لقد ارتبط بروز القضية الجنوبية بنتائج وآثار حرب صيف 1994م المشئومة التي شنها النظام المخلوع على المحافظات الجنوبية، وبالظروف الاجتماعية والاقتصادية التي خلقتها السياسة التي سار عليها هذا النظام منذ نهاية هذه الحرب، إذ اعتمد هذا النظام عدداً من الإجراءات التي تهدف إلى تدمير التراث السياسي والإداري في الجنوب .
وبعقلية المنتصر الجاهل المغرور راحت هذه السلطة تدمر جهاز الدولة الجنوبي وتسرح عشرات الآلاف من موظفيه المدنيين والعسكريين دون مراعاة لحقوقهم المشروعة، كما جرت عملية خصخصة لمؤسسات القطاع العام من خلال عملية نهب فاسدة ورمى بهؤلاء الموظفين المدنيين والعسكريين إلى سوق البطالة بدون حقوق أو تعويضات، وبالمثل طرد الفلاحون من أراضيهم وصودرت مزارع الدولة وتم توزيعها على حفنة من المتنفذين، ونهبت أراضي الدولة لصالح فئة صغيرة من كبار المسئولين والضباط، كما نهبت أيضاً الأراضي والممتلكات الخاصة لأعداد كبيرة من المواطنين، حيث لم يميز النظام المخلوع بين أعضاء الاشتراكي الذين لم يتجاوز عددهم عشية الوحدة (25.000) وسكان الجنوب الملتحقين بالوظيفة العامة في الدولة الجنوبية ومؤسساتها المدنية والعسكرية، حيث بلغ عدد الذين سرحوا وحرموا من وظائفهم وخصخصت مؤسساتهم ومصانعهم ما لا يقل عن (180) ألف، كما تم إخضاع المحافظات الجنوبية لإدارة عسكرية وأمنية، كما مورست ضد أبناء الجنوب التصفيات والانتقام، وأشيعت في هذه المحافظات حالة من الفوضى والفلتان الأمني، وتصفية الكثير من الكوادر الأمنية والعسكرية الجنوبية جسدياً، كما تم إحياء أنواع النزاعات القديمة من سياسية وقبلية وغيرها .
وإزاء هذه السلوكيات والممارسات التي سار عليها هذه النظام كان من الطبيعي والمنطقي جداً أن تنشأ في الجنوب حركة رفض شعبية سلمية واسعة عمت كل الجنوب بمدنه وقراه، استقطبت كل شرائح المجتمع، وكانت محافظة حضرموت هي السباقة في هذا الحراك السلمي منذ عام 1998م حيث سقط الشهيدان بارجاش وبن همام برصاص رجال الأمن، وقد تميزت فترة عام 2007م بتواصل الاعتصامات والاحتجاجات والفعاليات السلمية، وانحصرت أهداف الحراك السلمي في البداية بالمطالبات باسترجاع الحقوق التي صادرها النظام المخلوع كقضية المسرحين قسرياً والمتقاعدين وأصحاب الممتلكات المستولى عليها عقب حرب 1994م، ثم طرحت المطالب السياسية كحق المواطنة المتساوية وإعادة صياغة الوحدة على أسس جديدة، بل تطورت هذه المطالب إلى المطالبة بفك الارتباط واستعادة الدولة الجنوبية .
وقد واجهت سلطة النظام المخلوع هذا الحراك السلمي لأبناء الجنوب بوحشية كبيرة حيث أطلق جنود النظام الرصاص الحي على هؤلاء المحتجين السلميين الجنوبيين، مما أدى إلى سقوط العشرات من القتلى والجرحى، وزج بالعشرات في السجون، وأقيمت المحاكمات الصورية للعديد من قادة الحراك السلمي، بهدف إسكات هذا الصوت الجريء الذي تحدى سلطة الاستبداد والقمع في اليمن، وكانت هذه الاحتجاجات هي الشرارات الأولى التي فجرت ثورة الربيع اليمني ثورة الشباب ضد النظام الجائر التي احتفل في الأيام الماضية بذكراها الثانية في ظل تآمر كبير وواسع على هذه الثورة ومحاولة لاحتوائها وصرفها عن أهدافها التي قامت من أجلها وقدم الشباب حياتهم فداءً لها .
ولكن للأسف ما يؤخذ على الحراك السلمي هو افتقاده للعمل المؤسسي المنظم، وللقيادة الموحدة حيث ظهرت عدة مكونات له، لكل منها قيادته وبرنامجه الخاص مما أفقد هذه القيادات سيطرتها على الشارع، مما سهل اختراق الحراك والاندساس وسط فعالياته لحرفها عن الأهداف التي قام من أجلها من قبل عناصر مندسة تعمل من أجل تحقيق أجندات خاصة تخريبية وأخرى سياسية تخريبية تتمثل في قيام مجموعة من الشباب والأطفال بإثارة حالة من الفوضى والاعتداء على الأموال العامة والخاصة وعلى الآخرين حتى يتمكنوا من النهب والسلب .
أما سياسياً فتتمثل في الدفع بمجموعة من المخبرين السريين وبعض الشباب المأجورين الذين تم إغراؤهم بالمال من قبل جهة سياسية متضررة من عملية التغيير من أجل خلق حالة من المصادمات والاحتكاكات قد تؤدي في بعض الأحيان إلى مواجهات مسلحة يسقط فيها قتلى وجرحى مما يزيد من الاحتقانات بين المؤيدين للحراك والمؤيدين للفعاليات الأخرى، وحقيقة إن مثل هذا العمل لا يخدم القضية الجنوبية بقدر ما يخدم أعداءها ويصور الحراك وكأنهم مجموعة من الفوضويين لا قضية لهم، فالاعتداء على الممتلكات العامة وتدمير ممتلكات المواطن الخاصة كما حصل يوم الجمعة 21/ ديسمبر/2012م في الفعالية التي أقامها المجلس الثوري، حيث تم الاعتداء على بعض سيارات المواطنين وتهشيم زجاجاتها عمل مرفوض ويخلق ردة فعل سلبية، ويؤكد أن هناك عناصر مدسوسة تقوم بهذه الأعمال خدمة لأجندات سياسية معادية وهي التي خططت ومولت لمثل هذا العمل .
إن تجنيد الأطفال الصغار والشباب الفوضويين لتدمير الأملاك العامة والخاصة وردم الطرقات بالحجارة، وإشعال النيران في الإطارات لعرقلة حركة السير، هذا عمل بالتأكيد مدان، وهذا ما أكدته كثير من قيادات الحراك والمواطنين، والغريب جداً أن هذه العناصر التي تدعي انتماءاها للحراك تتوارى وتختفي بعد هذا العمل، وتترك الأطفال الصغار دليل على أنها مرسلة من جهة ما .
وتمجيداً للذكرى السابعة ليوم التصالح والتسامح التي تم الاحتفاء بها في يناير الماضي، فإنها فرصة جميلة لجميع المكونات في هذه المحافظة أن تفتح قنوات للتواصل والحوار فيما بينها من أجل نبذ العنف واحترام الآخر .
بقلم : فرج طاحس