشباب السبعينيات ، حين غرسوا آنذاك فيهم ثقافة الطبقية بعد أن صنفوا الناس حسب آيدلوجيتهم ، ثم شحنوا أولائك الشباب بثقافة الكراهية للطبقات المضادة لذلك النظام ، ثم استغلوا حماسهم وأخرجوهم إلى الشوارع يرددون شعارات التهديد والوعيد والسب والشتم{للكهنوتي - والإقطاعي - والرجعي - والبرجوازي ووو....} ، - بالعنف الثوري - ولا صوت يعلوا - .. والويل لمن خالف قوانينه .. والويل كل الويل لمن انتقد وقال أنها مخالفة للأعراف والآداب الدينية ، وهذا أمر طبيعي في تلك المرحلة !!! أما اليوم فتلك الثقافة قد ولَّت وندم أصحابها لأنهم كانوا يعتقدون بأنهم سيظلون أقوياء ولن { يضعفوا من بعد قوة } - سبحانه مغير الأحوال - .. ألا تشبه طرق نضال اليوم طرق الأمس .. أي سلمية هذه.. أي نضال معاكس هذا؟!. لعله من طراز جديد !! إذن فلا غرابة في ذلك ، لا سيما وكما يقال أن َصْفوة الحراك يحملون ثقافة تلك الحقبة الماضية { أصحاب المصلحة الحقيقية لتلك المرحلة} ولو أنهم تبرءوا منها كما يزعمون، ولعل نضالهم هذا أيضاً يذكرنا بنضال الليبراليين في بعض الدول العربية اليوم .. وهل ثقافة السبعينيات موجودة إلى اليوم في أذهان البعض ومدفونة تحت الرماد، وعندما يحن البعض إليها يظهرها ويرجع الإنسان إلى أصله كما يقال ؟!!!.

تذكرت وأنا أكتب .. عبارة قالها " الجفري" رئيس حزب الرابطة في قاعة إدارة المأمور بسيئون بداية التسعينات مفادها:{ يجب أن نعلم أنه لا احد يبقى قوياً ، ولا أحد يبقى ضعيفاً باستمرار- اهـ.}.

نعم إنها عبارة حكيمة قالها رجل سياسي حكيم.. بالأمس كان في نظر الرفاق رجعي امبريالي واليوم رفيق نضال - سبحانه مغير الأحوال - !!.. نعم كان بالماضي لا صوت يعلو، وأصحاب ذلك الصوت يملكون كل شيء !! ، أما اليوم فالكل يملك كل ما كان يملكه الرفاق في الماضي.. فلنحافظ على سلامة سفينتنا {حضرموت}، لأن سلامتها تعني سلامتنا جميعاً والعكس صحيح - مهما اختلفت مذاهبنا -.. وليعلم جيل اليوم أن حضرموت ليست بقعة جغرافية وجب إرجاعها إلى أهلها .. بل هي أكبر من ذلك .. فحضرموت هي قيم نادرة يفتخر بها الآخرون قبل الحضارمة .. هي ثقافة نادرة ولو أن بعض الحضارمة تخلوا عنها وتشمللوا .. (حضرشم) ولابد أن نضع في نصب أعيننا أن مصلحة وسلامة سفينتنا أولاً ، ولا خير فينا إذا لم نحافظ على أواصر الأخوة داخل حضرموت .. حضرموت الخير والعلم والتاريخ.. وعلينا أن نتذكر دائما ماقاله الجفري .. ونعرف من هم أعداءنا الحقيقيون .. وأن لا نخلط أوراق النضال .. حبي لحضرموت وأهلها...

بقلم : الأستاذ / سعيد جمعان بن زيلع

إضافة تعليق
الأسم
موضوع التعليق
النص